التوافق والإصلاح الدستوري

التوافق والإصلاح الدستوري

شاءت تطورات الأزمة السورية، وجملة التفاعلات والتأثيرات التي واكبتها خلال السنوات السبع، وموازين القوى الداخلية والإقليمية والدولية، أن يكون الحل السياسي للأزمة السورية حلاً توافقياً بالضرورة، فالإقرار بهذا الحل أصلاً يعني عدم إمكانية أي طرف حسم الموقف عسكرياً، كما أقرت به جميع الأطراف، خصوصاً بعد أن اعتمد القرار 2254 كخريطة طريق للحل، أي، أن التوافق هنا، هو شرط الوصول إلى الحل، وأحد أسسه الموضوعية، وأن شرط التوافق هو قبول تنازلات متبادلة، وعدم وضع شروط مسبقة.

إن فكرة التوافق التي كانت روح ومضمون وركيزة كل مقدمات العملية السياسية، وكل أطرها، منذ بيان جنيف 1 ومروراً بالجولات الثماني، ومسار أستانا، ومؤتمر الحوار الوطني في سوتشي، ينبغي أن تكون ناظماً لعمل لجنة الإصلاح الدستوري التي بدأت عملية تشكيلها، خصوصاً، وأن عمل هذه اللجنة، وكما هو معلوم، جزء من السياق العام للعملية السياسية. 

إن تجربة سنوات الأزمة، والنتائج الكارثية التي خلفتها، وضرورات إعادة الاعمار، واستئصال الإرهاب نهائياً، وخروج القوات الأجنبية، والمخاطر القائمة جراء التوتر القائم في الوضع الدولي، وتزايد حدة الخلافات والانقسامات الدولية، ومحاولات قوى الحرب والعدوان استعادة مواقعها، والتأثيرات المباشرة، وغير المباشرة لكل ذلك على مختلف أوضاع العالم، ومنها بلادنا، يفرض على جميع الوطنيين السوريين، السعي إلى استعادة الوحدة الوطنية من خلال التوافق، ليس على المشتركات الوطنية العامة فحسب، بل وتوفير أدواتها أيضاً، وتحديد طرق الوصول إليها، عبر توسيع الحريات السياسية، وإبعاد دور المال، والدين، والأمن عن السياسة، بشكل نهائي. 

بمعنىً آخر، إن كل الأوضاع الدولية والإقليمية والداخلية، تتطلب الوصول إلى الإجماع الوطني عبر التوافق، بغية استعادة السوريين لقرارهم، وسيادتهم، فالتوافق الآن هو شرط لا بد منه، للوصول إلى الإجماع المنشود، أما السعي إلى الإجماع، والإصرار عليه، دون تأمين بيئة مناسبة للتوافق، يمكن أن يصبح سبباً لتأخير الحل، و حتى معطلاً له، رغم أن ميزان القوى الدولي الجديد يلجم التدخل الخارجي المعادي، بصيغه التقليدية المباشرة، ويحد من تأثيره، ويوفر للسوريين الفرصة الذهبية للتوافق فيما بينهم، على بنية سياسية جديدة، يكون القرار فيها للشعب السوري، أولاً وأخيراً ، قولاً وفعلاً. 

تزامنت الأزمة السورية، مع مرحلة انتقالية من تطور الوضع الدولي، من أبرز سماتها تصاعد دور حلفاء سورية بشكل يومي، وتراجع الخصم بتسارع، وتخبطه، مما وفر المناخ المناسب، والإمكانية أن يستعيد الشعب السوري قراره، رغماً عن إرادة القوى المعادية، في دوائر صنع القرار الغربي، وأتباعهم من الدول الإقليمية، وعليه يمكن أن تعوض سورية، عن جزء من الخسائر الكبرى التي تعرضت لها قبل غيرها من الدول، وعدم إضاعة المزيد من الوقت، والإسراع في توفير العامل الذاتي من خلال توافق السوريين فيما بينهم، والإقدام على البدء بالحل السياسي.