اجتماع الترويكا .. وما بعد سورية!

اجتماع الترويكا .. وما بعد سورية!

تركز الاهتمام الإعلامي المواكب لاجتماع الترويكا الأخير على تلك المواقف المتعلقة بالوضع الميداني في سورية، وعلى أهمية ذلك، وتعميق التوافق حول هذه المسألة، وبالدرجة الأساس التوافق على محاربة تنظيم جبهة النصرة الإرهابي، وفرز المسلحين، والقرار 2254. على أهمية كل ذلك، نظن بأن نتائج الاجتماع تتجاوز المسألة السورية إلى ما هو أبعد، وأعمق، إلى ما هو عالمي، إلى الصراع بين القوى الصاعدة والمتراجعة على النطاق الدولي..

الخيار الروسي
واضحٌ من نتائج الاجتماع وما تضمنه البيان الختامي، أن الرؤية الروسية تترسخ أكثر فأكثر، فخريطة طريق الحل هو القرار 2254، والتنظيمات التكفيرية يجب عن تعزل عن غيرها من المسلحين، وإلّا فإن الحرب عليها أمر محسوم، ربما تكون المرة الأولى أن تأتي هذه الثنائية بوضوح كامل وبشكل ملموس في وثيقة دولية، أي: الجمع بين السياسي والعسكري، لا تقديم أحدهما على الآخر، وهو وكما هو معلوم خيار روسي من ألِفه إلى يائه ومنذ الدخول الروسي المباشر على خط الأزمة السورية، مع الإشارة بأن ما برز في وسائل الإعلام من خلافات لم تتعد إفساح المجال لنزول تركيا عن الشجرة، والتراجع عن مواقفها السابقة، بدلالة أن عملية الحسم التي تجمع بين السياسي والعسكري، تسير قدماً إلى الأمام رغم هذه التباينات الإعلامية، وبمقارنة بسيطة بين ما جرى بين عملية إنهاء الوضع الشاذ في إدلب، وبين ما جرى سابقاً في حلب والغوطة والمنطقة الجنوبية، يمكن الاستنتاج بكل بساطة: أن هذا الخيار هو الذي ينتصر، رغم مختلف العراقيل التي تظهر عشية الإقدام على أية عملية، وإذا كان هناك ما هو جديد، فإن المؤكد هو تسارع إيقاع العملية وإنجازها.
تركيا وخيار الضرورة
إن فهماً عميقا للدور التركي، يجب أن ينطلق من خارج دائرة الأزمة السورية، إلى بعده العالمي، فالتحول في المواقف التركية هو خيار الضرورة التاريخية الوحيد أمام تركيا، لبقائها كدولة في ظل الأزمة الرأسمالية العظمى، ومن ثم تبوؤ المركز الذي يتلائم مع قواها الحقيقية في الخريطة الجيوسياسية الاقليمية- الدولية الجديدة التي يجري تشكيلها، بعيداً عن دورها الوظيفي التابع تماماً في العقود الماضية، وحقيقة الامر أن المسألة تبدأ من واشنطن وليس من اسطنبول أو أنقرة، فواشنطن المأزومة تحاول تحميل الدول الأخرى عبء الأزمة العصية على الحل، ولا فرق هنا بين حليف أو عدو، أو من يحاول أن يتموضع ما بين بين، و«الحرب الاقتصادية» حسب توصيف أردوغان التي شنتها الولايات المتحدة على الحليف السابق الدليل القاطع، والمرآة العاكسة لوضع واشنطن، التي تسعى إلى إنهاك واستنزاف الكل، طالما أنها هي منهكة، ضمن المحاولات العبثية الرامية على إبقاء سيادتها العالمية التي أصبحت جزءاً من الماضي، بمعنى آخر، إن واشنطن المأزومة تدفع حلفاءها دفعاً إلى اتخاذ مواقف مستقلة.
روسيا مرة أخرى
حالة واشنطن هذه، تضع الأساس الموضوعي الذي يُمكّن روسيا من التقاط اللحظة التاريخية، ويفسح لها مجالاً واسعاً، لاستكمال مشروعها في إنهاء الهيمنة الأمريكية، وفرض المزيد من التراجع على واشنطن ، ولجم مشروع الفوضى الخلاقة، وبالتالي: فإن ما يجري في العمق يعني وضع الأساس المادي لوحدة شعوب الشرق، وإن كان يحمل تنسيق الأمر الواقع بين الدول حتى الآن، فإن التطورات اللاحقة ستضع جميع القوى والدول أمام حقيقة لا تقبل الجدل حولها، وهي: أن المخرج الوحيد أمامها هو التنسيق والتعاون والتحالف من أجل إرساء علاقات دولية جديدة، قائمة على الاعتراف المتبادل بالحقوق، للجميع، ومن قبل الجميع.
