مؤتمر بيروت: دون مستوى التوقعات

محطتان هامتان في مسار حركة المنظمات الشعبية المناهضة للعولمة كانت في بيروت في أوائل الشهر الحالي...
والسؤال: لماذا محطتان لهما نفس الهدف وفي الفترة نفسها وفي المدينة ذاتها؟ فالجواب هو أن الكل يريد أن يكون زعيماً فإن لم يستطع يسحب البساط من تحت «الآخر»، فما كان له إلا أن مد البساط الخاص فيه وهكذا كان ما جرى في بيروت..

بداية القصة..
بدأت القصة في الغرب ومن مبادرة للمنظمات الشعبية المناهضة للعولمة، حيث اقترح على بعض منظمات شعبية في لبنان أن تستلم زمام الأمور وتجمع الشمل وتحشد القوى العالمية المناهضة للعولمة والعربية منها بشكل خاص وبعد 11 أيلول سحبت الكثير من المنظمات الغربية يدها من الموضوع والأهم من ذلك هو ما حدث في الداخل فبدلاً من لم الشمل كان هناك تشتيت للقوى اتخذ في النهاية شكل مؤتمرين حضرتهما «قاسيون» وخرجت بالانطباعات التالية:

تجمع أهلي مناهض للعولمة
بالنسبة للمؤتمر الأول وهو بعنوان «الملتقى العربي الأول المناهض للعولمة» والذي اتخذ عنواناً لجلساته هو «تحديات العولمة بعد 11 أيلول» فقد نظمه أربعون جمعية وناد وهيئة لبنانية وفلسطينية عاملة في لبنان عقدت سلسلة اجتماعات ولقاءات اتفق فيها على تأسيس تجمع أهلي مناهض للعولمة انطلق من مبادئ أبرزها إن قمة الدوحة مناسبة لتحديد تجليات العولمة في البلدان العربية وموقعها في منظومة العولمة وسبل مواجهتها ووجوب تأمين حضور عربي فاعل في تيار الحركة العالمية المناهضة للعولمة. وهكذا بدأ التجمع نشاطاته العملية من خلال المؤتمر المذكور الذي توزع على محاضرات وورش عمل. المحاضرات ركزت على مفهوم العولمة وما جرى من تغير في العالم بعد أحداث 11 أيلول حيث بدأت حينها عسكرة العولمة (كما وصفها كثيرون) ولكن الاستفاضة في هذا الموضوع مع تحويل البعض القصة إلى عزاء لأهل الضحايا دفعت بالكثيرين إلى الاحتجاج كأحد الحضور الذي قال: لماذا نخاف إدانة الطغاة على المستوى العالمي، وبشكل عام فيمكن أن نقول عن لغة المحاضرات بأنها كانت تخصصية بعيدة عن التبسيط العلمي الأولي.

ورشات العمل.. وعدم توافق!!
أما عن ورشات العمل فقد دارت فيها أحاديث عامة عرضت المشكلة بشكلها الهلامي دون اتخاذ مواقف صارمة أو توصيات محددة، الأمر الذي إن حدث، فهو لم ينعكس في البيان الختامي الأخير الذي لم يصدر حتى الساعة وبالتالي فهو قد فقد قيمته زمنياً، وإن عدم صدوره هو انعكاس لحالة عدم التوافق (إن لم نقل التعارض) بين المشاركين حول عدة نقاط حملتها مسودة البيان الختامي أهمها:

* لم يتم التمييز بين العولمة والعالمية فإذا كان الحديث عن العولمة من منطلق رفض الجزء السلبي منها فهذا أوحى بوجود جزء إيجابي، وهذا غير صحيح.
* اعتبارهم العولمة حالة من النيوكولونيالة، فاعترض البعض على ذلك ووصف حالة السيطرة الإمبريالية على العالم بأنها تتخذ شكلين: كولونيالي ونيوكولونيالي في الوقت ذاته.
* جاء في مسودة البيان بأننا ندين الحرب على أفغانستان دون وجود أدلة قطعية وكأننا نوافق في حال وجودها!
* تم التلويح بشبه اعتذار لأمريكا وتأسف على ما حدث لها مما حدا بأحد الحضور بطلب البدء في الاعتذار من هيروشيما لأنه برأيه إن كنا سنتأسف على جرائم الرأسمالية بحق شعوب العالم فيجب أن نبدأ من هيروشيما ونمر بأحداث 11 أيلول ثم لا ننتهي أبدأً..
* طالب البيان بتطبيق مبدأ الأرض مقابل السلام، لكن المشاركين وقفوا جبهة واحدة بصفتهم جزءاً من الشعوب المناضلة ليقولوا: نحن لسنا في الأمم المتحدة والأرض تأتي مقابل النضال والدم وهذا ما يجري الآن في فلسطين، لذلك دعونا لأن لا نهين نضال أبطال الانتفاضة بطلبنا هذا.

