منبر الحوار الوطني: من أجل قانون أحزاب عصري ونظام انتخابي فعال ومتقدم

تحت عنوان: «من أجل قانون أحزاب عصري»، تتابع «قاسيون» هذا الملف  وننشر المادة التالية للدكتور نايف سلوم:

الباحث يكشف ولا يشترط

تعقيب نقدي على «مقتطفات الكاتب والباحث د. عاطف صابوني»

نشرت جريدة «قاسيون» في عددها 186 الخميس تشرين الثاني 2002 في ص5، صفحة «منبر الحوار الوطني» وتحت عنوان عريض «من أجل قانون أحزاب عصري» مقتطفات مطولة، حسب الجريدة، للكاتب والباحث د.  عاطف صابوني تحت عنوان «الحياة الحزبية في سورية وقانون الأحزاب». وقد وجدت في المقتطفات مناسبة لتعميق الحوار حول مسألة حيوية في الحياة السورية ألا وهي الحياة السياسية والحزبية وآلية إحيائها وتنشيطها من جديد.

مامن شك أن إعادة الاعتبار للحياة السياسية في سورية عبر تشريع يسمح بعمل أحزاب قائمة أو ستقوم خارج «الجبهة الوطنية التقدمية» انطلاقاً من مصلحة المواطن والوطن،ومن مصلحة الصراع التاريخي مع المشروع الصهيوني، سوف يشكل المدخل الحق لمصالحة اجتماعية تتجاوز بالمعنى الديالكتيكي الانفصام السياسي والاجتماعي للحياة السورية اعتباراً من الحقبة العثمانية مروراً بفترة الانتداب الفرنسي (خاصة بين الحربين العالميتين) وحتى يومنا هذا.

المصالحة الاجتماعية لن تكون بالتوضيب الإداري الانتقائي ولاعبر إحداث توازنات شكلية بين فئات السكان سواء أكانت  مدنية أم ريفية، إثنية أم طائفية أقلية أم أكثرية بالمعنيين العروبي والديني.

المدخل الحق نحو مصالحة شاملة وجذرية عميقة ومنصفة ستكون بإعادة الاعتبار للحياة السياسية والحزبية في سورية عبر وضع  تشريع عمل الحزب السياسي، تشريع يأخذ بالحسبان الإنهاك الذي أصاب الحياة السياسية السورية، بحيث يوفر هذا التشريع الشروط المناسبة لنمو الحياة الحزبية. وهنا أشير إلى وجود نوايا حكومية فعلية بما يخص تنشيط هذه الحياة وبناء هذا التشريع، وأعزز حدسي هنا بالاستشهاد بالأستاذ «مهدي دخل الله» رئيس تحرير صحيفة البعث الرسمية حيث يتساءل دخل الله بالقول: «هل مازالت الحزبية لازمة؟» ويجيب الأستاذ دخل الله:«الحركة الحزبية مازالت بالتأكيد لازمة… إن لزوم الحركة الحزبية هو لزوم ما يلزم.. وليس لزوم ما لا يلزم» (حوار ـ ملحق البعث الفكري رقم 3 تاريخ 2/12/2002 ص2) ويضيف الأستاذ مهدي دخل الله:«الأيديولوجيا لم تنته وبالتالي لم ينته دور الأحزاب .. بالتأكيد (خاصة) عندما تستطيع الأحزاب تجديد حيويتها بنية وفكراً ونهجاً، تعيد اعتبارها كعامل من أهم عوامل الحراك الاجتماعي» (حوار ص3). وقد يقول قائل إن كلام الأستاذ دخل الله يدخل ضمن الدفاع الذاتي عن حزبه حزب البعث العربي الاشتراكي ضد الهجمات التي تشيع نهاية الأيديولوجيات وبالتالي نهاية الخطيب السياسي ونهاية الحزب السياسي كاريكاتيرـ«أمير حديث» حسب عبارة الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي. إلا أن الأمر يتجاوز ذلك في اعتقادي بما يخص مساهمة الأستاذ دخل الله بشأن ضرورة الحياة الحزبية وضرورة تجديدها على كافة المستويات.

نريد هنا أن نضرب مثالاً على فاعلية الأحزاب وضرورتها كأدوات فاعلة في الصراع السياسي الاجتماعي والقومي في «عصر» النظام الأمريكي الإمبريالي الجديد، مثال حزب الله اللبناني، وحركتي حماس والجهاد في فسطين.

