بوتين- ترامب... فلنوسع دائرة البيكار!

بوتين- ترامب... فلنوسع دائرة البيكار!

يدور كلام كثير وتوقعات كثيرة حول لقاء بوتين- ترامب المرتقب يوم 16 من الشهر الجاري في هلسنكي، ويحتل الحديث عن طبيعة التوافقات المتوقع حدوثها حول سورية، الموقع الأول ضمن التوقعات.

قبل أن ندلي بدلونا ضمن «بورصة التوقعات»، لا بدّ من وضع بعض نقاط العلام حول «التوقعات الأخرى»:
أولاً: الافتراض أنّ الملف السوري سيكون الملف الوحيد على الطاولة، بتعقيداته المختلفة، افتراض خاطئ بالضرورة، فكلتا الدولتين تتعاملان مع الكرة الأرضية بأكملها كساحة عمل واحدة، وهذا لا ينفي بطبيعة الحال أنّ في هذه اللوحة نقاطاً أكثر حساسية وراهنية من غيرها. لكن حتى وفقاً للكلام عن الحساسية والراهنية، فإنّ لدينا إلى جانب الملف السوري ملفات عديدة أخرى: كوريا الشمالية، أوكرانيا، اتفاقية التجارة الحرة ومصيرها، طبيعة العلاقة بين روسيا وأوروبا، وخاصة دول أوروبا الشرقية والدرع الصاروخي للناتو... وغيرها.
ثانياً: التوقعات المبنية على فكرة «المقايضة»: (أي: أسلمك الملف X وتترك لي بالمقابل الملف Y)، ليست خاطئة بالكلية، ولكنها مع ذلك تحمل في طيّاتها سوء فهم عظيم! فالمقايضة (حتى وفقاً لأرسطو) تعني: تبادلاً بين متعادلات، بين أشياء متساوية القيمة، وتفترض تالياً مواقع متساوية لطرفي المقايضة. الافتراض الأخير (تساوي طرفي المقايضة، أي: تساوي الروسي والأمريكي) هو بحد ذاته تقدم في الطرح لا ينبغي التقليل من شأنه، فكثيرون ممن يتحدثون اليوم عن المقايضة، كانوا بالأمس، وبعضهم حتى اليوم، يتحدثون عن «ضوء أخضر أمريكي» تم إعطاؤه لروسيا لكي تدخل على خط الأزمة السورية، بما يعني الحديث عن معلم وصانع لا يقدم على خطوة دون رضى معلمه.
بكل الأحوال، فإنّ ما نزعمه في المقابل، أن مرحلة التساوي بين القوتين، ليس كدولتين متقابلتين، بل كمشروعين وكتحالفين دوليين، قد باتت من الماضي؛ من الماضي القريب نسبياً، نعم... ولكن من الماضي. ولهذا إثباتاته الاقتصادية والعسكرية والسياسية، التي سبقت الإشارة إليها مراراً في مقالات وأبحاث عدة نشرتها قاسيون، ناهيك عن أبحاث ومقالات لشخصيات غربية معروفة، من أمثال: ليندون لاروش وديفيد هارفي وحتى جورج سوروس! وعليه، فإنّ المتقابلين ليسا متساويين، ما يعني أننا لسنا أمام «مقايضة».
من جانب آخر، فنحن لسنا أيضاً أمام حالة «استسلام بلا قيد أو شرط»، فالولايات المتحدة وحلفها لم يخسروا بالضربة القاضية، في هذه النقطة، ربما تنفع العودة للتاريخ لا لاستنساخ عبره، بل لمعارضتها بالجديد: ففي الحربين العالميتين الأولى والثانية، ما جرى هو انتصار ساحق لحلف على آخر، ولم يكن للمهزوم رأي في الاتفاقات الناجمة عن الحرب. اليوم، وبوجود السلاح النووي، وبالغياب شبه التام لاحتمال الحرب المباشرة، فإنّ الهزيمة ستكون بالنقاط، والاتفاقات التالية للمعركة/المعارك، ستكون «اعترافاً بالأمر الواقع، والاستفادة من أن الانهيار الكلي لم يحدث لتحصيل بعض الشروط»... هذا بالضبط ما نعتقد أنّه وضع الولايات المتحدة ضمن اللقاء المقبل بين بوتين وترامب.

ترّهات بالجملة
بين التحليلات الخلبية التي يجري تسويقها، أنّ الكيان الصهيوني مستفيد أساسي ولاعب أساسي ضمن «الاتفاق السوري» بين الولايات المتحدة وروسيا... واقع الحال أنّ حالة الكيان الراهنة هي كمن يريد سلته بلا عنب، لأننا إنْ وسّعنا دائرة البيكار لنرى طبيعة التوازن الدولي بشكله الشامل، وانتصار النقاط لروسيا وحلفائها، سنرى بوضوح أنّ استمرار الكيان بشكله الراهن بات أقصى أمنيات هذا الكيان؛ فالحل السياسي السوري لن يقتصر على وقف التدخلات الخارجية وخروج جميع القوات الأجنبية، بل سيمتد لاستعادة الجولان السوري المحتل، لذلك- وكما يقال- فإنّ كيان الاحتلال «يتوضأ باللبن»...

أخيراً
من المفيد أن نتذكر جيداً، ولدى توسيعنا دائرة البيكار، أنّ أزمة الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية، قد جرى حلها بوساطة روسية- صينية... ما هو المقابل؟