جهاز «الدولة الطرفية» في الميزان الجديد؟

جهاز «الدولة الطرفية» في الميزان الجديد؟

في ظل تعمق وترسخ ميزان القوى الدولي الجديد، من الطبيعي وضع جميع القضايا على طاولة البحث، فهذا التوازن ليس مجرد تغيّر في شكل ومحتوى العلاقات الدولية فقط، بل من المفروض أن يترك تأثيره المباشر على كل البنى القائمة، سواء كانت على المستوى الدولي، أو داخل البلد الواحد، ومن بين هذه البنى دور جهاز الدولة في بلدان الأطراف، ومحتواه، وطبيعته الطبقية الاجتماعية.

اتسم جهاز الدولة في البلدان الطرفية على العموم خلال العقدين الأخيرين بأنه مجرد «شرطي سير» بطربوش ليبرالي لـ«تنظيم» حركة الرساميل من وإلى، وداخل هذه البلدان، مقابل الحصول على حصة من النهب الجاري في المحصلة لصالح بلدان المركز الإمبريالي، وبذلك ارتبط بعلاقة وجودية بذاك المركز، والسؤال الذي يطرح نفسه على بساط البحث: هل من المنطقي أن يبقى حال هذا الجهاز كما هو، في ظل ميزان القوى الدولي الجديد؟
في ظل أزمة بنى المركز الإمبريالي الغربي كلها، يقف جهاز الدولة في البلدان الطرفية أمام تحديين:
الأول: تناقض مع الشعوب، وخصوصاً في الحقل الاقتصادي الاجتماعي.
الثاني: يصطدم هذا المركز بالمعنى الموضوعي بمصالح حلفائه في بلدان الأطراف، في سياق سعيه إلى إعادة تمركز وتركز الثروة الاضطراري.
ومع المفاعيل السياسية لأزمة المراكز، واضطرارها لتفريغ الأزمة، ومحاولة تأريض شحنتها في البلدان الطرفية، يضع وجود حلفائه ضمن جهاز الدولة في هذه البلدان أمام تحدٍّ ذي طابع وجودي هو الآخر، فإما هم، أو العلاقة مع الراعي والضامن لوجودها، وعندما نقول هم، لا نعني بذلك وجودهم الفيزيائي فقط، بل برنامجهم الكامل «الاقتصادي الاجتماعي والسياسي» الذي يبدأ بالتبعية، ولا ينتهي عند حدود الحريات السياسية، بل يتعداها إالى الوطني العام، بمعنى الحفاظ على سيادة واستقلال هذه البلدان، والحال هذه، فإن أجهزة الدولة في عموم البلدان الطرفية تقف على عتبة عمليات فرز موضوعية، خارج إرادة الكل، فتراجع المراكز يؤدي بشكل طبيعي إلى تراجع أدواته في بلدان الأطراف، كونها تستمد أحد أهم مبررات وجودها ونشاطها الاقتصادي الريعي، من هيمنة المركز الإمبريالي الغربي. وذلك لمصلحة دور جديد لجهاز الدولة، مرنٍ وذكي، يتجاوز عقلية الهيمنة على المجتمع بقوة القمع، والتبعية في الحقل الاقتصادي، إلى نموذج تنموي مستقل، بما يعنيه من حوامل اجتماعية جديدة
إن الحلول السياسية التي تصر عليها القوى الدولية الصاعدة، لجملة الأزمات التي تعاني منها البلدان الطرفية، والتي تحقق الحفاظ على وحدة البلدان وسيادتها، ومنع التدخل الخارجي، تعيد الاعتبار إلى دور الجماهير العريضة لتعبر عن نفسها ومصالحها المباشرة، بأشكال مختلفة، وتؤمن الهوامش الواسعة لهذه الجماهير للدفاع عن مصالحها.
بعبارة أخرى، إن جهاز الدولة في بلدان الأطراف، وفي ظل ميزان القوى الدولي الجديد، أمام ثلاثة تحديات مترابطة ومتكاملة، لا يمكن إنجاز أحدها دون الآخر، وهي تحديات وطنية، واقتصادية اجتماعية، وديمقراطية، ولا يمكن لأي جهاز كان تأمين مبررات استمراره دون تأمين مقومات هذه التحديات.

آخر تعديل على الإثنين, 17 أيلول/سبتمبر 2018 14:44