الافتتاحية استنتاجات بين حدثين...

حدثان في الأسبوع المنصرم سيطبعان المنطقة بطابعهما لفترة طويلة من الزمن.. الانتخابات النيابية اللبنانية التي جرت يوم الأحد في 7/6، والانتخابات الرئاسية الإيرانية التي جرت مع صدور هذا العدد من قاسيون في 12/6..
فنتائج الانتخابات اللبنانية لها دلالات عميقة، أما مجرى التحضير للانتخابات الإيرانية فيحمل بحد ذاته دلالات ذات أهمية قصوى..

إن التحليل الأولي لنتائج الانتخابات اللبنانية يفضي إلى الاستنتاجات الأساسية التالية:
إن النظام السياسي الطائفي اللبناني، وبمختلف أشكال الانتخابات الناتجة عنه، لا يمكن إلا أن يكون حامياً للأحزاب الطائفية.. ومختلف أشكال المعارضة له، إذا لم تمس جوهره، لا يمكن أن تنتصر عليه... حتى المعارضة بجزء هام منها والتي تتبرأ من هذا النظام لم تستطع أن تستفيد، وأن تثمّر النهوض الشعبي الوطني العام بعد تموز 2006. مع أنها حسب الأرقام النهائية، حصلت على أكثر من نصف أصوات الناخبين، ولكنها بالمقابل، حصلت على أقل من نصف مقاعد المجلس النيابي، والعكس بالعكس.
إن معارضة هذا النظام السياسي دون برنامج اجتماعي- اقتصادي جذري وواضح المعالم، حتى لو كانت نبرة البرنامج الوطني عالية جداً، لا يمكن أن تحشد القوى الكفيلة بمواجهة هذا النظام المتفسخ.. فماذا يعني أن يشارك أكثر من 50% بقليل من الناخبين اللبنانيين فقط في الانتخابات رغم حدة الصراع وعمق الفرز واتساع التجييش إلى درجة غير مسبوقة؟ يعني أن نصف الناخبين اللبنانيين تقريباً، لا يرون أنفسهم معنيين بهذه الانتخابات، لأن البرامج التي جرى خوض الصراع على أساسها لم تمس مطالبهم الحيوية اليومية.
أن القوى الداعمة لليمين اللبناني، الإقليمية والعالمية، لم يسقط بيدها بعد هزيمتي تموز 2006 وأيار 2008، وهي تسعى لاستعادة المبادرة، ليس فقط لبنانياً، وإنما أيضاً إقليمياً، وهي ستسعى جهدها لتطوير هجومها وتثمير نتائج الانتخابات اللبنانية سياسياً على المستوى الإقليمي..
أما مجرى الحملة الانتخابية الرئاسية الإيرانية، فيلفت الانتباه إلى الأمور التالية:
أن الصراع بين المرشحين الأساسيين كان حاداً جداً، وبرزت القضايا الاقتصادية- الاجتماعية كأحد المحاور الأساسية للحملة.
تحولت الحملة إلى مناسبة لفتح ملفات قديمة وجديدة لها علاقة بالفساد وصرف النفوذ في جهاز الدولة إلى مصالح شخصية، ومست هذه الاتهامات شخصيات بارزة جداً ما زالت تلعب دوراً هاماً في الحياة السياسية الإيرانية..
وترافقت هذه الحملة مع إشارات اتهمت هذه الشخصيات باللين فيما يخص السياسة الإيرانية العامة المتعلقة بالملف النووي وبالعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وإذا جرى ربط بين هذين الملفين؛ ملف الفساد وملف السياسة الخارجية، يتبين أن المتهمين بالفساد هم أنفسهم المتهمون باللين، مما يؤكد المقولة القديمة: إن بوابات عبور العدوان الخارجي هي مراكز الفساد الكبرى، والأمر كذلك في إيران، فهذا يعني أن المعركة الوطنية والاجتماعية- الاقتصادية قد تشابكت تشابكاً لا ينفصم، وأصبح الحل الناجح لإحداهما يتطلب الحل الناجح للأخرى حتماً..
وبغض النظر عن نتائج الانتخابات الإيرانية التي لن تعلن إلاّ بعد صدور هذا العدد، فإن منحى الصراع في هذه الحملة الانتخابية، سيفرض نفسه على كل التطور اللاحق في إيران وعلى مجرى الصراع السياسي الجاري فيها لفترة طويلة من الزمن..
إن كل الأحداث القريبة والبعيدة تؤكد أن مصير القضية الوطنية لا يمكن أن يحل بنجاح إلاّ ببرامج اقتصادية- اجتماعية جذرية، منحازة لمصالح الأكثرية الساحقة من الجماهير الشعبية، ضد قوى الفساد والنهب التي أصبحت عبئاً، ليس على التطور الاقتصادي- الاجتماعي للبلاد فقط، وإنما تشكّل خطراً على القضية الوطنية نفسها..
إن التحديات التي أفرزتها الانتخابات اللبنانية والمناخ الذي خلقته الانتخابات الإيرانية يضع بلادنا أمام استحقاقات يجب التفكير والتمحيص فيها، فالثابت الآن أن الدور الإقليمي لسورية لا يمكن أن يضمنه إلاّ قواها الذاتية، وهذه القوى لا يمكن إلاّ أن يكون حاملها الاقتصادي- الاجتماعي داخلياً.. أي أن النموذج الذي يمكن أن يكون تعبيراً عن هذا الحامل يتطلب نمواً عالياً وعدالةً اجتماعيةً عميقة، وبذلك تتحول سورية إلى مركز للإشعاع المستمر المستدام على المنطقة بكاملها، ولن تؤثر في دورها آنذاك التقلبات المختلفة في المناخ الإقليمي الذي سيتسمر هكذا إلى أن تتكشف كل الآثار العظمى للأزمة الرأسمالية العالمية في الأفق الزمني المتوسط المنظور.. إن تحقيق هذا الأمر يتطلب مراجعةً سريعةً وشاملةً للسياسات الاقتصادية- الاجتماعية المتبعة واستبدالها جذرياً بتلك السياسات التي تؤمن كرامة الوطن والمواطن..

معلومات إضافية

العدد رقم:
408