عودة اللاجئين كملف وطني...

عودة اللاجئين كملف وطني...

عودة اللاجئين السوريين... واحدة من العناوين الأساسية التي انتقلت إلى الواجهة منذ صيف العام 2018، بعد أن أعلنت روسيا مبادرتها لإعادة حوالي 1,5 مليون لاجئ أبدوا رغبتهم بالعودة من الإقليم على الأقل. وبالطبع على الضد من الموقف الروسي، هنالك الموقف الغربي، الذي وكما في إعادة الإعمار... يضع محدداتٍ وشروطاً لانخراطه وموافقته على عملية إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم!

الأمم المتحدة، ومن ورائها الموقف الغربي، بالدرجة الأولى الولايات المتحدة، ودول أوروبا الغربية. جميعها تكرر موقفاً موحداً من مسألة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم: إذ تربطها بالعملية السياسية في سورية، وبتوفر شروط الطوعية في هذه العودة، وعنصر الأمان للاجئين العائدين.
قد يبدو هذا الموقف شكلياً، «إنسانياً» إلى حد ما، وخاضعاً لمحددات مفوضية شؤون اللاجئين للأمم المتحدة. ولكن وراء هذا الموقف «الإنساني» الكثير من التسييس. فملف اللاجئين السوريين، هو ملف سياسي بجدارة.
فلنبدأ أولاً من محاولة تحديد الأبعاد السياسية لهذه العودة، فمن تخدم، وما فوائدها؟
يفوق عدد اللاجئين السوريين 6 ملايين نسمة، الجزء الأكبر منهم في الإقليم في تركيا أولاً، وفي لبنان ثانياً، فالأردن، والعراق ومصر. بالإضافة إلى العدد الهام من اللاجئين السوريين الموجودين في أوروبا والبالغ عددهم قرابة مليون لاجئ.
وهو ما يعني أن عدد اللاجئين يقارب نصف عدد السوريين المتواجدين داخل البلاد، والذين يفوق عددهم الـ 18 مليون بقليل وفق التقديرات الدولية.
استخدام تهميش اللاجئين في التصعيد
إن بلوغ عدد السوريين اللاجئين، قرابة ربع السوريين، يعني أن هؤلاء كتلة بشرية هامة، تخضع في محددات حياتها ومصير استقرارها، لجملة الظروف والقوانين، والمتغيرات السياسية للتعامل الدولي مع ملف اللاجئين. فتتحسن ظروف هؤلاء، مع تحسن تدفقات المعونات الدولية، المقدمة عِبر وسطاء مسيسين غالباً. وتتدهور ظروفهم أيضاً وفقاً لمحددات سياسية واقتصادية، دولية، وضمن الدول المحددة.
فعلى سبيل المثال حوالي 400 ألف من هؤلاء، يعيشون في ظروف صعبة جداً في المخيمات، ويرتبطون مباشرة، بالتمويل والتدفق الدولي، ويشكلون عملياً مجتمعات شديدة التهميش وعدم الاستقرار، وهي جاهزة للتوظيف السياسي من قبل «أطراف المعونات الدولية»، هذا عدا عن حوالي 11 ألف طلب لجوء سوري معلق في أوروبا. مع كل ما يفتحه هذا من احتمالات قد تصل إلى إمكانية استخدام ظروفهم المعقدة، وعدم استقرارهم، لأغراض التصعيد بما فيها العسكرية. فتاريخياً شهدت مجتمعات اللاجئين، وعمليات تهميشها المنظمة عمليات تجنيد لهؤلاء لأغراض سياسية، كما حصل في أفغانستان، مع الشرائح الكبرى من قبائل وعشائر بأكملها عاشت غير مستقرة لعشرات السنين. وهذا أقصى الاحتمالات، ولكنه احتمال قائم تسعى قوى الفوضى الدولية، لاستخدامه، ولا تريد أن تخسره كأداة، تضغط بها في الإقليم: على تركيا، ولبنان، والأردن، وحتى في أوروبا. وكل ما يرتبط بهذا من تعقيد حل الأزمة السورية.
استخدام كتلة اللاجئين في الانتخابات
أما بشكل أعم، فإن التعداد الكبير للاجئين الموجودين خارج البلاد، يعني إمكانية استخدام هذه الشريحة الواسعة، لأغراض سياسية مباشرة في التسوية السورية. كاستخدام قوة هؤلاء الانتخابية، والتأثير عليها، للتأثير بالتالي على شفافية العملية الانتخابية التي يفترض أن تجري في سورية. فتعداد هؤلاء قد يقلب الموازين، عند استخدامه لدعم طرف مسيس، وتابع لمقدمي المعونات والمساعدات الدولية، الذين يشكل الغرب والخليج الوزن الأساسي الممول لمساعدات الأمم المتحدة المتراجعة لهؤلاء اللاجئين.
عدم العودة يُضعف التسوية
