العامل الخارجي بين رؤيتين

أثارت بعض الأوساط في الفترة الأخيرة نقاشاً حول «موضوعية» و«أهمية» العامل الخارجي في إحداث تغييرات داخلية، موحية بأن هذا قدر لامفر منه، وساقت في هذا المجال حججاً تاريخية كثيرة، وأقل مايقال في هذا الكلام أنه محاولة بائسة لتسويق المشروع الأمريكي السيىء الصيت من خلال خلق الأجواء الضرورية له المساعدة على الإحباط والرضوخ وعدم المقاومة.

والسؤال الذي لابد من الإجابة عليه: هل العامل الخارجي فعلاً قدر لا مرد له؟.

إذا كان العامل الخارجي إيجابياً كالذي حدث بعد الحرب العالمية الثانية من تغيير في ميزان القوى الدولي لصالح الشعوب، مما أدى إلى انهيار النظام الاستعماري القديم، تحت ضربات الشعوب نفسها التي استفادت من العامل الخارجي، فلا بد طبعاً من استخدامه إلى الحد الأقصى بالاتجاه الذي يخدم مصلحتها.

أما إذا كان الوضع بالعكس، كما يحدث الآن، من محاولة فرض القطب الأوحد لسياسته وإملاءاته على شعوب الدنيا قاطبة، فهل المطلوب بحجة الموضوعية واختلال ميزان القوى، الاستسلام للأمر الواقع والتخلي عن المسلمات والمقدسات والثوابت؟.

■ فإذا ماتوضح أن الغزوة الامبريالية الأمريكية الحالية هي نتيجة أزمة مستعصية لديها لامخرج منها.

■ وإذا ماتبين، كما يؤكد الواقع، أن قوى المقاومة في العالم بأجمعه في اتساع كل يوم، بل كل ساعة، أمام هذه الهجمة نفسها، مما يغير ميزان القوى تدريجياً بالاتجاه المطلوب والصحيح.

■ وإذا ماتأكد أن الخيار أمامنا ماهو إلاّ خياران لاثالث لهما: إما المقاومة والانتصار، أو الهزيمة والخضوع لمشيئة البربرية الجديدة.

فهل يبقى أساس لتقديس دور العامل الخارجي والرضوخ لمشيئته؟.

إن الذين يسوّقون للمنطق الاستسلامي «الموضوعي» هم إما أنهم يعيشون في عالم آخر لايرون مايتفاعل وينمو في الشارع، بين الجماهير من روح المقاومة الشاملة بمختلف أشكالها، أو أنهم يتعامون قاصدين لتسهيل تمرير المخططات الاستعمارية الجديدة.

إن المواجهة الناجحة للمخطط الأمريكي ــ الصهيوني تتطلب حتماً إحداث نقلة نوعية في طريقة التعامل مع الجماهير الشعبية الواسعة، الأداة الرئيسية والحاسمة في المواجهة، فبقدر ماتتم الاستجابة والالتفات لمصالحها المباشرة وغير المباشرة، بقدر ماسيكتب لنا النجاح بأقل الخسائر، وبأقل زمن. فأي جهاز دولة دون ذلك، مهما كان قوياً، عاجز عن حل هذه المهمة، بل إنه محكوم بالتراجع والتنازل إذا أصر على إبقائها بعيداً عن ساحة المعركة الأساسية.

لذلك تصبح قضية إطلاق الحريات السياسية والقضاء على النهب والفساد وتلبية المصالح المعاشية للجماهير حلقة أساسية في التصدي لحملات الإحباط والإخضاع والإملاء.

 

وعندها سيتحول هذا العامل ــ عامل تفعيل دور الجماهير ــ إلى عامل خارجي حقيقي، ولكن بالنسبة للدولة الامبريالية الأولى، وهذه المرة لإلحاق الهزيمة بها وبمن يسير في ركبها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
226