منبج ليست أمريكية ولا تركية

منبج ليست أمريكية ولا تركية

بدأ بتاريخ 19/6/2018، تنفيذ الخطوات الأولى من الاتفاق التركي- الأمريكي فيما يتعلق بوضع مدينة منبج السورية، وحسب ما أوردت وكالات الأنباء، فإن دوريات عسكرية تركية انتشرت في هذه المدينة الحدودية، بالتوافق مع الولايات المتحدة، بعد دعوات وتهديدات تركية متكررة منذ أشهر، بالدخول إلى المدينة والمناطق الأخرى من الشمال السوري، بذريعة محاربة قوات الحماية الكردية.

يشكل هذا الاتفاق سابقة غير معهودة في العلاقات الدولية منذ تقاسم العالم بين الدول الكبرى عشية الحرب العالمية الأولى، فأن تتفق دولة مع دولة أخرى على الاعتداء على سيادة دولة ثالثة، ودخول أراضيها، فإن ذلك هو إحدى الصيغ الاستعمارية التقليدية.
ومن جانبٍ آخر، يأتي الاتفاق امتداداً للسياسة الأمريكية القائمة على محاولات إشاعة وتعميم الفوضى، وزرع ألغامٍ على طريق تطبيع الأوضاع في البلاد، طالما أنها باتت عاجزة عن الاستفراد بالقرار، ومن جهة أخرى، هي محاولة للالتفاف على التقارب الروسي- التركي، ويعكس هذا التفاهم بين تركيا والولايات المتحدة إلى حد كبير سياسة الابتزاز التركية تجاه حليفها الأمريكي القلق، واستغلال ما يتوفر لها من هوامش، جراء توتر العلاقات الدولية، ودور الجغرافيا السياسية.
وفي السياق نفسه، فإن هذا الاتفاق يعمق المأزق الذي وضعت وحدات الحماية نفسها فيه، جرّاء الاعتماد على الوعود الأمريكية.
وإذا نظرنا إلى مجمل الحدث، أي: «الاتفاق التركي- الأمريكي، ومأزق وحدات الحماية»، فإنه يعني: أن واشنطن وحلفاءها «يتهاوشون» على «حصص» بعضهم على المائدة السورية، ويعكس في العمق، تراجع الخيارات السابقة للقوى الثلاث، فالولايات المتحدة تحاول التعويض عن توتر العلاقات بينها وبين حليفتها التقليدية، وباتت مضطرة إلى إدخالها كشريك على حساب شريك آخر. أما أوهام «فدرالية الشمال»، فتقلصت، وتبخرت. وأما تركيا التي تتبجح بهذا الاختراق، فتضع موقعها- كطرفٍ ضامن في اتفاقات أستانا- على بساط البحث، وتعمق من خلال سلوكها توتر الوضع الداخلي والانقسام الذي تعاني منه، وتفقد بهذه الحالة القدرة اللاحقة على الابتزاز، وبمعنى أوضح: سقطت سياسة الاحتواء المزدوج الأمريكية إلى غير رجعة، ووصلت سياسة الابتزاز التركية إلى نهاياتها، وتترنح سياسة وحدات الحماية المبنية على الأوهام وتلفظ أنفاسها.
باختصار، وعلى الرغم من الطابع الاستفزازي والعدواني للاتفاق الأمريكي- التركي ومخاطره الآنية، إلّا أنه يعبّر عن تراجع خيار القوى التي تعمل على استدامة الأزمة، وإن كان يبدو في جانبه الاستعراضي على خلاف ذلك.

موقع قاسيون الالكتروني

آخر تعديل على الأحد, 24 حزيران/يونيو 2018 23:59