«قاسيون» تلتقي الباحثة والأديبة د. ناديا خوست بيت خالد بكداش ملك للذاكرة العامة لا يدخل ضمن مفهوم الخصخصة!

ارتبط اسم د. ناديا خوست بالدفاع عن دمشق القديمة بما تحمله من تراث وذاكرة وطنية ناصعة.. لم يكن بحثها ودفاعها عن بيت الشهيد يوسف العظمة وتحويله إلى متحف أخر أعمالها... وما تبقى من سوق ساروجة يشهد لها بمواجهاتها لأطماع تجار البناء ووقوفها أمام البلدوزرات بكل صلابة في الدفاع عن مدينتها.. أقدم عاصمة معمورة على الأرض...

وفي لقاء مع «قاسيون» كان الحوار التالي:

 * تصادف في شهر تموز الماضي ذكرى رحيل يوسف العظمة وخالد بكداش.. القامتين الشامختين في تاريخ شعبنا المعاصر.. ومن المعروف دورك المتميز في الحفاظ على بيت يوسف العظمة الذي عاش به وانطلق منه إلى ميسلون.. وصولاً لتحويله إلى متحف..

كيف تنظرين إلى بيت خالد بكداش.. وماذا يمثل في التراث الوطني السوري؟

بيت خالد بكداش.. بيت للوطن

** لا أعتبر بيت خالد بكداش يخص حزباً من الأحزاب لأن هذا البيت زاره والتقى فيه العديد من الشخصيات الوطنية العربية والعالمية.. وأراه جزءاً من التاريخ السوري الذي يجب حمايته.. كما يجب أن نعمل على تثبيت الذاكرة الوطنية على نطاق سورية بأكملها.

ومن الطبيعي في هذا الإطار أن يكون بيت خالد بكداش من البيوت المحمية.. وأقترح أن يوضع على بابه الخارجي أسماء الشخصيات الهامة التي زارته وتاريخ الزيارة.. وهذا الاقتراح يشمل كذلك بيوت الشخصيات الوطنية السورية الأخرى، مثل بيت خالد العظم وأكرم الحوراني وعفيف البزرة والقاوقجي... هذه الشخصيات التي لعبت دوراً في تاريخ سورية من الضروري حماية مساراتها.. فالمسارات موجودة في أمكنة مجسدة وليس في الهواء..

 * هل تتذكرين المرة الأولى التي دخلت بها إلى بيت خالد بكداش؟.

** كان ذلك في خلال فترة مقاومة الأحلاف العسكرية مثل حلف بغداد وغيره... حيث كانت العديد من التظاهرات تنتهي عند البيت ويدخل بعض المتظاهرين إليه..

* كيف يمكن تأمين الحماية للبيت وتحويله إلى متحف؟!

لوحة الحماية

** عند رحيل خالد بكداش شاركت في تشييعه جميع الشخصيات الوطنية السورية الرسمية والشعبية.. وعملياً فقد حملت التعزية الدولة والبلد ولم يحملها حزب محدد أو عائلته. وهذه أيضاً ذاكرة تاريخية..

تتم الحماية برفع طلب إلى محافظة دمشق باسم هيئة محددة.. ومن الضروري وضع لوحة الحماية على البيت بعد معرفة المخطط التنظيمي للمنطقة.. ومالكو البيت لهم الحرية في تنظيمه وتحويله لأبنية طابقية، لكن هيئة الحماية لها الحق في الحفاظ عليه..

ويمكن أن تساهم المحافظة في وضع حجر الحماية ويكتب عليه هنا عاش فلان من سنة كذا حتى سنة كذا.. وفي هذا البيت اجتمع أو مر أو التقى الأشخاص السياسيون والفنانون والكتاب التالية أسماءهم.. ومن المعروف أن شخصيات هامة، ليس على الصعيد السياسي فقط، قد أموا هذا البيت مثل يوسف إدريس من مصر ورضوان الشهال وعمر الفاخوري من لبنان... والجواهري من العراق.. إضافة إلى العديد من الشخصيات السياسية والوطنية مثل أكرم الحوراني وخالد العظم وعفيف البزرة.. وحتى عبد الحميد السراج..

