الترابط الروسي الصيني كما لم يكن من قبل
مالك موصللي مالك موصللي

الترابط الروسي الصيني كما لم يكن من قبل

يأخذ التقارب السياسي والاقتصادي مكانه بين روسيا والصين في عدد من المجالات: الطاقة وإنتاج الأسلحة واستعمال العملات الوطنية في التجارة والمشاريع الاستراتيجية في مجال النقل ودعم البنى التحتية. وقد تعزز هذا التعاون نتيجة الأفعال والسياسات الغربية، ومن بينها العقوبات التي تحاول فرضها واشنطن على عدد من الدول. في هذا الصدد، يعمل الروس والصينيون على إنشاء البدائل الدولية إضافة للطرق البحرية التي باتت غير آمنة بسبب الاضطرابات بين البلدان المجاورة والإجرام والسيطرة على البحار من قبل الولايات المتحدة.

في حين أنّ روسيا تعزز البنى الاستثمارية وتتجه شرقاً لتنمية المناطق الحدودية مع الصين في أقصى شرق روسيا، فإنّ الصين تتوسع غرباً للاشتراك في مفاوضات مرهقة مع بلدان وسط آسيا، وفي استثمارات مُكلفة في البنى التحتية والخدمات اللوجستية. حيث أن كلا البلدين لديهما المصلحة في التعاون برغم كل ما يمكن أن يظهر من صعوبات. ولا بد من القول: إنّ هذا الدرب وَعرٌ ومشوبٌ بمصالح أعضائه المتضاربة، لكن لا بد من الإشارة إلى أن كلاً من روسيا والصين لا تملكان أداة أمثل لمواجهة الهيمنة سوى تعزيز العلاقات الثنائية، وحلحلة ما تنتجه واشنطن من بؤر توتر، وخلق البدائل على الصعيد العالمي.

العلاقات العسكرية

ترجع التجارة العسكرية مع الصين إلى أيام الاتحاد السوفييتي. وتشير صفقات بيع الأسلحة عالية التطور لعدم تشكيل المخاوف السياسية عائقاً أمام توسيع نطاق ونوعية الصفقات التي كان يتمّ استبعادها بسبب المخاوف الأمنية. وقعت روسيا عام 2015، أي بعد أكثر من أربعة أعوام من المفاوضات، عقداً مع الصين لتزويدها بستّة بطاريات صواريخ «S400» المضادة للطائرات بقيمة إجمالية 1,9 مليار دولار. وتلا هذه الصفقة أخرى كبيرة ومفاجئة لبعض الخبراء، تقضي ببيع الصين 24 طائرة من طراز «Su-35» بقيمة 2 مليار دولار. ورغم أن جدول التسليم غيم المستقر، والذي تمّ حتى الآن على دفعتين واحدة في 2017 والأخرى في بداية 2018، يمثل هذا الأمر صفقة كاسرة للمسارات بسبب تأثيراتها الاستراتيجية في تخطي معارضة بعض الدوائر لمبيعات أنظمة الأسلحة المتطورة. ومن الجدير بالذكر أنّ الصين هي أوّل شارٍ مسموح له باقتناء كلا النظامين.
في هذا الصدد، يبرز التعاون الأكثر إيلاماً لواشنطن بين روسيا والصين بشكلٍ أساسي في التنسيق المشترك الذي لا يتم الحديث عنه في الإعلام حول الأسلحة الجديدة الفرط صوتية والأسلحة الليزرية التي تمضي فيها الصين وروسيا قدماً.

