معارضة  ضد التغيير!
كفاح سعيد كفاح سعيد

معارضة ضد التغيير!

الأصل في أي عمل معارض جدي ومسؤول، هو طرح البرنامج البديل لسياسة النظام الحاكم، والعمل على تغيير العلاقات الاقتصادية الاجتماعية والسياسية السائدة، والشرط الموضوعي الذي يجب أن يلازم أية معارضة في التاريخ، هو: أن تلعب دوراً تقدمياً، بالنسبة إلى ما هو كائن، أما ما عدا ذلك، فلا يتجاوز عتبة الصراع على السلطة ضمن البنية ذاتها، كما كان حال قسم واسع من المعارضة التقليدية السورية، بغض النظر عن نوايا هذا وذاك، ودون أن ننفي وجود الاستثناءات التي تم الحجر عليها لألف سبب وسبب، وبألف طريقة وطريقة خلال سنوات الأزمة، وفي ظل الصراع على السلطة، في المشهد السياسي السوري الحالي

 

غياب الشرط المعرفي
الإشكالية الأساسية والمزمنة التي ظلت تلازم رؤية وخطاب بعض المعارضة السورية، في الجانب المعرفي، هي القراءة الأحادية الجانب لجملة تلك المشكلات التي يطرحها الواقع الموضوعي أمام سورية، كدولة وشعب، حيث تجاهلت المعارضة السورية التقليدية قضيتين أساسيتين، وهما: المسألة الوطنية، والمسألة الاقتصادية الاجتماعية، واقتصر نشاطها وخطابها على المسألة الديمقراطية، التي تم اختزالها بموضوعة «تداول السلطة». رغم أن القضية الاقتصادية الاجتماعية والوطنية، تطرحان نفسيهما بشكل واقعي على جدول الأعمال، ومن غير المنطقي تجاوزهما، أو تجاهلهما، بغض النظر عن الموقف من النظام، وذلك بسبب ما تفرضه الجغرافيا السياسية، حيث التماس مع الكيان الصهيوني، ووجود أراضٍ سورية محتلة من جهة، وبسبب الانقسام الطبقي الحاد في المجتمع السوري والآليات السائدة في توزيع الثروة، خصوصاً بعد تبني سياسات الليبرالية الاقتصادية، من جهة أخرى.
بررت بعض النخب المعارضة هذه القراءة العرجاء، في مرحلة ما قبل تفجر الأزمة، بأن النظام يقف عائقاً أما تنفيذ هذه المهام، مما يمنع التصدي لها.
ربما كانت هذه الذريعة تبدو مقنعة ما قبل 2011، وربما كان لمثل هذا الخطاب حظاً في التداول، والترويج، لاسيما، وأن النظام حاول على الدوام احتكار المسألة الوطنية في نفسه، وضمن فهم خاص به، وراح يوظفها باستمرار لتبرير مشروعيته التاريخية، ولكن مواقف هذه النخب المعارضة، في سنوات الأزمة أكدت بالملموس بأن ذاك الرأي كان مجرد ذريعة من قبلها، للتهرب من الاستحقاقات الوطنية، حيث كشفت الأزمة بالملموس، بأن التدخل الخارجي في الشأن السوري، بالنسبة لهؤلاء ليس أمراً مقبولاً، ومسكوتاً عنه فحسب، بل حاولت بعض أقسام المعارضة أن تصبح عراب هذه المسألة، وراح بعض المعارضين السوريين، يدعون إلى ذلك علناً، بما فيها الدعوة إلى التدخل العسكري المباشر، ووجدوا فيه طريق «الخلاص» الوحيد، رغم أن النتيجة الحتمية لأي تدخل من هذا النوع، هي تهديد وجودي للدولة السورية، على الأقل استناداً إلى التجارب السابقة في يوغسلافيا والعراق وليبيا، مما يعني عبثية أي صراع على شكل النظام السياسي.
إشكالية التخادم
