اللاجئون: من يقتل القتيل ويمشي في جنازته؟

اللاجئون: من يقتل القتيل ويمشي في جنازته؟

اعتادت المراكز الرأسمالية الإمبريالية الغربية خلال أزماتها العامة والدورية، أن تحاول الخروج منها على حساب شعوبها وشعوب العالم ككل، وخاصةً الحروب التي هي الرئة الحديدية التي تتنفس منها، وما ينجم عن هذه الحروب من إبادة الملايين من البشر، وتدمير وخراب، وتهجير ولجوء وغيرها، وفق مالوتسية متعمدة، بدل أن تعيد توزيع الثروة بشكلٍ متناسب بين العمل ورأس المال، وهذا ما تجلى خلال القرن الماضي في حربين عالميتين، عدا الحروب البينية الأخرى.

في بداية القرن الحالي، والأزمة الرأسمالية الحالية والتي انفجرت عام 2008.
تتفاقم حدة التناقضات بين هذه المراكز الإمبريالية وفي داخلها، وفق التناقض الأساس بين العمل ورأس المال، بسبب النهب الرأسمالي للشعوب بشكلٍ مباشر سابقاً، عبر الاستعمار ونهب الثروات والعقول ودعم الأنظمة التابعة والدكتاتورية وحمايتها، أو بشكلٍ غير مباشر عبر السياسات الاقتصادية والمالية التي يفرضها الصندوق والبنك الدوليين، من رفع الدعم وسياسات التقشف وخفض الإنفاق وتحرير الاقتصاد والعملات، وإنهاء دور الدولة والخصخصة والشراكة وغيرها تحت مسميات خادعة، مما رفع نسب التضخم والديون والفقر والبطالة وعمّق النهب والفساد، وأدى ذلك إلى انفجار الأزمة عالمياً بأشكالٍ متعددة وخاصةً العنيفة في بلدان الأطراف التابعة، وبروز القوى اليمينية القومية والدينية المتطرفة.
أزمة اللاجئين
إذا كانت المراكز الإمبريالية الغربية سابقاً تهرب من أزماتها عبر الحروب العالمية، فقد أصبح ذلك صعباً أو شبه مستحيل، خلال الأزمة الحالية بسبب وجود قوى الردع النووي، فإن الحروب في مناطق محددة أو الحروب البينية والأهلية هي البوابة الحالية للهروب من الأزمة، بالإضافة إلى فرض السياسات الاقتصادية التدميرية، لاستمرار نهبها، وعدم إعادة اقتسام الثروة بين ناهبين ومنهوبين.. ويضاف إلى ذلك الأمراضِ وغيرها وفق المالوتسية الجديدة ونظرية المليار الذهبي، التي تهدف إلى تدمير دولٍ وإبادة شعوب، بشكلٍ مباشر، كما حدث في يوغسلافيا وأفغانستان والعراق والصومال، أو غير مباشر عبر الحصار وفرض العقوبات وإثارة الحروب الدينية والقومية كما حدث في سورية مؤخراً. وإذا كان النهب سابقاً جزئياً وبالمفرق، فإنه أصبح حالياً بالجملة، وعلى سبيل المثال: كان النهب للعقول يتم بالمفرق، فإنه الآن يتم بالجملة، كما حدث في مأساة السوريين من استثمار لقضية اللاجئين، باسم الإنسانية وحقوق الإنسان الوهمية.
الاستثمار في اللاجئين
تعتبر قضية اللاجئين السوريين، وخاصةً في دول الجوار تركيا ولبنان والأردن، مصدراً للاستثمار والابتزاز العلني...
تركيا
فيما تدعي تركيا الإنسانية، وأنها استقبلت حوالي 3 ملايين و200 ألف لاجئ سوري بترحابٍ قسم منهم يقيم في المدن، وقسم في مخيمات أنشئت خصيصاً لهم، وأنها تصرف عليهم من أموالها، بينما هي تبتز دول العالم والاتحاد الأوروبي، فقد حصلت خلال العام الحالي على 3 مليارات دولارٍ، ومؤخراً حصلت على ثلاث أخرى مثلها، ناهيك عن استغلال اللاجئين السوريين في سوق العمل، والمتاجرة بالبشر والرقيق الأبيض بالدعارة، وبالأعضاء الذي تقوم به العصابات المنظمة.
لبنان
يوجد في لبنان حوالي مليوني لاجئ سوري، كذلك القسم الأكبر محاصرون في مخيمات تفتقد لأبسط الخدمات الإنسانية ناهيك عن المعاملة السيئة التي يتلقونها، والاستغلال البشع لهم في سوق العمل واغتصاب حقوقهم.
الأردن
تقوم الأردن أيضاً بالاستثمار والابتزاز باسم اللاجئين السوريين، بل كانت تقوم بتسجيل أي سوري، بأنه لاجئ، وتقدم القوائم للأمم المتحدة للحصول على مساعدات ومنح مالية، بحجة إيواء اللاجئين وتقديم الخدمات لهم بينما هم محاصرون في مخيمات تفتقد لأبسط الحاجات الإنسانية، وتبالغ في عددهم بأنه قد وصل إلى 2,7 مليون لاجئ..