نريد أن نشير إلى أن تجديد الحياة السياسية الحزبية السورية عبر تفعيل دور الأحزاب القائمة والسماح بتشكيل أحزاب جديدة خارج إطار الجبهة الوطنية التقدمية القائمة يشكل الطريق الذهبية نحو مصالحة اجتماعية حق، ونحو قطع الطريق على التعصب الديني والمذهبي الذي يشكل «حزبية نائمة» ذات نزعة انفجارية وعنيفة كونها محشوة بالعاطفة العمياء غير النقدية.  إن قيام حياة حزبية وسياسية في سورية هو الذي يقطع الطريق على السلفيات التي تريد توجيه الحركة نحو الماضي الغابر جارفة معها كل تحديث قائم.

وهنا أدخل في تعليق نقدي على مقتطقات د. عاطف صابوني الواردة في عدد «قاسيون» المذكور أعلاه. وتعليقي النقدي سوف يتناول بعض «اشتراطات» الباحث والكاتب د. عاطف صابوني. ولا أدري من أي موقع يتحدث د. صابوني كي يشترط، وهل هذا الاشتراط أيديولوجي ـ سياسي أم هو اشتراط يفرضه البحث والعلم التاريخي والاجتماعي؟ وكل ذلك على قول المثل المشهور «لارأي لمن لا يطاع».

الباحث يعطي رأياً ناتج أبحاث قام بها. أما أن يشترط فهذا يعني أن قوة اجتماعية أو سياسية خولته تمثيلها والنطق بلسانها كي تضع شروطها كونها مسيطرة سياسياً في سبيل وضع تشريع للعمل السياسي والحزبي، أي كي تمنح الآخرين ترخيصاً بالعمل.

الأمر الثاني الذي يمكن الحديث عنه في هذا السياق هو مناقشة التفاصيل التي تحدث عنها د.صابوني: اشتراط أي قانون مقترح في ترخيصه لأي حزب.. الاشتراط الذي نأخذ عليه قصوره في رؤية المهمة الحق للحزب السياسي سواء كان في السلطة أم في المعارضة هو علاقة الحزب السياسي بمؤسسات الهيمنة في الدولة الحديثة. بكلام آخر المدى الذي يسمح فيه للأحزاب بالنشاط ضمن مؤسسات الهيمنة في الدولة. فإذا كانت الدولة الحديثة عبارة عن سلطة (البرلمان، القضاء والحكومة) من جهة أولى وأجهزة من الجهة الثانية. وهذه الأخيرة نوعان:

1. أجهزة إكراه كالجيش والبوليس وملحقاتها كالسجون وغيرها.

2. أجهزة هيمنة كالمؤسسات الإعلامية، والتعليمية ـ التربوية، والمؤسسات الاقتصادية. يكون رأينا مخالفاً للرأي (الاشتراط) الذي طرحه د. صابوني والذي مفاده إبعاد نشاط الأحزاب السياسية عن «مؤسسات الهيمنة في الدولة وبشكل خاص الإعلام الوطني… ينطبق هذا المبدأ على المؤسسات التربوية والتعليمية أيضاً.. وهذا الأمر  ينطبق على كل المؤسسات الوطنية بما فيها دور العبادة (والكلام لـ د. صابوني) قاسيون ص11». إذ يشترط د. صابوني أن ينحصر دور الأحزاب المقترح ومدى نشاطها على المؤسسة الاقتصادية، فهو يدعو الأحزاب المقترحة أن تتحول إلى ما يشبه النقابات. وهكذا تنحصر نشاطاتها بالجانب المطلبي اليومي فحسب. لكن ألم تؤد هذه الشروط نفسها من قبل والتي فرضت على أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، الشروط التي تحظر نشاطها في القطاع الطلابي والتعليمي التربوي بشكل عام وفي القطاع الإعلامي إلى شللها السياسي وهامشيتها في الحياة السياسية والاجتماعية. ولو كانت فاعلة الآن لما طرحت الحياة الحاجة إلى تشريع جديد للحياة السياسية الحزبية خارج إطار هذه الجبهة.

أشير إلى المطلب الحق والمنصف هو أن نبني سوية دولة لجميع مواطنيها وليس دولة حزب بعينه. وهذا ما أشار إليه خطاب القسم الرئاسي، وهو الكفيل بإحياء حس المسؤولية لدى جميع أبناء الوطن، والكفيل بتقوية لحمة الوطن ولحمة أبنائه جميعاً في سبيل مواجهة استحقاق النظام الأمريكي الإمبريالي الجديد ومعه الهجوم الإسرائيلي المضاد والذي يجري التحضير له.

حمص 12/12/2002

 

■ د. نايف سلوم