2254: وصفة إطلاق المارد!

2254: وصفة إطلاق المارد!

تتفق أقسام محددة من «الموالاة» ومن «المعارضة» - كما اتفقت في مراحل عديدة سابقة- على نعي مسار جنيف، ونعي القرار 2254.

 

أما القسم المتشدد من «الموالاة»، فيبرر النعي الذي يأخذ شكل الرغبة المحمومة، وشكل التشفي، بأنّ القرار 2254 من حيث الأساس هو صناعة غربية، وكذلك مسار جنيف، (علماً أن هذا الأخير من حيث الجوهر، ليس إلا أداة لتنفيذ القرار، يسانده في ذلك مسارا أستانا وسوتشي). ويضيف في تفسيره أنّ ما جرى في الغوطة وأن الاتجاه العام الذي تسير وفقه الأمور، والذي سيؤدي وضوحاً إلى نهاية كل أشكال العمل المسلح، يعني أنّ موازين القوى قد اختلت بشكل نهائي لمصلحة النظام وضد مصلحة المعارضة، وهذا يعني أنّ القرار 2254 والذي يتضمن تشكيل جسم حكم انتقالي بالتوافق والتراضي بين المعارضة والنظام، لم يعد صالحاً للموازين الجديدة.
القسم المتشدد من «المعارضة»، يوافق أيضاً على أنّ موازين القوى قد اختلت بشكل كبير، وأنّ الطرف المقابل سيتمكن من القفز عن القرار 2254 ولذلك يجب البحث عن قرار جديد، (مثلاً هنالك تعويل لدى البعض على ما سمي مشروع القرار الفرنسي)، ويجب أن يدعّم ذلك بتحركات عسكرية غربية جديدة، وبمزيد من الدعم... وكذا.
أمام هذين الطرحين، المتفقين من حيث الجوهر، لا بد من التذكير ببعض النقاط والأفكار الأساسية:
أولاً: الطرفان المتشددان إياهما، لم يرحبا منذ البداية ببيان جنيف، ولا بالقرار 2254، وإنما تعاطيا معهما على مضض، وتحت الضغط. وتفسير ذلك أنّ النموذج الذي يشتغل عليه كل منهما، لا ينسجم نهائياً مع فكرة الحل السياسي؛ فمنطق الحسم وقرينه الإسقاط، ينتميان إلى مرحلة تاريخية ماضية، ولا أمل في الوصول لتحقيق أي منهما في ظل الوضع الدولي الجديد.
ثانياً: المشترك في النموذجين هو تغييب رأي السوريين، وعدم حدوث أي تغيير حقيقي: فبالحسم المفترض، ينتصر النظام ويبقى على حاله ويبقى رأي السوريين خارج قوس. وبالإسقاط المفترض يجري استبدال سلطة بسلطة أخرى، ليبقى السوريون أيضاً ضمن حالة التغييب.
ثالثاً: النموذجان كلاهما، الحسم والإسقاط، يتفقان مع النموذج الغربي للتعامل مع الأزمات: فالحسم أو الإسقاط، وكذلك حالة اللا حسم واللا إسقاط، كلها تؤدي غرضاً واحداً: التفتيت والتقسيم واستمرار الاستنزاف وحرب الجميع ضد الجميع. ولهذا تحديداً، فإنّ القرار 2254 هو صناعة شرقية بامتياز، روسية صينية، لأنّ من شأن تنفيذ هذا القرار فتح الطريق لإنهاء الأزمة بشكل فعلي، والبدء بعلاج أسبابها الجذرية، وعلى رأسها نمط العلاقات التابع للمنظومة الغربية، اقتصادياً بالدرجة الأولى، وثقافياً وسياسياً بدرجة تالية، ولكن ليست أقل أهمية.
رابعاً: موازين القوى اختلت فعلاً، وبشكل كبير! ولكن ليس كما يقول أصحاب النموذجين؛ فاستمرار آمال الحسم والإسقاط، والاستمرار الفعلي في اللاحسم واللا إسقاط، أي استمرار الاستنزاف والكارثة، لا يمكن أن يتم بغير استمرار العمل المسلح، أياً تكن تسمية هذا العمل، أكان إرهاباً مكشوفاً وعلنياً، أم كان عملاً مسلحاً معارضاً، أو حتى عملاً حكومياً في محاربة الإرهاب. المهم في الموضوع أن تستمر الحرب بأشكالها ودرجاتها المختلفة... ولذلك فإنّ ما جرى في الغوطة، وفي القلمون الشرقي، وما سيجري في باقي المناطق، من تطويق وإنهاء للعمل المسلح بكافة أشكاله، يصب فقط في مكان واحد: الحل السياسي متمثلاً بالقرار 2254؛ فانتهاء وضع القتال في الغوطة مثلاً ليس بغيضاً بالنسبة لمتشددي المعارضة فحسب، بل ولأقرانهم من متشددي النظام، فكلاهما يعرف في الجوهر أنّ تقلص نطاق العمل المسلح يعني اتساع مساحات تنفيذ القرار الدولي... وفي الجوهر من ذلك اتساع التهديد الأكبر لهم: صوت السوريين المكتوم بالحرب، والذي اقترب لحظة خروجه من قمم الحرب.