لماذا يهاجمون اللجنة الدستورية؟
عماد طحان عماد طحان

لماذا يهاجمون اللجنة الدستورية؟

تصاعدت حملة هجوم واسعة النطاق على اللجنة الدستورية منذ لحظة الإعلان عن تشكيلها على لسان الأمين العام للأمم المتحدة، ولم تتوقف حتى اللحظة...

تشترك في الحملة جهات سياسية متعددة، ومتناقضة شكلياً؛ يمكن تصنيفها بشكل أولي بالفئات التالية: 1- الذين تم استبعادهم. 2- جهات محسوبة على المعارضة. 3- جهات محسوبة على النظام.

يجب إشراكهم

أما الفئة الأولى، فيمكن تفهم موقفها، وبشكل خاص القوى السياسية المنضوية ضمن قسد أو المقربة منها. وتَفهُّمُ الموقف لا يعني بحال من الأحوال تبريره؛ هنا يمكن التذكير مثلاً بموقف جبهة التغيير والتحرير وهي نواة منصة موسكو لاحقاً، عام 2014 قبيل جنيف 2، حيث أعلنت الجبهة تأييدها ودعمها لعقد جنيف2 رغم إقصائها عنه، وأصرت أنه «ينبغي أن ينعقد ولا يجوز تأخيره ساعة واحدة»، وذلك رغم معرفتها أن طبيعة القوى التي تسيدت المشهد في حينه، ومن الطرفين، لن تسمح بتحقيق أي خرق حقيقي؛ مع ذلك فقد أيدت انعقاد اللقاء انطلاقاً من إصرارها على ضرورة الحل السياسي وإدراكها أنّ مجرد انعقاد اللقاء في حينه، وأياً تكن نتيجته، فإنه سيشكل خطوة إلى الأمام باتجاه الحل، وهو ما جرى فعلياً، حيث سمح اللقاء في حينه بتعرية القوى المتشددة أمام الشعب السوري، والتي ذهبت إلى اللقاء مرغمة وراغبة بتخريبه عبر الطروحات المتشددة، ولكن من حيث تدري أو لا تدري، فتحت الطريق بذلك لتغييرات عديدة، فرضها الواقع وتطور ميزان القوى الدولي، وصولاً إلى المشهد الذي نراه اليوم.
إنّ الموقف الأكثر حكمة وتبصراً، كان ينبغي أن يكون بتأييد تشكيل اللجنة والمطالبة بالتمثيل ضمنها، وموقف كهذا كان سيضع كل القوى العاملة على إطالة عمر الأزمة، والتي تحاول استخدام ملف الشمال الشرقي كملف إعاقة طويل الأمد، عبر عزله عن سورية، وبشكل خاص واشنطن، كان سيضعها في زاوية حرجة، وسيضع قسد في موقع متقدم.
ولعل تصريحات جيمس جيفري الأخيرة، يوم 27 من أيلول، والتي قال فيها إنّ الإدارة الذاتية مشاركة ضمن اللجنة، ولها أسماء ضمن الثلث الثالث، في تناقض تام مع ما قالته الإدارة الذاتية نفسها، ويكون درساً جديداً بين الدروس الكثيرة، التي آن للبعض أن يتعلّم منها أنّ من يشد ظهره بالأمريكي سرعان ما سيكسر الأمريكي بالذات- وقبل أي أحد آخر- ظهره وعظامه... خاصة وأنّ الاعتماد على أنّ حلاً سياسياً في سورية لن يتم إلا بموافقة الأمريكي ومشاركته، بات اليوم وهماً مكتمل الأركان؛ فاحتمال خروج الأمريكي من الملف السوري بأسره (لمن يرى ويبصر ما يجري حول العالم، وفي سورية نفسها)، بات احتمالاً مرتفعاً، إنْ لم نقل احتمالاً شبه مؤكد!
في كل الأحوال، فإنّ اشتراك القوى التي تم إقصاؤها، وليس قسد فقط، هو أمر ضروري وينبغي العمل عليه للوصول إلى تحقيقه الذي نعتقد أنه ممكن في آجال غير بعيدة.

جهات محسوبة على المعارضة

طالعتنا الصحف الخليجية والمنابر الإعلامية الخليجية بشكل خاص، إضافة إلى بعض المنابر الغربية، وكذلك عبر وسائل التواصل، بهجمة شرسة شنتها شخصيات وجهات عديدة من تلك المحسوبة على المعارضة، بينها كالعادة الإخوان المسلمون الذين رفضوا اللجنة سابقاً، ورفضوها ببيان جديد مؤخراً (وأعلنوا كذباً عدم مشاركتهم فيها، مع أنّ ممثليهم المعلنين وغير المعلنين لا يزالون مشاركين في اللجنة ولم ينسحبوا، وفي هذا الإطار فإن الأوساط السياسية السورية تتناقل منذ عقدين على الأقل طرفة فحواها: يستحيل أن يقول لك الإخواني، أنه إخواني رغم أنك تعرف وهو يعرف أنك تعرف)، وليس غريباً على هذه القوة سلوكٌ كهذا، فهذا دَيدنها.
كذلك تم استحضار شخصيات سياسية و«حقوقية» غابت خلال الأعوام السابقة، وجرى دفعها باتجاه الشاشات لكي تدلي بدلوها، مثلاً (جورج صبرا، محمد صبرا، أنور البني، خالد خوجة، غسان هيتو، بسام جعارة ..وغيرهم).
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنّ ممثل الائتلاف في باريس منذر ماخوس، عبّر صراحة عن رفض اللجنة خلال حوار تلفزيوني، والمقابل له (للدفاع) عن اللجنة من منصة القاهرة، بدأ حديثه بالقول إنّ حالة من الإحباط تسود الشارع السوري بعد تشكيل اللجنة، وليس واضحاً عن أي شارع بالضبط كان يتحدث، مع علمنا أنّ شارعاً محدداً لا بد كان محبطاً ولا يزال من تشكيل اللجنة!
عبّر ماخوس في اللقاء نفسه عن جوهر المسألة: «تشكيل اللجنة هو انتصار لثلاثي أستانا»، وهو ما يعني ضمناً خسارة للغرب، وأكثر من ذلك فإنه يعني فتح الطريق للحل السياسي، وبدعم كثيف من القوى الدولية والإقليمية التي تريد الحل فعلاً، بمواجهة القوى التي لا مصلحة لها إلا باستمرار الأزمة.