من يقتل القتيل ويمشي في جنازته
باتت قضية اللاجئين من آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية قضية أساسية على المستوى العالمي، وتحاول المراكز الإمبريالية التنصل والهروب من مسؤوليتها، عبر سياسات وممارساتٍ عنصرية، كجدار الفصل الذي تبنيه الولايات المتحدة بينها وبين المكسيك، وما اتخذته من قرارات وقوانين تفصل فيها حتى بين أفراد العائلة الواحدة من اللاجئين، وكذلك ما تقدمه هذه المراكز من خطاباتٍ شعبوية أمام شعوبها: بأن سبب مأساتها هم اللاجئون... بينما تتآمر في جهةٍ ثانية مع الأنظمة الدكتاتورية والتابعة على حقوق شعوب أخرى، كما يحدث مع حق العودة للشعب الفلسطيني إلى أراضيه المغتصبة من العدو الصهيوني.
وقد عقد الاتحاد الأوروبي مؤخراً اجتماعاً تركز حول قضية اللاجئين، وتناقضت مواقف الدول منها، فبينما اعتبرت إيطاليا، أن اللجوء إلى أراضيها عبر المتوسط، هو لجوء لأوروبا كلها، وبالتالي على الاتحاد الأوروبي تحمل المسؤولية، كما رفضت دول أوروبا الشرقية مرور أو استقبال اللاجئين في أراضيها، وحاولت فرنسا وألمانيا_ التي استقطبت حوالي 800 ألف لاجئ معظمهم من السوريين وغالبيتهم من الكوادر العلمية والفنية والجيل الشاب، لتجديد شيخوختها، والحصول على يدٍ عاملة شبه مهيئة، إذا لم نقل مهيأة لإنعاش اقتصادها_ الفرض على دول الجنوب الأوروبي استقبال اللاجئين وخاصةً إسبانيا والبرتغال.. وفي هذا السياق نتساءل:
_ من كان السبب الأساس سابقاً وحالياً في ازدياد أعداد اللاجئين، وخاصةً في العقدين الأخيرين؟ أليس النهب الرأسمالي المباشر خلال العقود السابقة؟ أليس النهب الرأسمالي غير المباشر خلال العقدين الأخيرين عبر فرض سياسات اقتصادية اجتماعية للنهب والفساد وإفقارية بالتعاون بين المراكز الإمبريالية والأنظمة الرجعية والدكتاتورية المدعومة منها؟ أليست الحروب المباشرة التي شنتها هذه المراكز، كما في أفغانستان والعراق والصومال، والحروب البينية والأهلية التي جرى تفجيرها على أساس قومي وديني وقبلي، والتي راح ضحيتها ملايين البشر، كما حدث في العراق ورواندا وسورية وغيرها من البلدان في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية؟
_ أليست هذه المراكز الإمبريالية هي التي تدعم العدو الصهيوني رأس حربتها في المنطقة، والذي هجر ملايين الفلسطينيين في كل أنحاء العالم، والذي يمنع عودتهم، بل ويهدد بتسفير من بقي من الفلسطينيين داخل أراضيهم الداخلية؟
_ أليس الحصار الاقتصادي والعقوبات الذي تفرضه هذه المراكز الإمبريالية على العديد من الدول، هو من أسباب الهجرة واللجوء؟
_ أليست قضية اللاجئين هي الشماعة التي تعلق عليها هذه المراكز أزمتها وسياساتها الاقتصادية الاجتماعية ونهبها أمام شعوبها، والتي ساعدت على بروز القوى القومية اليمينية المتطرفة بخطابها الشعبوي، والذي يحمل اللاجئين المسؤولية، للهروب من أزمتها وحرف الصراع عن جوهره الطبقي؟
لا شكّ أن حلّ قضية اللاجئين عموماً لن يكون بهذه الممارسات العنصرية والخطابات الشعبوية، بل ستفاقمها أكثر، وأن الحل يتم عبر الحلول السياسية السلمية، وإتاحة الفرصة للشعوب بتقرير مصيرها، وتبني سياسات اقتصادية اجتماعية مستقلة تنهي التبادل اللامتكافئ، وتنهي الاستغلال المباشر أو غير المباشر، وذلك بمشاركة قوى السلم والحرية، وبالتعاون بين شعوب العالم ككل. وهذا مرهون بتقدم قطب الشعوب التي نزلت إلى الشارع، ولن تعود إلاّ بنيل حقوقها، وليس بقتلِ القتيل والسير في جنازته، وذرف دموع التماسيح باسم الإنسانية وحقوق الإنسان.