هَجْرُ الدولار

يشمل تعاون البلدين الإطار التمويلي الجديد لهما والهادف لتقليل الاعتماد على الدولار ووسائل التمويل الغربية. وتعمل عدد من الاقتصادات الناشئة، ومن بينها الصين، على إتمام هذا الهدف لخوفها من الإمساك برقبتها في أية حرب عملات. استخدمت الصين هذا الأمر لمصلحتها، أولاً عبر إنقاص قيمة اليوان، ثمّ عبر تعزيز الإجراءات الهادفة لتحسين استخدام اليوان في التحويلات الدولية.
قبل أربعة أعوام، وفي نهاية عام 2015 تحديداً، تم اعتماد اليوان الصيني كعملة احتياطية في كلٍ من صندوق النقد الدولي، وفي بنك روسيا المركزي. وكانت المقايضات بين روسيا بالروبل والصين باليوان قائمة بالفعل بما يعادل 25 مليار دولار أمريكي منذ نهاية 2014، ممّا سمح بالتحويل المباشر بين البلدين. ويتم منذ ذلك الحين تعزيز هذا الاتجاه بين الصين وروسيا، وعدد من البلدان الأخرى، كبلدان بريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون بشكل رئيسي، ومن بينها إيران وباكستان والهند ومنغوليا. ومنذ 2015 وشركة غازبروم تقبل بالدفعات باستخدام اليوان.
لقد أنشأت كلتا الدولتين نظامهما الوطني للمدفوعات، وعززتاه مع إتمام الصين بشكل كلي له من جهتها، وذلك خوفاً من محاولة خنقهما عبر النظام المصرفي الغربي. وقد تحققت مخاوف روسيا من ذلك في آذار عام 2014 عندما تمّت مقاطعة مدفوعاتها عبر بطاقات فيزا تبعاً للعقوبات. وأطلقت روسيا في نهاية 2015 بطاقاتها الائتمانية الوطنية مير Mir لمنافسة فيزا وماستركارد.
ومن المثير في أفق نجاح هذا التعاون لكسر الاحتكار الغربي، أنّه من بين 12,1 مليار دولار التي تمّ تخصيصها في نيسان 2016 من أجل تمويل مشروع القطب الشمالي «yamal LNG» من قبل بنك الصادرات-الواردات الصيني وبنك التنمية الصيني (والذي تملك شركة نوفاتيك 51% منه)، تمّ تحويل أكثر من 1,38 مليار دولار باستخدام اليوان (9,8 مليار يوان).
ورغم أنّ المؤسسات الغربية التي يهيمن الدولار عليها تحاول أن تعطينا الانطباع بأنّه هذا الأمر لا قيمة ولا تأثيرات حقيقية له، فمن الواجب التذكير أنّ الدولار الأمريكي حلّ محلّ الجنيه الإسترليني في مدّة زمنية تقلّ عن 40 عاماً. ففي عام 1913 كان الجنيه الإسترليني يحتلّ المركز الأول كعملة احتياطية حول العالم: أي بما قيمته 425,4 مليون دولار مقابل ما قيمته 275,1 مليون فرنك و136,9 مليون مارك و55,3 مليون من العملات الأخرى المختلفة، لكن في عام 1945 تغيّر كلّ هذا.

روسيا في صدارة المتخلين

أشاد تقرير للبنك المركزي الأوروبي مؤخراً، باستراتيجية روسيا الهادفة للابتعاد عن الدولار، وقال إن روسيا باتت أحد المحركات الرئيسية لإلغاء هيمنة الدولار الأمريكي في العالم، مؤكداً، أن المصرف المركزي الروسي باع قسماً كبيراً من احتياطاته بالدولار الأمريكي. ففي المرة الأخيرة – باعت موسكو 100 مليار دولار، وباتت روسيا بعد ذلك، الدولة الرائدة في هذا المؤشر.
وباعت البلدان النامية، احتياطيات بالدولار الأمريكي، بقيمة 200 مليار دولار. كما جاءت الصين في المركز الثاني في هذه القائمة بعدما تخلصت من أصول بالدولار، بقيمة 60 مليار دولار. وفي العام الماضي، أصبحت روسيا المشتري الرئيسي للسندات المالية المقومة بعملات غير رئيسية (جميع العملات باستثناء الدولار واليورو). واشترت الشركات والمؤسسات الحكومية الروسية، بشكل أساسي، اليوان الصيني. وفي مؤشر شراء المؤسسات الأجنبية للبضائع، بالعملة الصينية، بلغت حصة روسيا مقدار الثلثين.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
921
آخر تعديل على الإثنين, 08 تموز/يوليو 2019 14:51