أوروبا تحاول إقناع الأزمة بألا تعود
المحلل السياسي ألكسندر نازاروف المحلل السياسي ألكسندر نازاروف

أوروبا تحاول إقناع الأزمة بألا تعود

على الرغم من تزايد الإحصائيات الاقتصادية السلبية القادمة من أوروبا مؤخرا، إلا أن قيادات الاتحاد الأوروبي الاقتصادية لا زالت تحاول الظهور بمظهر متفائل، بينما تنكر عودة الأزمة.

للشهر الرابع على التوالي تواصَلَ تعكّر مزاج المستثمرين في منطقة اليورو، وانخفض مؤشر (Sentix) من 19,6 نقطة إلى 19,2 نقطة في شهر أبريل، كما انخفض مؤشر مديري المشتريات المركب (PMI) لـ 19 دولة في منطقة اليورو من 55,2 نقطة في شهر مارس إلى 55,1 نقطة في شهر أبريل، ليصل بذلك إلى أدنى مستوياته في 15 شهراً، وفقاً للبيانات التي نشرتها شركة آي إتش إس ماركت للبيانات الاقتصادية (IHS Markit).

الاقتصاد يتباطأ
تشير بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني (Destatis) إلى تراجع الطلبات الصناعية في ألمانيا في شهر مارس للشهر الثالث على التوالي، وأعلن معهد ميونيخ الاقتصادي (Ifo) بأن مؤشره لمناخ الأعمال (والذي نشر للمرة الأولى بيانات عن قطاع الخدمات)، قد هبط من مستوى 103,3 نقطة في شهر مارس إلى 102,1 نقطة في شهر إبريل في الوقت الذي كان استبيانّ لوكالة رويترز قد تنبأ بهبوطه لمستوى 102,7 نقطة، حيث صرح بهذا الصدد مدير معهد ميونيخ الاقتصادي كليمينس فيوست بأن «المزاج الجيد لدى الشركات الألمانية قد تبخر.. والاقتصاد الألماني يتباطأ».
أما في قطاع الخدمات فقد هبط مؤشر مناخ الأعمال فجأة، نظراً لأن مديري الشركات كانوا أقل تفاؤلاً بكثير فيما يخص الأشهر الـ 6 القادمة، وقد صرح الاقتصادي كلاوس فولرابي من معهد ميونيخ الاقتصادي، بأن الأرقام تدل على ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0,4% في الربع الأول من العام الحالي. كما أضاف لوكالة رويترز: «إن الهبوط الخامس على التوالي هو علامة على التعافي، ونحن بعيدون عن الركود».
في الوقت نفسه لم يُلاحظ أي نمو في الطلبات الصناعية في بريطانيا، وتباطأ النمو في الأشهر الـ 3 الأولى من العام الحالي، وفقاً للاستبيان الشهري الذي يجريه اتحاد الصناعات البريطانية، حيث توقف مؤشر دفاتر الطلبات في الاتحاد عند حده الأدنى منذ 5 أشهر.
بالتوازي مع هذا كله، هناك تباطؤ في النمو الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية، مع تسارع في نمو الأسعار، ما يعني أن هناك علامات على ركود تضخمي، علاوة على أن عائد سندات الخزانة ينمو، أي: أن الولايات المتحدة مضطرة إلى الاقتراض بنسب فائدة مرتفعة، وأصبحت النقود الفائضة في السوق أقل. إنها المرة الأولى منذ فبراير 2008 التي يتجاوز فيها عائد سندات الخزانة الأمريكية عائد توزيع أرباح المؤشر الأمريكي إس و بي 500 لمدة ثلاثة أشهر. لم تعد ديناميكيات البورصة في العالم أجمع تطمئن المستثمرين، ولا زالت المؤشرات الأمريكية منخفضة عن القمم التي بلغتها في يناير.
في الوقت نفسه فإن الناتج الإجمالي المحلي لليابان في الربع الأول من العام قد انخفض بنسبة 0,6٪ للمرة الأولى منذ عامين.

