عن الجدل والدجل حول المعارضة ووضعها
سعد صائب سعد صائب

عن الجدل والدجل حول المعارضة ووضعها

انفتح قبل أسبوعين تقريباً، وبشكل مكثف، ما يشبه محاكمة علنية لما يسمى مؤسسات المعارضة السورية؛ الزناد القادح لهذه «المحاكمة» هو المظاهرات التي خرجت في الشمال السوري ضمن «جمعة هيئة التفاوض لا تمثلنا»، وجرى قبلها وبعدها- في تحليلات المترافعين عن الأطراف المتضاربة- ماء كثير...

من حيث الشكل، هنالك صراع بين تيار محدد ضمن الإخوان المسلمين وبين قسم آخر من المعارضة، يتحكم حالياً بمقاليد الأمور ضمن هيئة التفاوض، وهذا التيار الأخير أثبت مراراً وتكراراً أن ولاءه الكامل هو للمعسكر الغربي بالقيادة الأمريكية؛ حتى أنّ هذا التيار وفي مفاصل حساسة كان عليه فيها أن يختار بين الوقوف إلى جانب تركيا في إطار تفاهماتها ضمن الترويكا، أو أن يقف في صف ما يسمى المجموعة المصغرة ذات القيادة الأمريكية، وبعد أن جهد في محاولة اللعب على الحبال وفشل، فقد اختار الوقوف في الصف الأمريكي.
من الممتع، متعة مريرة، قراءة إرهاصات «المنظرين العظماء» في فترات انعطافية كهذه؛ حيث يتحولون من انتقاد النخب إلى انتقاد عفوية الشارع، لأن الشعار المرفوع لا يخدمهم. هؤلاء أنفسهم رحبوا بـ (عفوية الشارع) حين ارتفعت شعارات المطالبة بحماية دولية وبتدخل خارجي وبدعم التسلح والمناطق الآمنة وإلى ما هنالك... وباتوا الآن يتبجحون، هم و«أخصامهم» أن السلمية هي الأساس في طروحاتهم، وأنّ التدخل الخارجي مرفوض من جهتهم من البداية، وأن السيطرة العسكرية ليست غاية ولا حتى وسيلة... أسوأ من ذلك كله، أنهم يشتركون جميعاً (المهاجِم والمهاجَم) في تكرار المعادلة الغبية نفسها المنطلقة من كلية القدرة الأمريكية التي تتلاعب بالدنيا كما تشاء، حسب زعمهم، أو وهمهم، أو حلمهم، لا فرق!
في كواليس (الصراع) مسألة، وفي جوهره مسألة أخرى، لا يجري الحديث عنهما بطبيعة الحال. أما ما في الكواليس، فهو أنّ هيئة التفاوض خلال شهر أو نحوه ستكون أمام عملية انتخابات جديدة لتحديد هيئة رئاستها، ومن هنا يجري صراع غير معلن الهدف بين تيارات متعددة تدلي ضمنها كل دولة بتأثيرها. جوهر المسألة أهم من شكلها ومن كواليسها: جوهر المسألة وبغض النظر عما ستؤول إليه نتائج الانتخابات ضمن الهيئة، هي أنّ المتخاصِمَين باتا أضعف وأكثر انعزالاً، ومعهما، وقبلهما، ما يسمى المجموعة المصغرة، في مقابل أنّ مجموعة الترويكا باتت أقوى وأكثر انسجاماً... وفي قلب ذلك كله، فإنّ القرار 2254 بات أصلب عوداً وأكثر قابلية للتحقيق بعد إضعاف القوى الغربية المنادية به شكلاً والمعادية له ممارسة، بل وحتى (لا أوراقاً: تيلرسون ثم بومبيو).
الحقيقة التي يسعى متشددو المعارضة للالتفاف عليها عبر تراشق الاتهامات والمسؤوليات فيما بينهم، هي حقيقة عنيدة جداً: المتشددون في كل الأطراف باتوا أضعف، في النظام وفي المعارضة، والعقلانيون في كل الأطراف، والذين يريدون تغييراً جذرياً شاملاً يقرر فيه الشعب السوري مصيره بنفسه حقاً وفعلاً، غدوا أقوى وأكثر تماسكاً، والتوازن الدولي الجديد بات ملموساً أكثر من أي وقت مضى، والأمريكان وجماعتهم في الأطراف المختلفة باتوا في وضع مأزوم تأزماً عظيماً، وباتت نهايتهم السياسية، مسألة وقت غير طويل، رغم كل التعقيدات التي يجري دفعها إلى السطح.