«بقلم هيئة تحرير «قاسيون «بقلم هيئة تحرير «قاسيون

الجبهة والتحالف المتكافئ

خلال أيام سينعقد الاجتماع الدوري الثاني لقيادات فروع الجبهة الوطنية التقدمية، وهو يعقد عشية انتخابات مجلس الشعب لدورته الجديدة، وبعد فترة من العمل وضعت فيها أمام أحزاب الجبهة مهمة تفعيل دورها وزيادة تأثيرها في حياة البلاد السياسية وخاصة في مجال عملها بين الجماهير الشعبية.

ما من شك في أن أي وطني يهمه أن يزداد دور الأحزاب السياسية الوطنية في حياة البلاد السياسية، وبالأحرى أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية. والناظر الموضوعي لابد أن يلاحظ أنه لم يجر الشيء الكثير في هذا المجال ماعدا المحاولات التي يبذلها الحزب الرئيسي فيها من أجل تطوير أدواته عبر تفعيله للديمقراطية الداخلية، ومحاولته تنشيط دوره فعلياً في الحياة السياسية للبلاد. أما باقي الأحزاب فيصح عليها ماقالته جريدة تشرين في 7 تشرين الثاني على لسان أحد الكتاب: «إذا كانت بعض الأحزاب قد أصبحت قاصرة أو مقصّرة في تحريك الجماهير، وسجنت قياداتها نفسها في مكاتب مغلقة أو في صوامع التأمل، فإن ذلك يجب أن لا يمنع الجماهير من التحرك».

وبالفعل لو قارنا الإمكانيات التي وفرت في الفترة الأخيرة لأحزاب الجبهة من صحف ومقرات وسيارات إلخ... بما أنجزته على أرض الواقع لرأينا أن المحصلة بالنسبة لأكثرها ليست لصالحها. فأين هو الخلل؟

إنه يكمن بالدرجة الأولى في استمرار وتعمق حالة التبعثر والتشتت التي تعيشها، والتي هي تعبير في نهاية المطاف عن قصورها في التعبير عن رغبات وحاجات ومصالح الجماهير الشعبية الواسعة، مما يخلق رد فعل مشروع لدى قواعدها، تقوم القيادات بالالتفاف عليه بمختلف أشكال المناورة وصولاً إلى قمعه، مما يفضي إلى تعمق الحالة وليس إلى حلها.

إن كل ذلك يخلق مناخاً غير طبيعي في بعض أحزاب الجبهة، يميزه استمرار الظروف الموضوعية المواتية للعقلية الاتكالية التي تشكل عبئاً على الحزب الرئيسي فيها، ولعقلية الوصاية التي يمكن أن تُبرَر بالظروف غير المتكافئة للتحالف الجبهوي، مما يساهم في استمرار إضعاف عمل أحزاب الجبهة. وللحق يجب أن يقال إن الفترة القليلة  الماضية أظهرت أن العامل الأول يتقدم بسرعة وإصرار أما العامل الثاني فهناك جهود لحصره وتحجيمه.

إن تجاوز هذا الوضع يتطلب جملة من الأمور من أهمها:

■ الاعتراف بأن طيف الحركة السياسية الوطنية هو اليوم أوسع من الطيف الذي تمثله أحزاب الجبهة، مما يتطلب إعادة النظر الجدية بشكل التحالف ومكوناته.

لقد أثبتت الحياة أن شكل الزواج الكاثوليكي بين أحزاب الجبهة هو صيغة متخلفة عن ضرورات الواقع، وإن كان ذلك لا يدعونا للمطالبة بزواج متعة، إنما المطلوب البحث عن صيغة ما جديدة بينهما تضمن استقلالية أحزاب الجبهة واعتمادها على نفسها حتى لا تتحول إلى عبء على غيرها. أما مكونات الجبهة فيجب أن تأخذ بعين الاعتبار الحركة في الحياة السياسية خلال فترات زمنية نسبياً طويلة حيث يجري تراجع أحزاب وحركات وحتى اضمحلالها، وظهور غيرها تثبت نفسها على الساحة فعلياً دون مسرحيات استعراضية.

■ الاعتراف بأن ميثاق الجبهة لم تنفذ فيه بنود أساسية على الأقل بسبب تغير الأوضاع السياسية العالمية والإقليمية مما يتطلب إعادة النظر فيه، على أرضية وطنية صلبة، الأمر الذي سيخلق الأساس لتفعيل أي تحالف سياسي وطني قادم. لقد أثبتت التجربة أن الحلول التكنيكية التنشيطية لم تؤت ثمارها لأن سبب الخلل أعمق من المشاكل التي تظهر على السطح.

■ الاعتراف بأن نظاماً انتخابياً جديداً لمجلس الشعب يظهر الوزن الحقيقي لكل مكونات الحركة الوطنية، هو ربح للجميع حتى لو خسر البعض مؤقتاً، هذا البعض الذي يعيش حتى اليوم على الوهم وعلى حساب الغير، فالمطلوب صدمة صغيرة تضع الأمور في نصابها وتجبر الجميع على البحث عن نقاط الضعف لديهم ومراجعتها وحلها.

 إن مصداقية الجبهة ستتعزز إذا طالبت أحزابها بمراجعة النظام الانتخابي الحالي وليس مطالبة الحزب الحاكم بتقاسم السلطة معه سواء كان عن طريق انتقاء المستقلين في مجلس الشعب أو بانتقاء جميع أعضاء الوزارة والتشاور حولهم.

 

إن أخذ جميع هذه الأمور بعين الاعتبار سيضع الأساس لتطور التحالفات الوطنية بين أنداد متكافئين يعملون لمصلحة الوطن والمواطن دون أن يكون أحدهم عبئاً على أحد، ودون أن يكون أحدهم هدفاً لوصاية أحد.