والشيء الجيد أن البيت ما زال محافظاً على ملامحه الرئيسية بما فيه الأشجار وطرازه المعماري.. وهذا البيت ملك للذاكرة العامة ولا يدخل ضمن مفهوم الخصخصة وتحويله إلى أبنية طابقية..

* من المعروف أن المؤتمر السادس للحزب قرر تحويل البيت إلى ملكية للحزب وقرر شراء حصة المالكين الآخرين غير الرفيق خالد والتي هي تسعة من أصل 14 سهم وتم شراؤها.. ومن المعروف أيضاً أن خالد بكداش تبرع بحصته وهي 5 من أصل 14 أمام مئات المندوبين في المؤتمر السادس.. وهذا ما أُكد عليه في المؤتمر السابع والثامن.

اليوم يريد بعض المالكين مراجعة تبرع الرفيق خالد في حصته وكأنه لم يكن.. كيف يمكن أن تسير عملية الحماية في ظل هذا الوضع؟.

الحماية.. والمصلحة العامة

** يمكن رفع مستوى الحماية إلى مستوى الحاجة الوطنية.. عند ذلك يلغى الحق الشخصي في البيت ويعلو عليه الحق العام... وهذا ما حدث في بيت يوسف العظمة مثلاً، فالمصلحة العامة فرضت حماية البيت.

تعلو المصلحة العامة وحماية الذاكرة الوطنية على حقوق الإرث وحقوق الملكية الخاصة.. وهذا قانون عام عالمي ووطني ومحلي..

* كيف تنظر الجهات المعنية لمفهوم الحماية فيما يتعلق بدمشق القديمة؟

مخطط إيكو شار.. والذاكرة الوطنية

** مخطط إيكو شار لم يبق في دمشق الكثير من معالم الذاكرة التاريخية والوطنية.. هناك أحياء دمرت نهائياً ودمرت معها معالم الأمكنة التي تحفظ الذاكرة الوطنية والتاريخية سواء كانت أمكنة أحداث أو أمكنة أعلام وشخصيات.. ولذلك يجب حماية ما بقي من الذاكرة الوطنية.. وعلى سبيل المثال يجب حماية بيت القاوقجي والمسارات التي مر بها، ويجب وضع لوحة مكان النادي العربي القديم لأنه شهد أحداثاً هامة، ويجب وضع حجر في المكان الذي هدمت فيه دار البلدية الذي أعلن منه استقلال سورية... وكذلك بيت خالد العظم وبيوت جميع الشخصيات التي لعبت دوراً تاريخياً في حياة سورية مهما كان توجهها.. وحتى بيت أديب الشيشكلي يجب وضع لوحة عليه.. وهذا أسلوب معتمد في كل بلدان العالم.. شاهدت في ألمانيا الشرقية سابقاً في قرية نائية بعيدة لوحة مكتوب عليها: هنا نزل نابليون.. حادثة عابرة ومع ذلك تم تسجيلها فهي ذاكرة تاريخية.. أما الموقف السياسي من هذه الشخصية أو تلك فهو أمر أخر..

* كيف جرت عمليات الترميم للمعالم الأثرية الهامة في دمشق؟

ترميم مشوه!

 

** الترميم له أصوله وخبراؤه.. فلنعترف أن ليس لدينا خبراء ترميم وأكبر كارثة الطريقة التي رمم بها الجامع الأموي.. حيث أضيفت عناصر ليست من بنية الأموي.. ولا مكان للتساهل أو التستر على ذلك.. ويجب أن نقول أن هذا المعلم التاريخي المهم هو أقدم أثر إسلامي، شوه.. ولم يكن ترميمه كما يجب أن يكون الترميم.. واعترضت حينها اليونسكو وكان معها حق في اعتراضها.. فالترميم له أصول تتناول كل أثر بما يناسبه، وهذا غائب عندنا حيث يجب احترام الأثر بروحه وشكله ومادته ومظهره الخارجي وبنيته الداخلية دون أي تدخل في تغيير أي شيء فيه...

معلومات إضافية

العدد رقم:
156