ضعف الزخم الاقتصادي
أي: أن جميع البيانات تشير إلى ضعف الزخم الاقتصادي عقب الانتعاش الذي حققه الناتج الإجمالي المحلي للاتحاد الأوروبي للمرة الأولى منذ عشر سنوات في عام 2017.
تؤشر البيانات المبدئية للمديرية العامة للمفوضية الأوروبية (اليوروستات Eurostat) إلى أن أسعار المستهلك في منطقة اليورو قد ارتفعت بنسبة 1,2٪ في الشهر الماضي فقط وفقاً للمعدل السنوي، وبلغ معدل التضخم 1,3٪ في مارس، ومعدل التضخم المستهدف يقدر بمستوى «أقل بقليل من 2٪».
على الرغم من ذلك فقد أكد كبير اقتصاديي البنك المركزي الأوروبي بيتر برات، لبلومبيرغ على ثقته في نمو الاقتصاد في منطقة اليورو، بل ووصف مدير البنك الفرنسي فرانسوا فيلليروا دي غالو التباطؤ الحالي في معدلات التضخم بأنه «أمر مؤقت بكل تأكيد»، مشيراً إلى أن توقيت الخروج من سياسة التسهيل الكمّي قد اقترب، لكن أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي لم يناقشوا في اجتماعهم في شهر أبريل كيفية تقليص برنامج الحوافز. سوف يشتري البنك المركزي الأوروبي سندات بقيمة 30 مليار يورو شهرياً حتى سبتمبر على أقل تقدير، وأجاب فيلليروا دي غالو عما إذا كانت عمليات شراء الأصول الصافية سوف تنتهي في سبتمبر أم في ديسمبر بأنه «سؤال ليس وجودياً عميقاً».

دوامة الانكماش
من الواضح أن السيد فيلليروا دي غالو يخادع قليلاً، فهناك دلائل تشير إلى أن عملية شراء السندات، أي: استمرار عملية «التسهيل الكمّي» هي السبيل الوحيد للاستقرار، وربما أيضاً لبعض النمو الذي يتمتع به الاقتصاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، فانخفاض معدل التضخم أمر مرعب للغرب لأنه قد يؤدي إلى انكماش مالي، ما يعني هبوط الأسعار. إن الانكماش المالي ليس علامة ونتيجة لانخفاض الطلب على السلع فحسب، ولكنه يؤثر أيضاً على سلوك المستهلك، ويدفعه إلى خفض المصروفات انتظاراً لهبوط الأسعار مجدداً يوم غد، وبالإمكان شراء البضاعة بسعر أقل. وتأجيل الشراء يؤدي إلى ما يسمى بدوامة الانكماش: انخفاض الطلب_ خفض الإنتاج_ ارتفاع معدلات البطالة_ انخفاض مرتبات العمال_ انخفاض الطلب وهكذا دواليك.
لقد كانت أزمة الكساد الكبير في الولايات المتحدة عام 1929 مثالاً كلاسيكياً لدوامة الانكماش، ثم تعرض العالم عام 2008 لأزمة مماثلة، وبدأت دوامة انكماش جديدة، لكن البنوك المركزية في الغرب تمكنت من احتواء هذه الأزمة بضخ تريليونات الدولارات واليورو إلى الأسواق والبنوك والمؤسسات على هيئة ائتمانات غير محدودة ذات نسبة فائدة تقترب من الصفر، من أجل تحفيز الطلب.

تفاؤل استعراضي
لذلك فمن الممكن فهم التفاؤل الاستعراضي لقيادات الغرب الاقتصادية، فهم يحاولون الحيلولة دون فهم الأسواق والمستهلكين لحقيقة أنّ الانكماش الذي حاربوه زهاء 10 سنوات منذ أزمة عام 2008 سوف يعود بمجرد أن تتوقف البنوك المركزية الأوروبية عن ضخ تريليونات الدولارات واليورو في الاقتصاد. فبمجرد أن خفّض البنك المركزي الأوروبي حجم ضخ الأموال إلى الأسواق، بدأ اقتصاد الاتحاد الأوروبي في التباطؤ على الفور، وبدأت البورصات العالمية في الهبوط، حتى على الرغم من أن البنك المركزي الياباني مستمر في سياسته الضخمة بالـ «التسهيل الكمي» شأنه في ذلك شأن الصين.
إذا ما انكشفت أسطورة نهاية الأزمة، فإن مزاج المستهلك وحده يمكن أن يصبح حافزاً لعودتها.

آخر تعديل على الإثنين, 02 تموز/يوليو 2018 15:22