البرنامج الوطني الديمقراطي في مواجهة الثورات الملونة
إيفان علي إيفان علي

البرنامج الوطني الديمقراطي في مواجهة الثورات الملونة

يؤدي التناقض بين الطبقات العاملة ورأس المال إلى حدوث الإضرابات العمالية ونشوء الحركات الشعبية الاحتجاجية. وتعلم المراكز الإمبريالية أن «البل سيصل إلى ذقنها»، لذلك تُنفذ خدعة حربية ناعمة عبر تحالف وزارات الدفاع والمنظمات غير الحكومية بهدف ركوب حركات الاحتجاج وصناعتها ومحاكاة حركات الاحتجاج نفسها، لمنع حدوث الثورات الحقيقية التي تخاف منها.

نجحت الولايات المتحدة في استخدام الثورات الملونة بنجاح في فترة هيمنها على العالم، وعند بدء تشكُّل التوازن العالمي الجديد، لم تستطع الثورات الملونة تنفيذ كامل برنامجها المعتاد، حيث بدأت تظهر الكوابح الروسية والصينية لإطفاء الحرائق الأمريكية.
إستراتيجية البلقان العالمي
تنفيذاً للإستراتيجية الأمريكية التي سماها بريجينسكي «البلقان العالمي»، عملت حكومات الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو على نحو وثيق مع المنظمات غير الحكومية الرئيسية على نشر «الديمقراطية والحرية» في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، لاعبة دوراً أساسياً في التحريض على ما أطلق عليه اسم «الثورات الملونة» التي أوصلت قادة دُمى موالين للغرب للدفاع عن مصالحه الاقتصادية والإستراتيجية في الهيمنة.
قال أندرو غريفن مارشال الباحث ومدرس الاقتصاد السياسي والتاريخ في جامعة سيمون فريزر: إن الثورات الملونة أو الثورات الناعمة خدعة حربية رئيسية تفرضها الولايات المتحدة زعيمة ما يسمى «النظام العالمي الجديد»، وتكتيك سياسي لأمريكا وحلف الناتو، للتوسع السياسي الخفي إلى حدود روسيا والصين للسيطرة على الموارد الاقتصادية، ومنع نمو سلطة معادية للولايات المتحدة وحلف الناتو.
محاكاة الثورات ومنع حدوثها
صورت وسائل الإعلام الغربية أن الثورات الملونة هي ثورات ديمقراطية شعبية ضد الزعماء المستبدين والنظم السياسية البائدة، لكن الحقيقة أبعد ما تكون عن تلك الفرضيات الطوباوية المتخيلة. فقد زرعت الثورات الملونة محميات أمريكية على حدود روسيا والصين «جريدة قاسيون العدد 435 السبت 9 كانون الثاني 2010».
وهكذا حركت منظمات غير حكومية ومعاهد حقوق الإنسان ومنظمات «الأوتبوريين» ونقاط الاختراق الاستخباراتية، ونقاط وثغرات الفساد الداخلي، الثورات الملونة في عدد من بلدان العالم على حدود روسيا والصين أو في مناطق تركز ثروات العالم، مثل:
الثورة الصفراء في الفيلبين 1986 ثورات الغناء في جمهوريات البلطيق الثلاثة 1989، الثورات المخملية في تشيكوسلوفاكيا ورومانيا وبلغاريا وهنغاريا وألبانيا وبولونيا ويوغسلافيا 1989-1990، مظاهرات موسكو 1991، ثورة البلدوزر في صربيا 2000، الثورة الوردية في جورجيا 2003، الثورة البرتقالية في أوكرانيا 2004، ثورة الزنبق أو ثورة السوسن في قرغيزيا 2005، ثورة الأرز في لبنان 2005، الثورة البنفسجية في العراق 2005، الثورة الزرقاء في الكويت 2005، ثورة الجينز في روسيا البيضاء 2006 ثورة الزعفران في بورما «ميانمار» 2007، الثورة القرمزية في التيبت في الصين 2008، ثورة العنب في مولدافيا 2009، وغيرها «جريدة قاسيون العدد 435 السبت 9 كانون الثاني 2010. جريدة الأنباء الكويتية 4 آب 2011». وكذلك ما حدث في السنوات الأخيرة في عدد من بلدان العالم، مثل: أوكرانيا، وحالياً في فنزويلا.
