الافتتاحية: كيف تخرج البلاد من الأزمة الاقتصادية الراهنة؟

تدهور الوضع الاقتصادي مؤخراً إن كان ارتفاعا جنونيا بالأسعار أو انهياراً في سعر صرف الليرة السورية، هو دليل جدي على استمرار الأزمة الوطنية العميقة الشاملة في البلاد. والإجراءات التي تتخذ في هذا المجال حتى هذه اللحظة هي إجراءات لا ترتقي إلى مستوى معالجة المشكلة الحقيقية، وهي لا تعدو كونها إجراءات جزئية، مؤقتة، وسطحية.

إن الأسباب العميقة للوضع الاقتصادي الحالي تكمن في السياسات الاقتصادية – الاجتماعية، المتبعة منذ عقد من الزمن والتي كانت تعتمد المنطق الليبرالي والتي سارت متسارعة في السنوات الأخيرة، وهي إن كانت الأساس الموضوعي لانفجار الأزمة في 15 آذار الماضي إلا أنها مازالت مستمرة بقوة العطالة من حيث منطق معالجة الأمور والأساليب المتبعة... وإن أثبتت هذه السياسات فشلها المدويّ، وإفلاسها التام إلا أنّ البديل المطلوب لم يحل محلها.

إذاً الأسباب الاقتصادية – الاجتماعية كانت سببا أساسيا في انفجار الأزمة السياسية، ولكن الأخيرة بدورها وبسبب عدم الدخول في طور حلها الشامل قد أدخلتنا في طور جديد، أخطر وأعمق من الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية التي تضرب بقسوة مستوى معيشة الشعب وترهقه وتزيد من ارتفاع حدة التوتر الاجتماعي جراء ارتفاع مستوى القلق الجدي اتجاه المستقبل المنظور.

إن كسر هذه الحلقة المفرغة لا يمكن بحلول أحادية، تسكينية، مؤقتة... بل إنّ كسرها يتم بحلول شاملة تسير متوازية في المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتؤثر بالعمق في كل المستويات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية ومرسومة بشكل تفاعلي يؤثر فيه كل مسار على المسارات الأخرى فالأزمة الاقتصادية لا يمكن حلها دون إجراءين أساسيين على مستواها:

الأول: حماية الليرة السورية داخليا وخارجيا عبر دور تدخلي فعال للدولة ومصرفها المركزي الذي لعبت إجراءاته غير المدروسة والمتخبطة دورا سلبيا في تدهور الوضع، مما يتطلب بشكل مستعجل تخفيف ارتباطها بالدول المقاطعة اقتصاديا لسورية، وتعزير ارتباطها باتفاقات ثنائية (مستعجلة) مع الدول التي تحافظ على علاقات اقتصادية جيدة مع سورية.

الثاني: بما أن التضخم المتسارع وارتفاعات الأسعار غير المضبوطة هي عمليا إعادة توزيع الدخل الوطني لمصلحة الأرباح على حساب الأجور وخاصة الأرباح المتأتية من الفساد الكبير المستفيد من أزمة البلاد، وهو كما يقال ضريبة يدفعها الفقراء للأغنياء، وبما أن هذه العملية تعني ضمنا زيادة الأغنياء غنى والفقراء فقرا، فالحل الوحيد الضروري والمطلوب هو ضرب مراكز الفساد الكبير وتحويل موارده فوراً إلى الاقتصاد الوطني بشقيه الإنتاج المتمثل بتغذية قطاعي الزراعة والصناعة وخاصة بمستوياتها الصغيرة والمتوسطة، وشقه الثاني المتمثل بالأجور التي أصبح من  المطلوب تعويضها فوراً عن الخسائر الضخمة التي لحقت بها جرّاء ارتفاعات الأسعار الأخيرة...

قد يقول البعض إن الوضع الحالي لا يتحمل إجراءات جذرية من هذا النوع ولكن إجراءات كهذه فقط هي التي سيكون لها تأثيرات اجتماعية وسياسية ضخمة ستؤثر على مسار الأزمة السورية بشكل فعّال...

إن إجراءات الحكومة الحالية حتى الآن ما تزال تسير بمنطق الحكومة السابقة وإن كانت أكثر تردداً وتأخراً وتخبطاً من سابقتها.

إن القطع النهائي والكامل مع السياسات السابقة هو المخرج من الأزمة الاقتصادية وهو الذي سيسمح بكسب قطاعات واسعة من الشعب لمصلحة الحل السياسي الشامل للأزمة الوطنية العميقة التي تمر بها البلاد ...

إن مسارات الأزمة السورية متداخلة ولا يمكن فصلها عن بعضها البعض بشكل تعسفي... لذلك فإن استمرار الأزمة الاقتصادية وتعمقها وهي مرشحة لذلك إن لم نتداركها ستؤدي إلى مزيد من الاحتقان الاجتماعي مع توسع رقعته، وإلى مزيد من تعقد الوضع السياسي مع ازدياد حدته...

 

إن الحوار الجدي حول مختلف جوانب الأزمة الوطنية العميقة الشاملة هو أمر مطلوب بل مستعجل أكثر من أي لحظة مضت، وكل من سيعرقل هذا الأمر سيتحمل أمام الشعب والتاريخ مسؤولية الدماء السورية التي تزداد إراقتها يوماً بعد يوم...

معلومات إضافية

العدد رقم:
544