افتتاحية قاسيون 926: الآمنة و«التكاذب» الأمريكي التركي

افتتاحية قاسيون 926: الآمنة و«التكاذب» الأمريكي التركي

يحتل خبر الإعلان عن التوافق الأمريكي التركي حول «منطقة آمنة» في الشمال الشرقي السوري، موقع الصدارة بين الأخبار التي يجري تدوالها حول الوضع السوري، ويذهب البعض بعيداً في قراءة وفهم هذا الإعلان ليصل به الأمر إلى محاولة إعادة رسم مجمل اللوحة السورية...

إلى جانب أنّ كل ما قيل في الإعلان وحوله حتى اللحظة لا يزال أقرب في مضامينه إلى توقيعات الأحرف الأولى التي كثيراً ما تقف عند هذه الأحرف بالذات ولا تتعداها؛ إذ بقيت القضايا المعلقة معلقة ولم يجر حسمها، وخاصة مسألة العمق وطبيعة الإدارة، فإنّ عاملين أساسيين لا يمكن دونهما فهم هذا الإعلان...

العامل الأول والأكثر تأثيراً هو التراجع الأمريكي بالمعنى العام، وفي الإطار السوري بالمعنى الخاص؛ فالناظر الموضوعي إلى الخط البياني لتطور الأحداث ابتداء من الشهر التاسع 2015 وحتى اليوم، يستطيع الجزم بأنّ واشنطن تخسر بشكل يومي في سورية، وصولاً إلى حالة من السكون المؤقت بعناوين ثلاثة كان يراد لها أن تبقى معلقة لأطول مدة ممكنة (إدلب، الشمال الشرقي، اللجنة الدستورية).

خلال الأشهر القليلة الماضية، بات من الواضح أنّ الحفاظ على حالة الجمود في ملفي إدلب واللجنة الدستورية قد وصل إلى نهاياته، وغدا الدفع نحو إنجاز خطوات ملموسة في هذين الملفين مسألة لا راد لها. وبحكم ارتباط الملفات السورية ببعضها بشكل صميمي، فإنّ واشنطن لن تعجز عن تبيّن الحقيقة البسيطة القائلة بأنّ حالة السكون في ملف الشمال الشرقي لن تطول هي الأخرى، بل ستخضع لعمليات تحريك باتجاه تقليص الدور الأمريكي وصولاً إلى إنهائه...

ضمن هذه الإحداثيات، وتحت ضغط تقدم توافقات أستانا، أقدمت واشنطن على مناورة استباقية مع تركيا في مسألة الشمال الشرقي، لعل ذلك يساهم في إبطاء عمليات التحّول في الملفات المختلفة، ولعله يمدد مرحلة السكون عبر السعي لغرس بذور شقاق بين ثلاثي أستانا.

العامل الثاني شديد التأثير في مسألة «المنطقة الآمنة» وما يثار حولها، هو أنّ حجم المصالح المشتركة بين ثلاثي أستانا، وبين روسيا وتركيا خصوصاً، وليس في ما يتعلق بسورية فحسب، وبل وبقائمة طويلة من الملفات الإستراتيجية، بات من الثبات والعمق بحيث لن تؤثر فيه «مُنغصات» مؤقتة وصغيرة، ولا بهلوانيات أمريكية خالية من التجديد.

بكلام آخر، فإنّ الطرفين الأمريكي والتركي، يعلمان أكثر من أي أحد آخر، أنّ التوافق بينهما ليس أكثر من تكاذب، يحاول كل منهما من خلاله لا الاتفاق مع الآخر، بل الإيقاع به عبر أي اتفاق كان...

فوق ذلك كلّه، فإنّ مبدأ السيادة السورية الكاملة على كامل الأرض السورية، هو مبدأ لم يكن قابلاً للنقاش حقوقياً ووطنياً، وبات غير قابل للنقاش عملياً بحكم توازن القوى الدولي الجديد وتطوراته، وأية منطقة آمنة مزعومة، لن تكون أكثر أمناً وهي خارج إطار السيادة السورية... وهذا كله مرهون بالترياق الشافي من كل هذه التشويشات؛ أي التطبيق الشامل للقرار 2254 واستعادة الشعب السوري لسيادته وحقه في تقرير مصيره بنفسه، وهو الحق الذي يشقُّ طريقه عبر هذه التشويشات كلِّها، وبالرغم منها كلها...

معلومات إضافية

العدد رقم:
926
آخر تعديل على السبت, 10 آب/أغسطس 2019 19:23