الافتتاحية ليس كل ما يُلمًّع ... استثمارا!

ترافق الحديث عن أهمية الاستثمارات الخارجية بالنسبة للاقتصاد الوطني مع ارتفاع أسعار العقارات والأراضي التي كانت الضحية الأولى  لهجوم الرساميل الخارجية على البلاد. والأرجح إن حمّى أسعار العقارات والأراضي هي تعبير عن مشكلة مستعصية لدى الرساميل المهاجرة من جهة، وكذلك في أداء الإدارة الاقتصادية في البلاد من جهة أخرى. فالرساميل المهاجرة والآتية إلينا مؤخراً، تتميز بطابعها الريعيّ  أي أنها نتاج تغيرات في الأسعار، وليست نتاجاً لجهد إنتاج حقيقي، لذلك فهي ليس لديها تقاليد ولا خبرة في إدارة التكنولوجيا والإنتاج المادي، وتميل بسبب طبيعتها للتوظيف في المجالات الريعية، لذلك تبقى الأراضي والعقارات والمشاريع المرتبطة بها أفضل مجالاتها.

إن حاجة البلاد لاستثمارات كبيرة وكثيرة، يجب ألا تدفعنا للتنازل أمام نوعيتها وطبيعتها إذا أتت من الخارج، بحيث تفرض علينا اتجاه التطور اللاحق الذي إذا استمر كما رأينا خلال الطفرة الحالية، يمكن أن يزيد اقتصادنا تشوهاً، مع ما يحمله ذلك من خطر تكوين فقاعة نمو، يمكن أن تنفجر، وتعيد الوضع إلى أسوأ مما كان عليه قبل تكونها.

إن الطريق السهل للاستثمارات، والذي يأتي لها بالربح السريع، ليس هو الطريق الأفضل للاقتصاد الوطني لأنه يمكن أن يخلق وزمة تضخمية يدفع ثمنها بالدرجة الأولى ذوو الدخل المحدود، بينما يجني ثمارها أولئك الذين ضاربوا بالأراضي والعقارات، فيزداد الخلل في توزيع الدخل الوطني عبر تعمق الاستقطاب بين الثروة والفقر، مع ما يحمله ذلك من أخطار اقتصادية واجتماعية وسياسية.

لذلك فليس كل استثمار استثماراً حقيقياً، والعقلية الدونية تجاه الاستثمارات الخارجية، يجب أن يحل محلها عقلية مسؤولة تأخذ بعين الاعتبار مصلحة البلاد في ظروف تصاعد الضغوطات الخارجية عليها، فليست مهمتنا حل أزمة فائض الرساميل في الخارج، بل مهمتنا هي الانطلاق باقتصادنا إلى آفاق جديدة تسمح له بنمو متسارع، كي يستطيع حل المشاكل المنتصبة أمام البلاد من فقروبطالة وسكن وصحة وتعليم.. إلخ.

والسؤال المطروح: من يتحمل مسؤولية ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات خلال الأشهر الماضية عدة أضعاف، الأمر الذي سمح للشركات المستثمرة بتحقيق أرباح خيالية بمجرد إعلانها عن مشاريعها، دون أن تدق مسمارا واحدا؟!!.

إن الحكومة بتقديمها الأراضي  للشركات المستثمرة في العقارات بأسعار بخسة، حمّلت المواطنين والدولة أعباء كبيرة وقدمت للشركات أرباحا خيالية.

فهل درست الحكومة جدياً الجدوى الاقتصادية لهذا العدد الكبير من المشاريع الاستثمارية العقارية؟ وهل درست النتائج المترتبة عن هذه الاستثمارات على مجمل  الاقتصاد الوطني؟ وهل درست انعكاس هذه الاستثمارات على الليرة السورية وعلى أسعار السكن وعلى القيمة الشرائية للأجور خلال الفترة المتوسطة اللاحقة؟ أم أن الهرولة اللاهثة وراء الاستثمارات من أينما أتت، وأينما وظفت، قد أعمت بصيرة أولئك  الذين يجب أن يتوقعوا نتائج كل خطوة يقومون بها، وانعكاسها الكلي والجزئي على الاقتصاد والبلاد والعباد؟!.

إن تجربة من سبقنا من بلدان، تجعلنا نؤكد أن ليس كل ما يُلمّع... هو استثمار حقيقي، بل يمكن أن يتحول إلى أداة لهزات لا تحمد عقباها!!.