السلاح بيد الحركة الشعبية.. انزلاق لملعب الخصم
ليلى نصر ليلى نصر

السلاح بيد الحركة الشعبية.. انزلاق لملعب الخصم

تتنقل العناوين الإخبارية الرئيسة اليوم من بلد لبلد لتتصدر فرنسا الأخبار، ثم السودان، فالجزائر، وقبلها العراق، والأردن، وغيرها.. لترصد ظاهرة الحراكات الشعبية التي لا تهدأ، والتي عادت للنشاط منذ مطلع القرن، وهي اليوم مثار قلق الكثيرين... بين النخب الحاكمة والمتأزمة عالمياً التي تخاف من حركة المجتمع، وبين من يخاف على حراك الغاضبين من مآرب النخب ذاتها.
أكثر ما يثير القلق هو: دفع الحركة الشعبية نحو السلاح الذي يشكل أخطر ما يهدد التطور والسير للأمام... المسار الذي لا يمكن أن يُفتح إلا باحتجاجات الشعوب وضغط الملايين المضطهدة.

«التغيير بالسلاح» بين زمن وآخر
غالباً ما ارتبطت صورة العمل الشعبي الثوري، بصور المناضلين من حملة السلاح يقودون معارك الشوارع.. فمن كومونة باريس وحتى الجيش الأحمر وصولاً إلى كوبا مروراً بالكثير من تجارب القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين. ظواهر بطولية ارتبطت بنجاح الوصول إلى تغيير أنظمة الحكم القائمة، ومحاولة إقامة بديل شعبي عبر المواجهة المباشرة مع أدوات الأنظمة الحاكمة، التي تستخدم جهاز الدولة تحديداً، باعتباره أداة قمع وتنظيم.
ولكن ما صحّ على النظام القيصري الروسي في مطلع القرن العشرين، أو على نظام الجزيرة الكوبية الهش قبل الثورة.. لا يصح اليوم. فلكل ظرف أشكاله الثورية التي تحددها المتغيرات والضرورة.
الفارق الزمني بين المرحلتين، حمل معه تغيرات كبرى على بنية جهاز الدولة، الأداة الأهم التي تستخدمها النخب الحاكمة في حكمها. فتطور الإنتاج الرأسمالي مع النصف الثاني من القرن العشرين، ضخّم أجهزة الدولة وعمق دورها. فتوسعت من حيث مهامها، ومن حيث درجة ارتباط المجتمع بها، بالوظائف، والخدمات. والأهم: توسعت أجهزتها العسكرية، مع توسع العسكرة عالمياً، التي قادها المركز الغربي.
فتح «المعركة الأهلية»
أصبحت المواجهة الشعبية عبر السلاح، هي مواجهة مع جهاز ضخم وقوي، ومرتبط بالمجتمع، والأهم مهيمن عليه من قبل النخب الحاكمة. إذ أصبحت هذه المواجهة تؤدي منطقياً إلى حروب أهلية مستدامة، وتهدد وجود الدول والكيانات، مهددة بالتالي بالعودة للوراء عوضاً عن السير إلى الأمام.
أي: إنّ اعتماد السلاح في نيل الحقوق من النخب الحاكمة عالمياً، ينقلب اليوم إلى معارك طويلة الأمد، ينقسم المجتمع حيالها، وتجعل الحركة الشعبية المسلحة عنصراً للوراء، عوضاً عن تحولها إلى دافع للتغيير وتبديل القديم بالجديد الضروري.
وهذا بدوره انزلاق «لملعب النخب الحاكمة»، التي ترى في تسليح الحراك ومواجهته مسلحاً، فرصة للخلاص من حراك سلمي شعبي واسع الطيف، يجتمع المجتمع وراءه ويحقق الضغط المطلوب في ميزان القوى الطبقي.
ارتهان لمالكي السلاح
من جهة أخرى انزلاق الحراكات الشعبية إلى السلاح، يعني اليوم حصول الحركة الشعبية على سلاح من طرف خارجي... طرف معني بالوصول إلى الصراع المسلح الداخلي في هذه النقطة الجغرافية أو تلك. إن اعتماد الحراكات الشعبية على السلاح، هو انزلاق يخدم الفوضى العالمية: المشروع الأمريكي، الذي يريد دعم أي صراع يسمح بزوال البنى التقليدية لأجهزة الدول، سواء كانت معادية أو تابعة أو حتى حليفة...
تسارع أنظمة الحكم الناهبة والمتأزمة، إلى اتهام الحراكات الشعبية «بالتآمر»، ويمكن القول: إن لهذا أساساً ينطلق من أن المركز الأمريكي يسعى لتلقف غضب الناس، واستخدامه ذريعة للانتقال إلى المعركة المسلحة، وفتح باب الصراعات الداخلية المستدامة. ولكن بالمقابل فإن أنظمة الحكم التي توصل الناس إلى اليأس والغضب لها المساهمة الأولى في هذا «التآمر»، وتحديداً عندما لا تسارع إلى تقديم التنازلات أمام موجة الغضب الشعبي التي لا يمكن أن يطلب منها الركون والعودة للوراء...
إن واحدة من أكثر المهمات ثورية اليوم، هي الحفاظ على الحراكات الشعبية المحلية سلمية الطابع، وحمايتها من الانزلاق إلى السلاح، واعتمادها إستراتيجية الضغط السلمي والانفتاح تجاه الحوار. لأن النخب لم يعد لديها ما تقوله أو تقدمه اليوم للشعوب المحتقنة، وهي خاسرة تحديداً في المعارك السلمية. الأمر الذي يسمح بتفكيك البنى الناهبة والمتمترسة خلف جهاز الدولة، مع الحفاظ عليه وتحويله لخدمة السير للأمام.

معلومات إضافية

العدد رقم:
903