التوزيع العالمي للردع

التوزيع العالمي للردع

وقعت كل من روسيا والهند اتفاقاً لنقل منظومة الدفاع الصاروخية S400 الروسية إلى الهند... المنظومة التي انتقلت إلى الصين، وستنتقل إلى تركيا، وربما إلى السعودية لاحقاً. هنالك من ينظر إلى هذه الأحداث العسكرية على أنها «صفقات سلاح»، وهي كذلك بالفعل... ولكنها تحمل أبعاداً أكبر.

كانت الصين هي الزبون الدولي الأول للسلاح الدفاعي الجوي الروسي، حيث وفقاً للعقد الموقع في عام 2014 بدأ التسليم في الشهر الأول من العام الحالي. في الاتفاقيتين الهندية والتركية هنالك نقلة إضافية، وهي نقل تكنولوجيا الإنتاج، أو التصنيع المشترك.
حيث كان بوتين قد صرح بأنه لا توجد أية قيود سياسية أو عسكرية لنقل تكنولوجيا الإنتاج إلى تركيا. التي ستنقل أولى بطارياتها التجريبية في تموز من العام القادم. وتضمنت العقود مع الهند اتفاقية نقل التكنولوجيا والتصنيع المشترك.
يقرأ البعض هذه الخطوات بأنها مغريات وتحفيز لكل من تركيا والهند، لاستبدال مساراتهم التسلحية من الغرب إلى الشرق، وتحديداً بعد أن رفضت الولايات المتحدة مراراً الطلب التركي بإنتاج الباتريوت في تركيا.
وهو ما يمكن أن يتم بطبيعة الحال في المنافسة العالمية على السلاح بين المنتجين الأكبر: الولايات المتحدة وروسيا، وتحديداً لدول مفصلية من حيث الوزن والأهمية الإستراتيجية في اللحظة الحالية، كما الهند وتركيا.
حيث يمثل تقريب الهند من إطار التعاون الروسي الصيني، منعطفاً مفصلياً في الأوزان العالمية. وكذلك فإن تقريب تركيا الجاري يشكل انعطافة هامة تؤثر على الأوزان في حلف الناتو، وعلى الوضع في المنطقة الأكثر توتراً عالمياً: «الشرق الأوسط».
إن علاقات السلاح الروسية المتضمنة نقل التكنولوجيا لكل من الهند وتركيا، وربما للسعودية لاحقاً... لا يمكن قراءتها إلا كأوزانٍ تضاف إلى كفّة العالم الصاعد، وتزيده ثقلاً: فنقل سلاح الردع الصاروخي الأكثر تطوراً في عالم اليوم، إلى دول أكثر... هو نقل إمكانات الردع العالمية إلى مساحة أكبر، وهو مؤشر على ما يليه من علاقات سياسية، وما سيتبعه من تحوّلات، عندما تصبح مساحة المعركة الممكنة والمجدية أضيق فأضيق. أما نقل تكنولوجيا الإنتاج، فهو مؤشر ليس فقط على التغير الكمي في أوزان القوة، بل إلى طبيعة العلاقات المطلوبة في العالم الجديد، حيث إن عدم التمسك بالاحتكار المعرفي لمستويات أوسع في هذه التكنولوجيا العالية، هو نقل للمعارف عبر العالم، وهو كسر لقواعد الربح والهيمنة العسكرية لطرف مقابل طرف.
S400 وغيره من أسلحة الردع المتطورة، تتوزع في المفاصل العالمية الهامة، ورغم كونها سلاحاً متطوراً ومدمراً، إلّا أن المفارقة أن هذا السلاح هو أداة سلم ضرورية عالمية. لأن انتقال قدرة الردع، يعني إبقاء قوات الهجوم الغربي العسكرية في مرابضها... كتلاً صناعيةً معدنيةً بقدرة هيمنة أقل.