كردستان: أزمة «نخب» لا شعوب

كردستان: أزمة «نخب» لا شعوب

وافق برلمان كردستان العراق بأغلبية أعضائه، على إجراء الاستفتاء للانفصال عن العراق المزمع في 25 أيلول القادم، الأمر الذي ترفضه حكومة بغداد، ولا تؤيده أغلبية المواقف الدولية المعلنة.

يتجاوز استفتاء كردستان المزمع إجراؤه مسألة حق الشعب الكردي في تقرير مصيره، وهو ما يعمل البعض على تبسيطه بهذا الشكل، فالأزمة ليست أزمة شعوب طالما كانت قادرة على العيش المشترك معاً في المنطقة. لكن حقيقة الأمر، أن المسألة مرتبطة بأزمة خلقتها الدول المستعمرة، وكرستها الأنظمة المتعاقبة، ولا يمكن فصلها عن المشروع الأمريكي القائم على التفتيت، وإشعال بؤر التوتر والملفات العالقة، واستخدامه الورقة الكردية ضمن السياق نفسه في المنطقة.

حقوق منقوصة
من المؤكد أن أصل الإشكال في القضية الكردية مرتبط بتقاسم النفوذ بين الدول الاستعمارية في المنطقة، والمتجلي باتفاقيات «سايكس بيكو» وغيرها، وبحقوقهم المنقوصة التي كرستها الأنظمة المتعاقبة، لذلك فإن الحديث عن أي حل منطقي للقضية الكردية، سواء في العراق أو في الدول المجاورة، مرتبط بشكل أساسي بصياغة حلول إبداعية تؤكد حقوق الكرد من ناحية وتضمن وحدة البلاد من ناحية أخرى، أمّا الحديث عن انقسام وانفصال في الوقت الذي ينحو فيه العالم نحو مزيد من الاندماج والتكامل، لن يأتي إلا بنتائج عكسية، أي: أن تجاوز ما خلفه الاستعمار السابق من تقسيم يتطلب المزيد من الحقوق الممنوحة وإلغاء الحدود وليس العكس، وإلا فإن الأمر سيكون تكريساً لـ«سايكس بيكو» وغيرها، بل ونقلها إلى مستويات أعلى.

هل الاستفتاء: أداة للحفاظ على السلطة؟
في الحالة الكردية العراقية، يتراكب الإشكال الكردي التاريخي في المنطقة مع خصوصية الوضع العراقي، باعتباره دولة انهار فيها النظام السابق بفعل احتلال أمريكي، عمل جاهداً على تكوين بنى سياسية واقتصادية تابعة وهشّة في مرحلة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار، فتم الحدّ من دور الدولة وتجريدها من أدواتها للحد الأقصى، وفرض «ديمقراطية» قائمة على المحاصصة الطائفية والقومية، بالإضافة إلى صناعة الدستور بأيدٍ أمريكية، ونهب الاقتصاد تحت شعارات برّاقة للمؤسسات الدولية، ببناء نموذج اقتصادي بعد الحرب قائم على «النيوليبرالية» و«تحرير الاقتصاد».
وليس بعيداً عن ذلك سياسيو العراق الذين جاؤوا إلى الحكم على «ظهر الدبابة الأمريكية» وأمعنوا في إفساد العراق ونشر الفوضى، بالتالي، فإن بنيتهم ودرجة تبعيتهم لا تسمح لهم إلا بتنفيذ ما تقتضيه مصالح الغرب ورأسماله.
في هذا السياق، يواجه إقليم كردستان كما العراق أزمة سياسة بين الأحزاب، وأزمة اقتصادية جعلت من الحكومة عاجزة عن توفير الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء ورواتب العاملين في الدوائر الحكومية، لذلك، يرى بعض المحللين أن الهدف من الاستفتاء ليس إنشاء الدولة الكردية، بل التغطية على المشاكل الداخلية في إقليم كردستان وإبقاء القيادة الحالية في السلطة.

توتير مقصود
لم تؤيد المواقف الدولية بأغلبيتها علانيةً إجراء الاستفتاء، باستثناء موقف الكيان الصهيوني الذي زعم «تأييد الأكراد في حقهم بالانفصال»، وهنا ينبغي الانتباه إلى خطورة الانجرار وراء المحاولات البائسة للربط بين القضية الكردية وكيان العدو، فموقف الأخير ليس بالأمر المستغرب من كيانٍ يعتبر – وهو محق في ذلك- أن مصلحته تكمن في حدوث أي انقسام «ديني أو طائفي أو مذهبي أو قومي، أو أيً كان» في دول الجوار. أما الموقف الأمريكي، فلا يمكن التسليم بما أعلن منه، وخاصة أن تعامل واشنطن تاريخياً مع الورقة الكردية قائم على اعتبارها أداة توتير في المنطقة، وأن انقساماً داخل الإدارة الأمريكية بات واضحاً بين اتجاهين، أحدهما يحاول جاهداً استمرار العمل بالعقلية الحربجية، وآخر ينحو لأن يكون أكثر براغماتية وانكفاء.
وكان من الملفت خلال الأسبوع الماضي الانطباع التصعيدي الذي خلفته الاشتباكات التي دارت في محافظة كركوك العراقية بين عناصر مسلحة «كردية» وأخرى «تركمانية» في خضم الحديث عن الاستفتاء، وهو ما يمكن اعتباره مؤشراً جدياً على إمكانية تحول هذا الاستحقاق إلى ورقة توتير في شمال العراق لا يمكن التكهن بكل احتمالاتها وسيناريوهاتها.
إن النظر إلى المعطيات التي جرى إعلانها خلال الأسبوع الماضي فحسب كافية لفهم أن الإقدام على الاستفتاء لم يعد يهدد الدول المتضررة منه فحسب، بل بات سلاحاً موجهاً إلى الشعب الكردي ذاته، ومن ذلك، ما جرى من عمليات عسكرية على الحدود الجنوبية لتركيا التي اعتبرت – على لسان وزير خارجيتها بن علي يلدريم- مسألة الاستفتاء «مسألة أمن قومي سنتخذ الخطوات الضرورية تجاهه»، بالإضافة إلى الموقف الرسمي لبغداد الذي يلمح إلى إمكانية التنسيق مع عدد من الدول الأخرى لفرض حصار على كردستان العراق، ذلك في ظل الموقف الدولي الرسمي الذي جرى التعبير عنه بإجماع الأعضاء الـ15 لمجلس الأمن الدولي على رفض إجراء الاستفتاء...

معلومات إضافية

العدد رقم:
829