إضافة إلى هذا فمن الجانب الوطني السوري، فإن الوصول إلى تسوية سياسية، بينما ربع السكان لاجئ في الخارج، وغير مستقر، قد يساهم في إفراغ هذه التسوية من مضمونها، فإذا كان الغرض منها، وحدة البلاد واستقرارها، واستعادة وحدتها الوطنية، والثقة بالمنظومة السياسية المتشكلة في نهاية العملية السياسية... فإن وجود ربع السكان خارج هذه العملية، وخارج المساهمة فيها، ودفعها، يفقدها الكثير من زخمها.
هذا عدا عن الضرورات الوطنية والإنسانية العامة، المتمثلة بحق هؤلاء كغيرهم من السوريين، بالتعويض عن حجم الخسائر والتدهور الذي طال: بيوتهم وأعمالهم وقراهم وأراضيهم، وحولهم إلى أداة تجاذب سياسية دولية. بعد أن دفعتهم ظروف الحرب والفوضى وعدم الأمان بكل أشكاله: الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، للخروج إلى ظروف حياة غير كريمة وغير مستقرة، وتحديداً للاجئين في الإقليم. هنالك ضرورة وطنية، لإعادة ربع سكان البلاد إليها، لأن السير قدماً سيحتاج إلى هؤلاء، كما يحتاج معظمهم إلى حق العودة إلى حياتهم الطبيعية التي انقطعوا عنها.
دولياً: من يدعم العودة ومن لا يدعم؟
بناء على كل هذه الضرورات السياسية السابقة، فإن القرار الدولي 2254، كخارطة طريق لتسوية الأزمة السورية، صاغته وتدفع تجاهه القوى الدولية التي تريد حل الأزمة السورية فعلياً... ضم ضمن بنوده، عودة اللاجئين السوريين إلى أماكن سكنهم الأصلية، دون أن يربط القرار هذه العودة بتوقيت أو مرحلة محددة.
وعلى هذا الأساس أتت المبادرة الروسية، لإعادة اللاجئين السوريين، في صيف العام الحالي، لتحاول وضع هذا الملف السياسي على طاولة الحل، كي لا يشكل تعطيلاً وعرقلة لعملية التسوية السياسية الشاملة.
وأيضاً، على هذا الأساس، فإن القوى الدولية التي لا تبدي إلا المماطلة والتسويف لحل الأزمة السورية، تماطل في مسألة إعادة اللاجئين.
وعلى الرغم من أن مسألة اللاجئين تشكل مشكلة سياسية داخلية لكل الدول التي تأوي اللاجئين السوريين، إلا أن الضغط الامريكي تحديداً، يمنع السير حتى الآن في هذه العملية. فالأوروبيون على سبيل المثال لا يقولون وضوحاً، أنهم يريدون الاستفادة من قوى العمل السورية المؤهلة بشكل جيد، والتي ترفدهم أسواق عملهم. وبالمقابل فإنهم يتركون هؤلاء اللاجئين محلاً للتجاذب الداخلي، وأداة للاستخدام السياسي في ملف التسوية السياسية للأزمة السورية. حتى أعلن الفرنسيون والألمان وضوحاً في القمة الرباعية الأخيرة، أنهم يربطون مسألة العودة بما بعد الانتخابات، كما في تصريح المستشارة الألمانية.
أما دول الإقليم، وتركيا تحديداً، فقد أبدت تجاوباً ضعيفاً حتى الآن مع المبادرة الروسية، وهي التي تضم حوالي 3,5 مليون لاجئ. تريد إعادتهم بمحدداتها، وإلى المناطق التي ترتئيها، بما يخالف القرار الدولي.
أما الأردن فلا يبدي تجاوباً كافياً حتى الآن، ويبقى لبنان البلد الوحيد، «المتحمس» لإعادة اللاجئين السوريين، بعد أن حولهم شماعة للفشل الاقتصادي للنموذج اللبناني القائم على الديون الدولية!
التشدد المحلي يعرقل العودة
إن عودة اللاجئين ملف سيحتل الصدارة مع تنحي الملفات الأخرى، وتحديداً المتعلقة بالإرهاب، وبالوجود العسكري الأمريكي في شرق الفرات. ولكن هذا الملف، يحتاج فعلياً إلى تغييرات كبرى في الداخل السوري: على المستوى الاقتصادي والخدمي، وعلى المستوى السياسي الديمقراطي. وبالفعل يحتاج هؤلاء إلى جملة ضمانات: للعودة إلى أماكنهم، ما يعني الحد الأدنى من تأهيلها وتخديمها. وضمان سلامتهم وشطب الملفات الأمنية، وإنجاز تسويات سياسية لأوضاعهم التي تجعل العودة بالنسبة لهم خطراً فعلياً. إن حل هذا الملف الوطني، وسحبه من الاستثمار الدولي الغربي لعرقلة الحل، يتطلب عقلية وطنية في الداخل واسعة الأفق وغير متشددة، وهو ما يحتاجه مجمل حل الأزمة السورية، وستفرضه الضرورات على قوى التشدد المحلي كما على الغرب.