«نحن جوعى للحوار».. لكن متى يكون مثمراً؟!
أحمد علي أحمد علي

«نحن جوعى للحوار».. لكن متى يكون مثمراً؟!

نشأت فكرة الحوار منذ اندلاع الأزمة السورية بوصفها طريقاً لابدّ منه للوصول إلى الحل، وتعددت الأطراف التي أطلقتها، فهناك من ثبّت هذه الفكرة بالعمل والممارسة، وكانت عنصراً أساساً وجديّاً لديه، وما زال حتى الآن، وهناك من نطق بها بمرارة لتكون «بريستيجاً» لخطابه السياسي لا أكثر.

لا يهم ما كان سابقاً، نحن أولاد اليوم، وها هي أمامكم تتحول بعد عناد طويل خياراً موضوعياً مفروضاً على الجميع، وتنحني أمامها كلُّ الرؤوس الحامية صاغرةً..
الحوار خيار الجميع..
كون أن فكرة الحوار تحولت لخيار الجميع، فإن للجميع تصوراتهم ومفاهيمهم حولها، ولا ضير في ذلك، فكل الرؤى هي خاضعة للنقاش والجدال، وللجميع الحق في أن يقولوا ما يريدون، وفي النهاية سيكون الاتفاق سيد الأحكام.. وهذا جوهر الحوار ومبتغاه أصلاً!
يمكننا اليوم الحديث عن ثلاثة تيارات تطرح الحوار الوطني الداخلي، فهناك من يطرحه بوصفه «حواراً من أجل الحوار فقط» إن صح التعبير، وهناك من يطرحه للوصول إلى الحل السوري الخالص، في حين أننا نطرحه نحن كضرورة لابدّ منها، وهامة، ولا غنى عنها، ولكن الأهم أن تكون مثمرة، وهذا ما لا يمكن تحقيقه من وجهة نظرنا إلّا ما بعد الحل.
وسيلة وليس هدفاً!
إن من يطرح «الحوار من أجل الحوار فقط» يملك فائضاً من الوقت لا نملكه نحن والشعب السوري في الرد عليه، وهو يحمل ضمنياً الرغبة بعدم الوصول للتغيير... فالحوار وسيلة بالنسبة لنا وليس هدفاً، والأزمة في عامها الثامن تحمل «ما هبّ ودبّ» من الكوارث الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية...وإلخ، وكلّها تتطلب حلولاً بأسرع وقت ممكن.
أما من يطرح الحوار السوري الداخلي، لاستحضار حل الأزمة السورية، فسنقول له بكل وضوح: إننا نعتقد أن هذا الطرح غير ممكن في الواقع.. لماذا؟
الحل.. وتالياً الحوار!
إن العنصر الأساس الذي يجعل هذا الخيار غير ممكنٍ هو أن الأزمة السورية تجاوزت حدود الداخل السوري، وأصبحت شأناً دولياً- وهنا نخص بالضبط المرحلة من بداية 2013 وما بعدها- وهذا ما منع إمكان حدوث حوار الداخلي، وفرض موضوعياً انطلاق الحل السوري من الخارج، بهدف إعادة الكرة إلى الداخل، وهذه كانت وظيفة بيان «جنيف1» ولاحقاً قرار مجلس الأمن (2254)، وكل المسارات الثانوية المتعلقة بالحل السوري.
قد يقول قائل: هل نقف هكذا مكتوفي الأيدي؟! لا بالطبع.. فالسابق يقودنا إلى الاستنتاج بأن الجهود المطلوبة اليوم في إطار الوصول إلى الحل السوري، ينبغي أن تكون باتجاه تسريع تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بالشأن السوري، وتقديم التنازلات للشعب السوري وحده من الأطراف كلها، والتخلي عن كل الشروط المسبقة التي تعيق عملية التنفيذ. ومن الممكن أن يترافق ذلك مع التركيز على النشاط بين الناس، وتعبئتها لتكون قادرة على الدفاع عن مصالحها الاقتصادية والاجتماعية، وذلك كله لبدء الحل السياسي السوري بشكل فعلي، ولتسريع انطلاق الحوار الداخلي الوطني الفعّال والبنّاء..
