الدستور السوري الجديد ...ملاحظات أولية !

مهما كان مضمون دستور ما، فإن العبرة الأساسية تكمن في طريقة تنفيذه على الارض، ومسألة التنفيذ ترتبط قبل كل شيء بتوازن القوى في المجتمع المعني  والحراك السياسي فيه

وطالما أن الدستور الجديد أقر التعددية السياسية وتجاوز مسألة حكم الحزب الواحد فإنه من حيث المبدأ وبالمعنى التاريخي تقدم نحو الامام ويعتبر الخطوة الاولى نحو تشكيل فضاء سياسي جديد وبالتالي عودة السياسة إلى المجتمع بشكله المقونن، بعد أن أعادتها الحركة الاحتجاجية بطريقتها، ومن هنا فإن الحقيقة الأولى التي يجب أن تقال عند الحديث عن الدستور السوري الجديد هي إنه أحد إنجازات الحركة الشعبية، وأنه يعبر بشكل ما عن توازن القوى الحالي في المجتمع السوري. وبغض النظر عن ظروف صدوره المؤلمة والقاسية حيث تفشي العنف والعنف المضاد ونزيف الدم واستمرار الاعتقالات والنزوح في العديد من مناطق البلاد فإن الدستور ومن خلال إقراره بالتعددية من الممكن أن يكون أحد العوامل المساعدة للخروج الآمن من الأزمة، إذا خلصت النوايا، واذا تم التعاطي معه من وجهة نظر المصالح الوطنية العليا للبلاد، وعندما نقول المصالح الوطنية العليا فهذا يعني أن هناك ما هو أهم من الصراع على السلطة ومناكفات النظام والمعارضة، التي بات يتحكم بها منطق الفعل ورد الفعل أكثر مما يتحكم بها شيء آخر.

إن احدى ابرز تعقيدات الوضع السوري في الفترة الماضية كان وجود قوى يمكن ان نسميها بـ «قوى ما فوق الدولة»، قوى تستطيع تجاوز أي قانون أو مرسوم أو عرف اجتماعي حتى، وهي قوى الفساد الكبير, ولذلك فإن الخطر الأكبر على الدستور ليس في بعض نصوصه القاصرة فقط، بل في استمرار وجود تلك القوى، ومن هنا فإن أي دستور جديد دون استئصال مراكز الفساد ودون لجمها سيبقى حبراً على ورق حسب رأي أغلبية الناس، وهذا ما سيؤثر بالتأكيد على نسب المشاركين في الاستفتاء عليه، أي أن إصدار الدستور كان يجب أن يكون ضمن حزمة إصلاحات جذرية وشاملة، وأولها إقصاء الفاسدين حتى يستطيع أن يؤسس للتغيير الوطني الديمقراطي الحقيقي، قولا وفعلاً.

كما أن المادة الثالثة، وتحديد دين رئيس الجمهورية بالاسلام تعتبر من الكبائر كما نعتقد باعتباره يطعن مبدأ المواطنة في الصميم، ويؤسس لشرخ سنجد تأثيراته لاحقاً
إن التعامل مع الشعب على أساس الأغلبية والأكثرية الدينية دستورياً أمر غير مقبول دائماً وخصوصاً في ظرف كالظرف السوري، وفي مرحلة تاريخية كالمرحلة التي نعيشها، ويؤسس لخلق بلبلة كان الوطن بغنى عنها بمسلميه ومسيحييه فالانتماء الديني لم يكن يوماً شرطاً حقيقياً للتعبير عن هذا وذاك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
541
آخر تعديل على الإثنين, 19 كانون1/ديسمبر 2016 03:22