الافتتاحية أوباما.. وبؤس الرهانات الخاطئة

فقط أولئك الذين ترتعد فرائصهم من خيار المقاومة وتداعياته على مستقبل عروشهم، هم من يطبّل ويسخّر كل أجهزة إعلامه لوصف الزيارة الخادعة والخطيرة لسيد البيت الأبيض إلى السعودية ومصر بأنها (زيارة تاريخية)، ويتوهمون بأنها ستعطيهم المدد وإمكانية البقاء في حكم شعوبهم بالحديد والنار، ولو من باب القبول بدور التابع المهان والشريك المباشر وغير المباشر في جرائم التحالف الصهيوني – الامبريالي ضد شعب فلسطين وشعوب المنطقة قاطبةً من شرق المتوسط حتى قزوين..

بدايةً، يجب التأكيد أن الهدف الأكبر لزيارة باراك أوباما، وما سبقها من زيارات للرؤساء والمسؤولين الأمريكيين، ليس إيجاد حل عادل للصراع العربي- الصهيوني، بل لطلب المساعدة لتلافي تداعيات انفجار الأزمة الاقتصادية، وإيجاد السبل الكفيلة بتحقيق وإنجاز أكبر هدفين استراتيجيين لكل الإدارات الأمريكية المتلاحقة، وهما: السيطرة المباشرة على مصادر الطاقة، وترسيخ أمن الكيان الصهيوني.
ومن هنا اختار الرئيس أوباما الدخول من باب العاصمة السعودية الرياض، ومقابلة «خادم الحرمين الشريفين» والاستماع إلى «نصائحه» حول كيفية الوصول إلى الهدفين آنفي الذكر بمساعدة المملكة النفطية الأكبر، وكذلك من باب كسر حاجز تطبيعها العلني مع الكيان الصهيوني. وقد رأت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية أن هناك جانباً جدّ إيجابي في زيارة أوباما للسعودية «لأنه سيطلب حتماً من الملك عبد الله القيام بمبادرة طيبة تجاه إسرائيل، مثل فتح مكتب مصالح سعودي في تل أبيب، ومنح تأشيرات دخول لسياح إسرائيليين، والسماح لطائرات العال الإسرائيلية بالعبور في المجال الجوي السعودي».
وكان قد سبق زيارة الرئيس أوباما للمنطقة ترويج لما سمي بـ«مشروع أوباما للسلام» في الشرق الأوسط، الذي جوهره «ضرورة اعتراف 57 دولة إسلامية» بالكيان الصهيوني لتشجيعه على الخوض في عملية السلام. وقد تلقف الإعلام العربي التابع لدول الاعتلال العربي هذه «المقولة»، فعدّها تطويراً ومكملاً «للمبادرة العربية للسلام».
أما اختيار مصر لتكون المحطة الثانية في زيارة أوباما للمنطقة، حيث سيلقي خطاباً في جامعة القاهرة، أقدم وأعرق الجامعات العربية ليس مصادفة، ولا من باب استمالة النظام المصري، أو خوفاً منه، بل من باب الإملاء ومتابعة الدور الذي يلعبه هذا النظام في خدمة المشروع الامبريالي الأمريكي في المنطقة، وإلا سيكون البديل جاهزاً.
وقد صرح د. عصام العريان الشخصية القيادية الأهم في تنظيم الإخوان المسلمين، عشية وصول أوباما للسعودية، أنه «في حال وصولنا للحكم في مصر، سنضمن حماية المصالح الأمريكية في المنطقة...»!! وعلى كل العقلاء أن يأخذوا هذا التصريح على محمل الجد، وكمعبِّر عام عن مجمل مواقف الإخوان المسلمين في المنطقة.
وإذا كانت أجهزة إعلام النظامين المصري والسعودي قد هللت لمقولة «الاختلاف والخلاف» الأمريكي مع الكيان الصهيوني بشأن الاستيطان، فإن تلك الأجهزة تتجاهل عن عمد الشق الثاني لتصريح أوباما الذي شدد فيه على «استمرار الدعم الحازم الذي تقدمه الولايات المتحدة حفاظاً على أمن إسرائيل»!!
نذكر جميع الواهمين والمراهنين على أي تغيير في «موقف أوباما» إزاء الصراع العربي – الصهيوني، بأنه قبل أيام من زيارته للمنطقة، كان الإرهابي نتنياهو يعلن من حديقة البيت الأبيض عن رفضه تجميد الاستيطان أو إزالة المستوطنات من الضفة الغربية، مثلما رفض بالمطلق حق العودة، أو حتى مناقشة موضوع القدس.
وفي تصريحاته اللاحقة، طرح نتنياهو فكرة يجب التنبه لخطورتها: «إنه في حال قيام دولة فلسطينية على جزء من أراض فلسطينية، فالدولة الثانية ستكون يهودية خالصة». وهذا لايعني ضرب حق العودة نهائياً فقط، بل وضع نحو مليون ونصف المليون من فلسطينيي (الـ48) على جدول الترحيل والتهجير بحجة قيام «دولة فلسطينية بالشروط الأمريكية والصهيونية».

ومن هنا، فإن كل ما جاء على لسان أوباما حول ضرورة تجميد الاستيطان ليس إلا غطاءً ومقايضةً على مشروع إسرائيلي-أمريكي هدفه شرعنة الاحتلال وضرب الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني جملةً وتفصيلاً، من بوابة الاستمرار فيما يسمى بعملية السلام، وبالتوازي مع تركيز جهود التحالف الإمبريالي-الصهيوني -الرجعي العربي على ضرب وإخماد المقاومات العربية، وعزل أو ضرب أية دولة تؤيدها في المنطقة مثل سورية وإيران.
وهذا ما يتطلب الحذر الشديد من زيارة أوباما ونتائجها الخطيرة، والتي ستظهر قريباً بعد نتائج الانتخابات اللبنانية والإيرانية. ويجب ألا ينسى أحد أن المشروع الأمريكي إزاء المنطقة مازال قائماً، ومحاولات تقديم أوباما بأنه ليس صقراً، لا تعدو كونها خدعة كبيرة يفضحها استمرار الحروب في العراق وأفغانستان وباكستان، والتوتر الشديد في شبه الجزيرة الكورية، والمناورات الأطلسية في جورجيا، واستمرار العقوبات على سورية وإيران، والمناورات العسكرية الإسرائيلية الشاملة التي جوهرها الاستعداد للحرب والعدوان واستعادة زمام المبادرة استراتيجياً في المنطقة.
وإذا كانت دول الاعتلال العربي وبعض النخب المرتدة تسير على النهج القائل إن «المرور إلى واشنطن لابد أن يبدأ بتل أبيب»، فإن نهج الشعوب يسير على النقيض من ذلك، كما أن وقائع الانعطاف العالمي والإقليمي تؤكد أن واشنطن وتل أبيب هما رأس حربة العدوان والإرهاب على الساحة الدولية، ولابد من مواجهتهما بالإرادة السياسية وخيار المقاومة الشاملة، وأن أية مهادنة أو مساومة معهما، هي تفريط بالسيادة والكرامة الوطنية، وهو ما ترفضه شعوبنا وشعوب الأرض قاطبة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
407