ولهذا نصيغ موقفنا من الحوار بشكل واضح، وهو «حوار بعد الحل»، وما نقصده بالضبط هو تطبيق القرار الدولي 2254 كخطوة أولى باتجاه حل الأزمة السورية، ومن ثم انطلاق الحوار بين جميع القوى الوطنية السورية، وعلى المستويات كافة..
ما طبيعة الحوار الذي نريده؟
هناك ثلاثة أبواب أساسية ينبغي الدخول منها في قضية الحوار، وهي على قدم المساواة ومترابطة، ولا ينبغي تقديم أحدها على الآخر؛ أولاً: الباب الوطني العام المتضمن للمبادئٌ الوطنيةٌ العليا التي يُجمِع عليها الشعب السوري، وكل قواه السياسية الوطنية، والتي تتلخص اليوم في كون الموقف من الكيان الصهيوني هو موقف عداء، وفي امتلاك الشعب السوري للحق الكامل باستعادة أراضيه المحتلة، وفي كون أيّ تدخّل خارجي بالقضايا السيادية مرفوضاً بالمطلق، وفي ضرورة خروج كل القوات الأجنبية من سورية.
ثانياً: الباب الاقتصادي- الاجتماعي، الذي ينبغي فيه مناقشة البرنامج الاقتصادي الاجتماعي الجديد المطلوب في سورية الجديدة، وآليات تنفيذه. واسمحوا لنا أن نؤكد هنا: أن الأحاديث المكررة حول أن النموذج الليبرالي أو نسخه المتبدلة الأسماء، هو نموذج ما زال فعّالاً ولكنه حمل أخطاء في التنفيذ في المراحل السابقة، هي أحاديث مرفوضة تماماً، لأن ما تحسمه الحياة يتوقف الجدال حوله. والعالم اليوم يغضب ويلفظ النظام النيوليبرالي النتيجة الحتمية لليبرالية، طاوياً صفحة قديمة، فاتحاً صفحة جديدة للبدائل، على السوريين أن يكتبوا عليها نموذجهم.
ثالثاً: الباب الديمقراطي، الذي يتحدد من خلاله طبيعة الديمقراطية المطلوبة في البلاد، وشكلها، من خلال إيجاد البنية الحقوقية والسياسية القادرة على التعبير عن مصالح الأغلبية المسحوقة. وفي هذا الإطار يمكن أن نثبّت بأن الديمقراطية المطلوبة هي ديمقراطية سياسية عابرة للأديان والطوائف والقوميات، يتساوى فيها الجميع في حقوقهم السياسية. ما يعني بالنتيجة: أن الحوار ينبغي أن يكون بين مكونات سياسية وطنية على أساس برامج سياسية واضحة. وبكل ما يتطلبه هذا من بنى سياسية وحقوقية تسمح للشعب بوضع السلطة بيده، فيُعلي برامج، وينبذ برامج أخرى.
الحوار ضرورة للتغيير..
إن الحوار المرتقب والمنتظر بفارغ الصبر من السوريين هو أداة سياسية فعّالة في تحقيق الفرز المطلوب بين القوى السياسية والاجتماعية في البلاد، وفي تبلور ميزان القوى في المجتمع، الأمر الذي يسمح بتحقيق التغيير المنشود، لأن هدف الحوار في نهاية المطاف، هو: الوصول إلى التغيير الجذري العميق والشامل على جميع الأبعاد السياسية، والاقتصادية-الاجتماعية، والديمقراطية والوطنية، ووضع الآجال الزمنية وطرق التنفيذ التي تسمح بالخروج السريع من الأزمة، والتي تضمن عدم إنتاجها مجدداً..