الحوار موقف ثابت ومستمر

الحوار موقف ثابت ومستمر

اليوم، وبعد مرور قرابة الأعوام السبعة على الأزمة العميقة التي عصفت في بلادنا سورية، انجلت الكثير من المواقف، وتبدّل العديدُ منها. بعضها تطوّر بحكم تطورات الواقع ذاته محافظاً على ثوابته، وبعضها «كوَّع» منصاعاً لما فرضه هذا الواقع. فيما يلي، نعيد نشر كلمة الرفيق د.قدري جميل، رئيس منصة موسكو وأمين حزب الإرادة الشعبية، خلال اللقاء التشاوري الذي عقد في مجمع صحارى بدمشق في شهر تموز لعام 2011، دون أي تعديل أو تحرير عليه، تاركين للقارئ تقييم الموقف العام الذي تم تبنيه من ذلك الحين وحتى اليوم.

كنت أفضّل أن يجري التقديم على أساس ماذا يمثل كل شخص موجود على طاولة الحوار اليوم، فماذا كان يضير رئاسة الجلسة، أن تعرف بالدكتور علي حيدر أنه رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، أو أن تعرف عني بأني ممثل اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين.. يجب أن نعطي إشارات إيجابية بأننا نبتعد عن عقلية الإقصاء السياسي.‏
أنحني بإجلال أمام جميع الشهداء من مدنيين وعسكريين.. أمام الذين يوطدون أواصر الوحدة الوطنية، والذين فتحوا طريق الحوار الوطني الذي يجب أن يوصلنا في نهاية المطاف إلى الإصلاح الجذري المنشود.‏
إن الأزمة في البلاد عميقة، والحلول يجب أن تكون بعمق الأزمة، فإذا بقيت الحلول جزئية وترقيعية ومتأخرة، فإن هذه الأزمة ستتفاقم بلا شك، والجميع متفقون على أن العوامل الأساسية للأزمة هي عوامل داخلية اقتصادية واجتماعية، بسبب توسع دائرة الفقر والبطالة، وسياسية بسبب الانخفاض الشديد لمنسوب الحريات السياسية، وهذه العوامل الداخلية هي ثغرات ينفذ منها العدو وفي هذه اللحظات البلاد أمام خطر جدي يجب أن نعي هذا الموضوع بكل مسؤولية.‏
من هنا يكتسب الحوار أهمية كبرى في الوصول إلى القواسم المشتركة للحلول المنشودة، فهو شكل من أشكال الصراع، وهو صراع آراء سلمي وحضاري، لذلك مع تفهمي للزملاء الذين قاطعوا الجلسة التشاورية إلا أنني أضع سؤالاً: إذا كنا لا نريد الصراع السلمي الحضاري، فماذا نريد؟. يضعون بعض الشروط وبعض الآراء وهي مشروعة ومحقة.‏
إننا دعينا إلى هنا، وكما فهمت أن هذا اللقاء هو مجرد لقاء تشاوري، أي: أن المؤتمر الحقيقي الأساسي للحوار الوطني العام لم يبدأ بعد، ونحن مدعوون اليوم لوضع الأساس لهذا الحوار والتحضير له، ومع الأسف الشديد في جدول الأعمال الموجود بين أيدينا، لم نلحظ أن هناك عرضاً جدياً على الجلسة التشاورية للتحضير للحوار، وكانت هناك ملفات، كنت أتصور أنه يجب أن تعرض على الحوار ولا مانع من الاستعجال وأن تعالج الآن، ولكن هناك قضايا تحتاج لحل في هذه الجلسة، وأن نخرج فيها بتوصيات حول آلية الحوار الوطني الشامل، ومن هم المشاركون فيه، ومن يحددهم، ومن أين سيأتون وما صفتهم الاعتبارية؟