تحكمت هذه الرؤية بوعي وممارسات قطاع واسع من نخب المعارضة السورية، وأصبحت قاسماً مشتركاً بين أغلب الهياكل التي تشكلت في ظروف الأزمة السورية، « المجلس الوطني، الائتلاف..» وإن كان بمستويات متفاوته، وبعد صدور القرار 2254 واعتماد «الائتلاف» كطرف مفاوض بموجب قرار دولي، وفي ظل توازنات دولية وإقليمية محددة، حاول الائتلاف العتيد أن يفرض هذه الرؤية، على سائر قوى المعارضة الأخرى، بعد أن بات عاجزاً عن احتكار العمل المعارض في نفسه، والحال هذه، أفرزت تلك المشكلة المعرفية المزمنة في المعارضة، جملة مشكلات أخرى، ومنها: مشكلة التخادم مع النظام، فجاء هذا الموقف في المسألة الوطنية، بمثابة توكيد لبروباغندا الإعلام الرسمي، الذي ربط وجود الدولة والوطن السوري بوجود النظام، فالدولة هي النظام، والنظام هو الدولة؟! وأصبح هاجس استلام السلطة المستمد من موضوعة «تداول السلطة» إياها، هو المتحكم بكل مواقف وسلوك هذا القسم من المعارضة السورية، مما أدى بهم إلى تفسير حتى القرارات الدولية وفق هذا الفهم، وطرح شروطاً مسبقة على عملية التفاوض، رغم أنها بالأصل عملية توافقية، وراح يذكّر بها، أمام كل احتمال لتقدم العملية السياسية إلى الأمام، ولتصبح ذريعة جاهزة ودائمة للنظام، لعدم الانخراط في العملية السياسية، وليصبح قانون الفعل ورد الفعل هو السائد، مما أدى إلى عملية تخادم فريدة من نوعها، ومنع في الوقت نفسه، عمليات الفرز الضرورية، ورسخ شكل الانقسامات اللاواقعية في البلاد.
معارضة ضد التغيير.
أصبح هذا النموذج من المعارضة السورية، قوة عطالة، وأحد أدوات عرقلة التغيير، أي: أنها باتت في موقع بالضد من وظيفتها المفترضة، ومبرر وجودها، ومن هنا، فإن مهمة كسر هذه الحلقة المفرغة في العمل المعارض باتت تفرض نفسها كمهمة ملحة، أمام قوى المعارضة الوطنية السورية، لاسيما، وأن ميزان القوى الدولي يمضي بتسارع عكس اتجاه أولئك الذين أعادوا إنتاج هذه المعارضة المشوهة في ظروف الأزمة، وأرادها «وجه السحارة»، وخصوصاً بعد فشل العدوان الغربي الأخير على سورية، وعجزه عن تحقيق الأهداف المعلنة، مما يتطلب من تلك القوى المترددة في «هيئة التفاوض» أن تحسم موقفها بالقطع مع متشددي المنصة، الذين فقدوا أوراقهم السياسية والأخلاقية كلها، بسبب سلسلة المآزق المتلاحقة التي ساهموا بصنعها، ولم يَعُد لديهم سوى الاعتياش على توتير قوى الحرب في الإدارة الأمريكية للوضع الدولي، وأن يصبحوا جزءاً من أدوات الحملة الدعائية ضد القوى الدولية الصاعدة، وشهود زور في الصراع الدولي الجاري في سورية وما حولها، لصالح أجندات قوى تتخبط وتتراجع بشكل يومي، من أنقرة إلى الرياض إلى واشنطن.
إن هذا النموذج المعارض، يفقد يوماً بعد يوم مبررات وجوده كلها، حتى بالنسبة لرعاته الدوليين والإقليميين، فالعمل المسلح ينكفئ، وتتقدم خيارات قوى الحل السياسي الدولية والسورية، والهوامش تضيق أمام قوى الإعاقة، وتتعاظم حالة الكمون والتراكم، باتجاه تحول نوعي في مسار الأزمة، باتجاه تطبيق 2254.