بعض الظواهر السلبية التي أدت إلى الأزمة في الحزب الشيوعي السوري  

في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة فيه إلى تنظيم يحافظ على أسس وقواعد وضوابط الديمقراطية الحزبية والعلاقات الرفاقية من المستوى الرفيع الذي استقينا مفاهيمه من التعاليم الماركسية اللينينية عندما قرأنا ألف باء هذا النهج في بواطن الكتب واطلعنا على أسس التنظيم التي كانت سائدة آنذاك في البلدان الاشتراكية، أو على الأقل كما نُقل إلينا، تبرز لنا قضية هيمنة شخص أو مكتب بعينه على مقدرات التنظيم يمليان الأوامر على القواعد الحزبية للتنفيذ الفوري وتكون هذه الإملاءات بمثابة قرارات غير قابلة للنقاش.

لقد بدأت ظاهرة الأمين العام تبرز للواقع العملي منذ تشكل الكومنترن وتمثيل الأحزاب الشيوعية فيه بشخص الأمين العام بهذه اللقاءات الكبيرة لمناقشة القضايا العالمية وقضايا الأحزاب الشيوعية المنضوية تحت لواء هذا الشكل من اللقاءات.

فقد أُعطي الأمين العام آنذاك العديد من الامتيازات منها:

1. كونه مطلعاً أكثر من غيره على مجريات الأحداث العالمية، وبحكم صلاته مع الأمناء العامين للأحزاب الشيوعية العالمية كان رأيه مسموعاً في قيادة حزبه واعتبر المخطط الأول وواضع أسس العلاقات السياسية والتنظيمية في بلده، ولذلك جرى التقليد على التجديد له في المؤتمرات للإفادة من خبرته في كل المجالات.

2. مُنح كل أمين عام اميتازات لقضاء عطلات استجمام في المناطق السياحية في الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأخرى وعلى حساب مالية الأشقاء الكبار في ذلك البلد.

3. منح الأمين العام الحق في إرسال بعثات للدراسة الحزبية أو الأكاديمية أو إرسال أشخاص للتداوي أو ترشيح من يراه مناسباً للسفر للاستجمام في إحدى الدول الاشتراكية وعلى حساب الدولة المضيفة.

داخلياً:

1. الإشراف والسيطرة على مالية الحزب العامة ووضع أسس وضوابط صرفها بالشكل الذي يراه مناسباً.

2. جرت المساومات على تشكيل مكاتب حول الأمانة العامة من الأشخاص المقربين لهذا الأمين العام لوضع أسس السياسة والتنظيم.

3. ظهرت بوادر اتهام لشخصيات حزبية بالتحريفية والانتهازية والنزعات القومية المتطرفة وغيرها من التهم للتخلص منهم بدعوى تطهير الحزب من العناصر الانتهازية ليقوى. وهم في مجمل ما طرحوه ضرورة تطبيق الديمقراطية والنظام الداخلي بشكل صحيح.

4. ظهرت الولاءات للأمين العام من بعض أعضاء المكاتب المشكلة للاحتفاظ بمكاسبهم الشخصية من سفر وإيفاد ورواتب وعلاوات وسيارات ومناصب حصل عليها الحزب من السلطة.

وكنتيجة لذلك كثر الخدم من الرفاق والرفيقات في منزل الأمين العام، وأصبح التسابق لكسب ثقة هذا الأمين العام هدفاً رئيسياً عند الكثير من الرفاق، وأصبحت تقدمية وإخلاص كل رفيق أو رفيقة تقاس بمدى قربهم من الأمين العام أو بعدهم عنه.

وكانت التهم تلصق بكل من يتمرد أو يظهر التأفف من تصرفات الأمين العام والشخصيات المقربة منه.

أذكر أن أحد أمناء اللجان المنطقية وكان عضواً باللجنة المركزية، اتُهم بأنه مشبوه أمنياً وعزل من مركزه، وأصبحت الصلة به فردية، لأنه رفض تلبية طلب الأمين العام بضرورة تأمين خادمة منزلية له من بنات الرفاق الفقراء.

- وبدأ لعاب بعض الشخصيات القريبة من الأمين العام يسيل لتبؤ منصب الأمين العام للتمتع والاستئثار بهذه الامتيازات التي لا حصر لها.

- وتحت شعار الديمقراطية وضرورة تجديد القيادات، بدأت الانقسامات في الحزب منذ أواسط الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي.

لكن أياً من القياديين الجدد الذين استقلوا بفصائلهم لم يكن أحسن تصرفاً ولا أكثر تبنياً للديمقراطية من سابقه أو سابقيه، بل كانوا نسخة طبق الأصل عنهم.

- من هنا نستنتج أننا أمام ظاهرة مؤلمة ومرض مُعْدٍ في حزبنا الشيوعي السوري، نستطيع أن نطلق عليه نقص المناعة المكتسب (الأيدز السياسي).

فبحجة الاستفادة من الثقافة والخبرة والتجربة الغنية، جرى تبني ديمومة واستمرار الأمناء العامين حتى الوفاة. كما جرى الإبقاء على أعضاء قياديين أكثر من خمسين عاماً في مناصبهم دون تغيير، وكأن النساء لم تعد تحمل وتلد، وكأن الفكر الاشتراكي توقف عند هؤلاء، حتى أطلق على البعض منهم (العقل الألكتروني).

ولما أصبحنا اليوم على أبواب يقظة جديدة نرى ضرورة التخلص من تلك الظواهر السلبية التي ورثناها وتكرست في داخل الفصائل الشيوعية المتواجدة على الساحة السورية اليوم، من العهود السابقة، نرى لزاماً علينا:

1. المناداة بالديمقراطية الحزبية من خلال سيادة المؤتمرات والهيئات الحزبية القيادية والقاعدية كي يصل إلى مركز استصدار القرارات من هم أهل لذلك.

2. استبدال منصب الأمين العام بمكتب أمناء اللجنة المركزية يتوزع المهام بالتساوي.

3. عدم جوار استمرار أي مسؤول هيئة لأكثر من دورتين انتخابيتين على الأكثر.

4. انتخاب مكاتب تخصصية تابعة للجنة المركزية.

5. العمل بمبدأ التواصل والتجديد في الهيئات الحزبية من القاعدة حتى القيادة.

6. إجراء التعديلات اللازمة على وثائق الحزب من قبل المؤتمرات كي تتلاءم مع المستجدات.

7. انتخاب مكتب مالي تنحصر به مهمة الإدخال والإخراج يكون خاضعاً للجنة المركزية مباشرة.

8. الاهتمام بالتأليف والترجمة والنشر للاطلاع على الثقافات المختلفة.

9. أن تكون حرية الرأي مصانة شفهياً وكتابياً.

10. احترام رأي الأقلية ووضع ضوابط لتمثيله وتعميمه.

11. محاسبة ومحاكمة كل متجاوز ومسيء للقرارات الصادرة عن المؤتمرات من قبل هيئة مختصة بذلك تشكل من قبل اللجنة المركزية في الوقت الذي تجري فيه المخالفة.

نستخلص مما سبق أن العلة ليست في النصوص والقرارات المتخذة من قبل المؤتمرات لكن العلة كانت دائماً في الأشخاص المشرفين على تنفيذ هذه النصوص والمقررات التي سخروها لخدمتهم وخدمة من يوالونهم وفسروها على أنها تغطي ما يقدمون به من أفعال وأقوال.

 

■ اللاذقية ـ فيصل خير بيك