وبذلك فإن التجمع الأهلي المناهض للعولمة لم يستطع تعبئة القوى ـ خاصة العربية ـ ضد العولمة ولم يترجم إلى فعل على أرض الواقع وأساءت إليه الخلافات الداخلية وبعض الآراء الليبرالية مما جعله يبتعد عن روح وأهداف الوثيقة التمهيدية التي أعلنت عنه.

(حول..).. لا حول ولا قوة!!..
وكان المؤتمر الثاني تحت شعار: «عالمنا ليس للبيع» والمعنون باسم «الملتقى العالمي حول منظمة التجارة العالمية» فإنه ومنذ اختياره لهذا العنوان (حول..) فإنه قد حكم على توجهه مسبقاً وبالفعل لم يكن الواقع والممارسة في المؤتمر أكثر جرأة وصراحة تجاه مخططات الرأسمالية العالمية ومنها منظمة التجارة العالمية بل إنه حتى لم يتخذ موقفاً صارماً تجاه مفهوم العولمة وحتى أن بعض المفكرين الاقتصاديين المعروفين مثل سمير أمين قد استبدل بمقولته عن فك الارتباط مقولة الاندماج الفعال، ودارت المحاضرات في هذا المؤتمر حول منظمة التجارة العالمية حيث نوقشت اتفاقات معينة أو أجزاء من اتفاقات ووضعت عليها الملاحظات مع عدم إعلان الرفض للمشروع بأكمله ومما أعطى هذا المؤتمر وزناً أكبر هو مشاركة أسماء كبيرة ومهمة به، ولكن كل المحاضرين اعتمدوا مبدأ التلقين في محاضراتهم وساعدهم على ذلك قرار إلغاء المداخلات والمناقشات في المحاضرات وتأجيل ذلك إلى ورشات العمل تحت حجة ضيق الوقت التي استعملت نفسها للحد من النقاشات في ورشات العمل التي لم تستطع أن تخرج كلمتها بنقاط أساسية ـ كما يفترض ـ لكي تضاف إلى البيان الختامي مما خفض عدد الحضور في اليوم التالي.

تساؤلات حول البيان الختامي
وبالنسبة للبيان الختامي فقد عُدل مرتين قبل مناقشته بشكل نهائي وذلك بناء على ملاحظات قارئيه من المشاركين، ولكن وبعد إقرار صيغته الجاهزة للمناقشة أثيرت حوله النقاط التالية:

* وصف الاحتلال الصهيوني بكونه الاحتلال الأجنبي الوحيد المتبقي من عصر الاحتلال والاستعمار التقليدي وقد تم الاعتراض على عدة تعابير مستخدمة في الجملة السابقة تم حلها لاحقاً بأن وضعوا «الاحتلال الإسرائيلي» بدل هذه الجملة وبذلك زادوا الطين بلة.
* لم يذكر أي شيء عن العولمة وعن ارتباط منظمة التجارة بها وبذلك تكرس الموقف الإصلاحي لهذا المؤتمر.
* التوجه في الحديث ضد نقطة محددة وليس نظاماً متكاملاً مما حدا ببعض الحضور بالتعليق على أننا لن نقف يوماً في صف واحد مع برجوازياتنا المحلية ضد الرأسمالية العالمية لأنهما مندمجتان ببعضهما إلى حد يستحيل فيه فصل إحداهما عن الآخر.
* تم الاعتراض على جمل من قبيل «مراجعة الاتفاقات السابقة في ضوء التجربة الممارسة» و «إعادة النظر في اتفاقية حقوق الملكية الفكرية» و «إعادة النظر في الاتفاقية الزراعية» وتحول ذلك بعد التعديل إلى إلغاء الاتفاقات... وإخراج الزراعة.. ومنع الإغراق الذي تمارسه الشركات الغذائية العملاقة على زراعة البلدان النامية ورفض آليات العمل الداخلية للمنظمة وخاصة آليات اتخاذ القرار وحل النزاعات. ومع الإشارة إلى أهمية التعديل الذي جرى على البيان الختامي إلا أنه لم يحمل الطابع الراديكالي وما زال يعترف ضمناً بآليات العولمة والمنظمات الداعمة لها وربما يكون عدم وصول المؤتمر إلى مستوى التوقعات أو بالأحرى الضرورات هو ربط ذلك مع مسألة التحويل التي تدور حولها شكوك فمنها ما يعيدها إلى «Foundation» ومنها ما يربطها مع(US. Foundation) وفي كل الأحوال فذلك يوضح الصورة التي سار بها المؤتمر.

امتصاص الشحنة..
وفي النهاية فإن كلا المؤتمرين لم يستطع أن يكون جبهة حقيقية فاعلة ضد العولمة وكل ما قام به هو امتصاص الشحنة الموجودة عند الذين جاؤوا إليه بصفته وزناً معاكساً لمؤتمر الدوحة، وبدل أن تكون بيروت سياتل جديدة، تحولت إلى منفى حقيقي للمنظمات المعادية للعولمة لم تستطع من خلاله التعبير عن نفسها أو عن إرادة الشعوب المغيبة. > >

معلومات إضافية

العدد رقم:
163