تأثيرات دولية.. ميركل وبومبيو
اعتبرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أن محافظة إدلب تحتوي على قوى متشددة. ونقلت وكالة «رويترز» يوم الخميس 6 أيلول، عن ميركل قولها، «إن الوضع في محافظة إدلب السورية معقد وهناك قوات متشددة ينبغي محاربتها». كما أكدت أن ألمانيا وروسيا تتحملان مسؤولية إيجاد حلٍ لوقف القتال في أوكرانيا وسورية، وأكدت على ضرورة تفادي أيةِ كارثة إنسانية في إدلب.
وحسب العديد من المحللين، يعتبر الموقف الألماني بمثابة موافقة على وجهة النظر الروسية، وسبقت تصريحات المستشارة الألمانية حول إدلب، زيارة وزير خارجية بلادها إلى تركيا للتنسيق مع نظيره التركي حول أزمة اللجوء المتوقعة من المحافظة، بما يعني موافقة واضحة على العملية المرتقبة في إدلب.
ونوهت إلى أنها ناقشت مع بوتين مسألة الإصلاحات الدستورية والانتخابات المحتملة، في لقائمها السابق في سوتشي، في أيار الماضي، وترغب ألمانيا في بدء العملية السياسية في سورية، حتى يتمكن جزء على الأقل من ملايين المشردين بسبب الحرب، واللاجئين من العودة إلى ديارهم.
تعليقاً على دعم مستشارة ألمانيا، أنغيلا ميركل، للمرة الأولى عمليات روسيا في سورية، قال الخبير يوري سفيتوف: إن المهم الآن، ما إذا كان من الممكن تقييد رغبة أمريكا في «اللعب بالعضلات».
من جهته عالم السياسة، الصحفي يوري سفيتوف، أوضح على راديو سبوتنيك، ما الذي يثير اهتمام ألمانيا بالوضع في سورية، وقال: «أعتقد أن هذا الموقف جاء نتيجة الاجتماع الأخير بين ميركل وبوتين، الذي ناقشا فيه احتمال مساهمة أوروبا في إعادة إعمار سورية. كنت في ذلك الوقت في ألمانيا. والألمان كانوا مهتمين جداً في هذا الجانب من المفاوضات، لاعتقادهم بأن استعادة السلام في سورية سيقضي على التدفق غير المنضبط للمهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي وألمانيا بالذات، وأعتقد أن المفاوضات استمرت على مستوى الخبراء منذ ذلك الاجتماع، وجاءت بعض هذه النتائج..»
وأجرى بوتين وميركل في 18 أغسطس الماضي، محادثات في مقر الحكومة قرب برلين. وقد ناقش الزعيمان لمدة ثلاث ساعات الأوضاع حول أوكرانيا وسورية وإيران، والعلاقات الحالية بين البلدين وأهمية تطوير الحوار بينهما في جميع الجوانب.
لم يتوقف الأمر على ألمانيا المثقلة بأزمة اللاجئين، واللاهثة للحصول على حصة من كعكة إعادة الإعمار السورية، فحتى وزير الخارجية الأمريكية، ورغم عرض العضلات الأمريكي والتهديدات الأمريكية بتوجيه ضربات إلى القوات السورية، كان قد أرسل إشارات «إيجابية» في هذا المنحى، وعبرت واشنطن في وقت سابق عن مشاطرتها قلق موسكو من تواجد الإرهابيين في إدلب، وأعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو استعداد واشنطن «للعمل في قضية الإرهاب» في المحافظة.
تحول عالمي
باختصار، أن ما يجري في إدلب، هي استكمال لإظهار ميزان القوى الدولي الجديد، وترسيخ له، وتعبير عن انتصار جديد لخيارات القوى الصاعدة في العلاقات الدولية.