الدستور السوري: الضمانات وحدها الكفيلة بالتطبيق..
أحمد علي أحمد علي

الدستور السوري: الضمانات وحدها الكفيلة بالتطبيق..

تصدّرت فكرة الدستور قائمة جدول أعمال الحل السوري منذ انعقاد مؤتمر سوتشي في نهاية الشهر الأول من العام الجاري، وما يزال النقاش جارياً حوله، وحول آليات العمل عليه، وفي هذا الإطار يطرح البعض فكرة مضمونها: أن صياغة الدستور وفق صياغة قانونية مُحكمة كفيلٌ بتطبيقه، وهذا ما سنناقشه هنا..

لا شك، أن مسألة الصياغة القانونية هي مسألة هامة، لكن لنتساءل قبل البدء بالحديث، هل كانت المشكلة في عدم تنفيذ الدساتير السورية السابقة أم هي مشكلة صياغات قانونية؟!
الضمانات ليست خارجية..
لا نعتقد ذلك، وفي الحقيقة إن إحدى النقاط الأساسية التي سببت عملياً حالة عدم تنفيذ الدستور، وتحويله إلى حبر على ورق تاريخياً، هي عدم وجود ضمانات حقيقية لتنفيذه، والالتزام الكامل بما ورد فيه..
لدى الحديث عن الضمانات المطلوبة، قد تذهب أذهان البعض بأن الحديث يدور حول ضمانات دولية خارجية، في ظل درجة تدويل الأزمة السورية... بالطبع لا. فالدستور شأن سيادي سوري، ومن الضروري أن يدافع السوريون عن حقهم في تطبيق ما يتضمنه القرار الدولي 2254، الذي يُقر أن دور الرعاة الدوليين للعملية بأسرها هو دور ميسّر لها، ليس إلّا، أما العملية فيجب أن تكون سورية- سورية.
الحريات الديمقراطية ضرورة..
إن الضمانات الأساسية المطلوبة لتنفيذ الدستور؛ هي بدايةً فتح آفاق تنفيذه من خلال إحلال المستوى المطلوب من الحريات الديمقراطية في البلاد، الأمر الذي يُعد ضرورة وطنية عالية، لكونه الكفيل بتفعيل دور القوى السياسية، والمجتمع عموماً للانخراط بهذه العملية، ولعب الدور الوظيفي الطبيعي والمطلوب في تحويل نصوص الدستور إلى قوة ووقائع على الأرض، ومراقبة عملية تنفيذه، ودستورية القوانين. لأن العبرة الأساسية تكمن في ذلك، حيث ترتبط مسألة تنفيذ الدستور، وتحوله إلى مكسب ملموس للسوريين ترتبط قبل كل شيء، بانتماء الدستور إلى هذا المجتمع، وبتوازن القوى المحلي، والحراك السياسي الذي يحرص على تطبيقه. وهذا ما يتطلب بالضرورة مستوى عالياً من الحريات الديمقراطية.
نص يحمي البلاد وبلاد تحمي النص
إذا ما كان دفاع المجتمع السوري، عن تطبيق الدستور هو ضرورة، لإخراجه من حالة (حبر على ورق). فإن الوصول إلى النص المعتمد ذاته الآن، لن يمر إلّا عبر عملية سياسية توافقية سورية- سورية، تدفعها إلى الأمام ويحرضها توازن القوى الدولي الجديد. الذي يُؤمن فرصةً عبر وجود أطراف دولية من مصلحتها السعي الجدي لاستقرار سورية والمنطقة، على الضد من مشروع الفوضى الأمريكي.