جهات محسوبة على الموالاة

المشهد لم يختلف كثيراً بين فئات محددة من «المؤيدين»، وبشكل خاص أولئك الذين عرفوا طوال الأزمة بمواقفهم المتشددة؛ فهؤلاء أيضاً لم يوفروا جهداً في الهجوم على اللجنة، متفقين بذلك مع الإخوان المسلمين وأشباههم، وليس هذا مستغرباً بالحقيقة؛ فهؤلاء وأولئك، ممن يتكسبون من عذابات السوريين، لا مصلحة لهم بإنهاء الأزمة وبفتح الطريق أمام الشعب السوري لتقرير مصيره بنفسه، لأنّ كلتا الفئتين ستعيش خطراً محدقاً فيما لو أتيح للشعب السوري أن يقول رأيه الصريح بهما!

الصفوف تزداد وضوحاً!

مع استمرار التراجع الغربي، فإنّ كل الفئات التي استعرضت عضلاتها وتشددها، والتي حاولت أن تظهر نفسها بمظهر الأعداء الألداء، تتقارب في مواقفها الملموسة يوماً بعد آخر، وبشكل مفضوح وعلني. وهذا أمر مفهوم وطبيعي؛ فالغرب هو أبو الفساد الكبير وتجار الحرب والعملاء وأمهم، سواء تلطوا في مواقع داخل النظام، أم في مواقع داخل المعارضة...

لماذا يهاجمون اللجنة؟

إنّ اللجنة قد تشكلت وانتهى الأمر، وإذا كان الهجوم عليها قبل التشكيل مفهوماً بوصفه محاولة لمنع تشكيلها، فإنّ اشتعال الهجوم بعد التشكيل، بل واشتراك أشخاص وقوى كانت تدّعي كذباً دعمها لتشكيل اللجنة، ودعمها لمسار أستانا وسوتشي، ومنها من شارك في سوتشي فعلاً، وباتت الآن في صف واحد مع الإخوان (الذين طالما هاجمتهم)، كل ذلك يطرح سؤالاً عن جدوى واستهدافات الهجوم على اللجنة اليوم؟...
نعتقد أنّ بين استهدافات وأسباب هذا الهجوم ما يلي:
إذا كان تشكيل اللجنة قد جرى فعلياً رغماً عن أنف الغرب والمتشددين من الأطراف المختلفة، محققاً بذلك نصراً واضحاً لثلاثي أستانا في مواجهة المجموعة المصغرة الغربية بقيادة الولايات المتحدة، فإنّ الهجوم يستهدف بحده الأدنى، التشويش على هذا الانتصار.
يستهدف الهجوم أيضاً، تطويق اللجنة خلال عملها بأجواء سلبية كثيفة، على أمل تفخيخ عملها وصولاً إلى تخريبه، سواء من خارجه أو من خلال أولئك الموجودين ضمن اللجنة اليوم، رغم رفضهم العلني أو الموارب لها، ورغم عملهم السابق ضدها طوال السنوات الماضية...
إنّ رافضي الحل السياسي، وأتباع الغرب من كل الجهات، يحاولون الالتفاف على إنجاز الدستورية لعل وعسى تتحول إلى خطوة في الفراغ، لا يليها شيء فعلي، بحيث تبقى الأمور على حال الاستنزاف القائم.

محصّلة

رغم السلبيات العديدة المتضمنة في حملات الهجوم على اللجنة، إلا أنّ لها جانبها الإيجابي الأكثر أهمية؛ فالتاريخ والشعب السوري يسجل ويحفظ جيداً المواقف المضطربة والهستيرية للمهاجمين، ويسجل إلى جانبها أسماء قائليها والجهات التي تشغلهم، والتي باتت أوضح من ذي قبل بما لا يقاس، وهذا بحد ذاته تقدم مهم.
عدا عن ذلك، فإنّ خسارة المجموعة المصغرة وتراجعها المستمر، سرعان ما سينعكس بفتح الطريق بشكل حقيقي باتجاه تطبيق كامل للقرار 2254، وهو ما بدأ فعلاً بتشكيل اللجنة، وما ستظهر نتائجه الملموسة في آجال قريبة...

معلومات إضافية

العدد رقم:
933
آخر تعديل على الإثنين, 30 أيلول/سبتمبر 2019 16:12