التصعيد الأخير.. بين الانتصار للدم والهدف السياسي؟

التصعيد الأخير.. بين الانتصار للدم والهدف السياسي؟

رافق التصعيد العسكري الأخير في البلاد، حملة دعائية واسعة، وكالعادة كان الحرص على الدم السوري، المادة الأساسية في الحملة..

 

قداسة الدم السوري وضرورة إيقاف هذه المأساة فوراً، لا تلغي ضرورة البحث عن الأسباب الحقيقة الكامنة وراء هذا التصعيد، فحديث الدم كان على مدى سنوات الأزمة، الستارة التي تخفي الأجندة السياسية لهذا الطرف أو ذاك، بدلالة أن جميع الحملات الدعائية التي رافقت ارتفاع مستوى التوتر وسفك الدماء، كانت تركز على البعد الجنائي، عمّن بدأ ومن استخدم ومن لم يستخدم؟! ليتم توظيفه سياسياً، في حين أن الحرص جدياً على الدم كان يستوجب السؤال عن كيفية إيقاف هذا النزف المستمر.
نعتقد أن الهدف الأساس من هذا التصعيد، كان المقصود به إفشال تجربة مناطق خفض التصعيد، من خلال إرباك ترويكا الحل « روسيا_ تركية_ إيران» أو من خلال تثبيت هذه التجربة كما هي، بحيث تكون هي الحل الناجز بما تعنيه من شرعنة تقاسم النفوذ، والتأسيس من خلال ذلك لتفتيت الدولة السورية. على عكس ما يراد من التجربة، كدافعٍ لاستئناف مفاوضات جنيف، ومدخل للحل السياسي.
تعتبر هذه الترويكا اختراقاً استراتيجياً لروسيا، من حيث الشكل والمحتوى، كونها تكتلاً يتشكل خارج منظومة الهيمنة الغربية عموماً، والأمريكية خصوصاً، بل على حسابها أيضاً، وبين دول لها ثقل جيوسياسي، عالمي، تنتمي إلى جغرافيا يتم الاشتغال عليها لتعميم الفوضى الأمريكية في عموم الشرق، لاسيما، وأن هذه الترويكا تعمل على حل أزمة بمستوى الأزمة السورية، ولعل تجربتي مناطق خفض التصعيد عبر مسار أستانا، ومؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، التي تعتبر من أهم مخرجات هذا التكتل الدولي الجديد، إنجازات ملموسة لا يستطيع أحد التشكيك بجدواها وأهميتها في سياق الحل السياسي الكامل للأزمة السورية.، تبين من خلال تسلسل الأحداث منذ العدوان التركي على عفرين، التي كانت محاولة للإيقاع بين الطرفين الروسي والتركي، كطرفين ضامنين لهذه التجربة، حيث بدأت الأحداث بالقرار الأمريكي بإنشاء جيش جديد في الشمال السوري، وفي السياق نفسه كانت الاعتداءات الصهيونية المتكررة على المواقع السورية، بحجة النفوذ الإيراني، كمحاولة للإيقاع بين الطرفين الروسي والإيراني، بالإضافة إلى الزوبعة المستمرة حول الكيماوي، والأسلحة المحرمة لتجييش كل القوى الدولية، والتمترس في خندق الشرعية الدولية متمثلة بالأمم المتحدة ومجلس الأمن، وإضفاء «الشرعية» على أي عمل تقوم به واشنطن، وبالدرجة الأولى تبرير وجودها العسكري غير الشرعي على الأراضي السورية.
السحر والساحر
أما محاولة التمترس في خندق المجتمع الدولي، فقد تمخض عنها تغيير مشروع القرار الذي دعمته الولايات المتحدة واستكلبت لتمريره، وأخذ المقترحات الروسية كما هي، أما بالنسبة للاعتداءات الصهيونية، فكان إسقاط الطائرة الصهيونية رسالة بليغة واضحة المبنى والمعنى...أما إعادة التوتير إلى العلاقات الروسية التركية، فلم تفلح حتى الآن، واستطاعت الدبلوماسية الروسية كالعادة احتواء الموقف، رغم أن محاولتها لقطع الطريق منذ البداية على العدوان التركي، اصطدمت بالحسابات السياسية الخاطئة والموقف اللامفهوم من قيادة وحدات الحماية الكردية، برفض إعادة منطقة عفرين إلى سلطة الدولة السورية، وتراجعها المتأخر عنه فيما بعد...
ما نريد قوله هنا، أن الهدف السياسي للتصعيد الأخير من قبل الولايات المتحدة، لم يكتب له النجاح حتى الآن، دون أن نغفل تعقيدات المشهد، و تناقض المصالح العابر بين دول الترويكا، التي تحاول قوى الحرب في الإدارة الأمريكية الاستثمار فيها.

موقع قاسيون الالكتروني