إننا نريد مؤتمر حوار وطني يقتنع فيه السوريون، ويكون له مرجعية لديهم، هذا يعني: أن هذا الأمر يحتاج للعمل على هذه النقطة، حول كيف سيكون مؤتمر الحوار الوطني المنشود، وما فهمته أن لجنة الحوار الوطني المحترمة مهمتها تنظيمية للدعوة لهذا الاجتماع، كي تتمخض عنه تلك الرؤى والأدوات والآليات التي تحضر للحوار الوطني الشامل، لذلك أطالب بأن توضع في جدول الأعمال هذه النقطة، وأن نخرج على الأقل بتوصيات واضحة بهذا الاتجاه.‏
بإطار المشاركين المفترضين اللاحقين لدينا تمثيل واضح، فالنظام ومنظومته السياسية من الطبيعي أن يُمثّل، ولدينا أحزاب موجودة تاريخياً يجب أن تمثل أيضاً، وهناك شيء جديد يمشي على الأرض يجب أن نراه، فالحركة الشعبية تفرز قيادات وشخصيات جديدة يجب احترامها، فبقدر ما يشعرون بجديتنا وثقتنا بهم، بقدر ما نكون فتحنا الأقنية المغلقة بين الأحزاب والقوى السياسية وبين الشارع والحراك الشعبي، فهذه قضية كبرى جدية، فإذا لم نستطع أن نصل إلى حلول جدية لها لا نعرف ما سيكون مصير هذا الحوار.‏
إنّ هناك قضايا تحتاج إلى تشاور وبحث وحلول، وهي مبادئ الحوار وآلياته والمشاركون بالحوار القادم وكيفية تمثيلهم، وإذا لم نستطع أن نخرج بتوصيات بهذا الاتجاه، فإن لقاءنا التشاوري لن يستطيعَ أن ينفذ أحد الأهداف الكبرى المطلوبة منه.‏
يجب توفير مناخ للحوار اليوم، فالذين لم يأتوا وكنت أتمنى أن يأتوا، أعتبر أنهم أجلوا حضورهم حتى يتوفر المناخ السياسي، لذلك أضم صوتي إلى أصوات الذين سبقوني وأقول: يجب إيقاف سيلان الدم.. صحيح أن هناك تظاهراً غير مرخص، ولكن استخدام العنف أيضاً غير مبرر ومبالغ فيه تجاه التظاهر، فالقانون عمره قليل إلى الآن، ولم ينظم بعد، ويجب ضمان حماية المظاهرات السلمية، ومحاسبة كل من يطلق النار على المظاهرات، أو من المظاهرات، ومحاسبة كل من أراق قطرة دم سورية بغير وجه حق، أي: ليس دفاعاً عن النفس. كما يجب إطلاق جميع المعتقلين على خلفية الأحداث الحالية، وهذا كله من شأنه أن يخلق جواً من الثقة وهو ما سينجح الحوار الوطني.‏
إن سورية تعرضت منذ يومها الأول للمؤامرات، والسؤال هنا: لماذا تنجح المؤامرات مرة وتفشل مرة أخرى؟ لأن السبب فينا! فبقدر ما تكون مناعتنا عالية نغلق الثغرات، وبقدر ما تكون السياسات الاقتصادية والاجتماعية ملبية لحاجات الناس، يكون مستوى التعبير والحريات السياسية مطابقاً لمستوى الضرورات الاقتصادية والاجتماعية، ويكون هناك استقرار في المجتمع.‏
الآية اليوم انقلبت، فمستوى عدم الرضى عن السياسات الاقتصادية الاجتماعية أصبح أعلى من الرضى عن السياسات المقاومة والممانعة التي تنتهجها سورية تاريخياً منذ يوم استقلالها الأول.. فلنعمل على أن يأتي من لم يأتِ اليوم، وأن يشارك كل السوريين في الحوار الذي يجب أن يوصلنا إلى القواسم المشتركة، وإلى برّ الأمان للخروج الآمن بأقل الخسائر من هذه الأزمة الوطنية العميقة.‏