ولذلك فإن الدستور، والنص المطلوب، يجب أن يقوم على شروط سياسية ترتبط بضمان الاستقرار المديد، وحماية البلاد. ولهذا جوانب وضمانات ومبادئ أساسية: وطنية- اقتصادية اجتماعية- ديمقراطية، هذا الثلاثي الذي لا يمكن فصله. والبنود والقضايا المرتبطة بهذه المبادئ عديدة، فمثلاً: إذا لم يتضمن الدستور بوضوح تأكيد حقنا باستعادة أراضينا المحتلة بكل طرق المقاومة، فإنه منقوص وطنياً. وإذا لم يتضمن حق التساوي والمواطنة في الحقوق لكل السوريين دون تمييز، فهو كذلك الأمر. وإذا لم يتضمن تثبيت الحقوق الأساسية المجانية وغير المأجورة للسوريين، وإذا لم يتضمن حد الأجر وارتباطه بالقدرة على العيش الكريم، وبالتفصيل. وحق السوريين بمصادرة أموال ناهبيهم، وحقهم بالتعبير والكلام والنشاط السياسي، وحقهم بمراقبة السلطات، وانتخابها، وسحب الثقة عنها، وغير ذلك العديد من الحقوق المرتبطة بالوصول سياسياً، إلى نص قائم على فكرة حماية البلاد، الحماية والمناعة التي لا يمكن أن تتم إلّا بترابط هذه الجوانب والمهمات الثلاث. وهو ما يجب أن تسعى إليه كل القوى الوطنية السورية، المشاركة وغير المشاركة في صياغة الدستور الجديد، وتدفع باتجاهه وتحرض من أجل الوصول إليه.
النص الدستوري مقدّس!
هناك ضمانات أخرى تفصيلية، ترتبط بصياغة النص الدستوري. فإذا ما كانت الحقوق يجب أن تكون مصانة في الدستور، فإن آليات تحقيقها يجب أن تكون موجودة بأوضح شكل ممكن.
حيث يتداول البعض الفكرة القائلة: أن وجود مواد في الدستور تحمل طابعاً عاماً، وغير مفسّر بشكل واضح يعيق عملية التنفيذ. وهو أمر حق، فإن الدساتير السورية السابقة، كانت تشير على الدوام إلى أن الترجمة العملية للمواد الدستورية ستتم من خلال القوانين.. بمعنى أن القوانين ستتولى مهمة تفسير وتطبيق ما صاغه الدستور، وهذا ما سبب في بعض الأحيان خروجاً حقيقياً لبعض القوانين عن نص وروح الدستور.
يمكن حقيقةً تجاوز هذه المسألة في «الدستور الجديد» من خلال التفسير الواضح والدقيق للمواد الأساسية، والمدّعم بآلية التنفيذ العملية، ولنا في التجربة الفنزويلية– على سبيل المثال- أسوةٌ حسنة؛ حيث تجاوز الدستور المواد شديدة العمومية، إلى مواد دقيقة ومفسّرة وواضحة في مسائل أساسية كمسألة ربط الأجور بالأسعار مثلاً. وإن تجاوز هذه المسألة يحمل إمكانية ضمان ما للسوريين بمعنى من المعاني، فهو على الأقل يحميهم من مخاطر الاجتهادات في التفسير، ومن التأويلات التي هم بغنى عنها أصلاً..
السلطة للشعب..
إن تشكيل اللجنة الدستورية، والانطلاق بأعمال «الإصلاح الدستوري»، هو مفصل في التسوية السورية، وهو سيأخذ وقتاً للوصول إلى لجنة قادرة على القيام بعمل بمستوى البحث في دستور البلاد للمرحلة القادمة. لا أن تقع في مطبات الاستعصاء والتشدد.
إن ما تطلبه الحالة السورية اليوم هو ليس أيَّ دستور، بل دستوراً يطلق العنان لفضاء سياسي جديد من خلال التأسيس لديمقراطية حقيقية تسلّم السلطة للشعب بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. ودستوراً لا يفتح أي مجال للتلاعب بالقضايا الشعبية السيادية السورية، وقابلاً للتنفيذ ومدّعماً بهذه الإمكانية من خلال الضمانات، لأن أي دستور ومهما كانت صياغته القانونية مُحكمة سيتحول إلى سراب ما لم يدعّم بضمانات تطبيقه، التي لا تقل عن شعب يتحرك ليحميه.