يركز مدير معهد الدراسات السياسية س. أ. ماركوف على طبيعة تكنولوجيا «الثورات الملونة»، ما يتم فهمه على أنه «نوع جديد من التقنيات السياسية لتغيير السلطة». وهي نتاج التكنولوجيا الفائقة وعصر العولمة، ونتاج العمليات المعقدة التي تحاكي الثورة الاجتماعية. وبعبارة أخرى، إن الثورات الملونة مجرد محاكاة للثورات.
حسب ملاحظة س. ف. كونونوف المحقة، فإن الثورة الحقيقية لا يمكن تصميمها وصياغتها في شكل مصطنع، إذا لم يكن الجمهور على استعداد لذلك. من الممكن تنفيذ تمرد، أو انقلاب، أو حتى تقليد للثورة، لكن الثورة التطورية حقاً، ستحدث فقط عند نضوج الجماهير بشكل كامل كما قال لينين.
هناك نمطان من سيناريوهات الثورات الملونة، يرتبطان بالانتخابات أو بالمطالبة بتنفيذها في وقت مبكر. الانتخابات– هي الحدث الذي يسمح للمعارضة بإخراج أكبر عدد ممكن من الساخطين إلى الشارع. والاستعداد لها يبدأ قبل فترة طويلة من الانتخابات نفسها. وإذا ما هزمت قوى الثورة الملونة في الانتخابات يبدأ الثوار الملونون حملة جديدة تتهم السلطات بتزوير الانتخابات. وفي حال صمد النظام تظهر العصابات المسلحة المدعومة بقوة من الخارج مع نشر تفكيك بنية أجهزة الدول، وتنظيم انتقال أجهزة الشرطة وقوى الأمن إلى جانب الملونين واحتلال المباني الرسمية. «إيلينا باناماريوفا، أسرار الثورات الملونة، مركز كاتيخون للدراسات الإستراتيجية 2016».
السّمات الخمس للثورات الملونة
أولاً: غياب الوجه الفكري والإيديولوجي للثورات الحقيقية، وتعتمد الثورات الملونة على الأفكار الليبرالية الغربية، أو المذاهب الدينية المتطرفة.
ثانياً: غياب الشروط الضرورية للثورة الحقيقية، فكما هو معروف «الثورة مستحيلة من دون حالة ثورية، وليست كل حالة ثورية تؤدي إلى ثورة».
ثالثاً: لا تهتم الثورات الملونة بتحقيق هدف الثورات، أي: تغيير أشكال الملكية، والنظام السياسي والاقتصادي الاجتماعي برمته، بل هي مصممة فقط لتغير الوجوه والحفاظ على النظام.
رابعاً: الطبيعة الانقلابية السريعة للثورات الملونة بتأثير التكنولوجيا والمال والتدخل الخارجي.
خامساً: خلق واستخدام تقنية التسويق الشبكي وإدارة الإعلانات للأحزاب العملاقة، أي: إدارة الحرب الإعلامية.
تحذيرات «قاسيون»
حذرت جريدة قاسيون من الثورات الملونة منذ سنة 2003، كما حذر بلاغ صادر عن اجتماع مجلس اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين بتاريخ 19 حزيران 2009 من الثورات الملونة لتسعير الصراعات الدينية والقومية والقبلية في منطقتنا بعد ازدياد العدوانية الأمريكية والصهيونية التي لا يمكن مواجهتها إلا بالمقاومة الشاملة، وإسقاط السياسات الليبرالية، وضرب مراكز الفساد الكبرى لتحقيق الأمن الوطني والاجتماعي معاً «جريدة قاسيون العدد 410 السبت 27 حزيران 2009».
يجد توصيف «تحقيق الأمن الوطني والاجتماعي معاً» تعبيره في ترابط القضايا الثلاث: الوطنية، والديمقراطية، والاقتصادية الاجتماعية. أي: البرنامج الوطني الديمقراطي لمواجهة برنامج الثورة الملونة.