ثورة أكتوبر.. المنجزات والدروس

احتفل الشيوعيون ومعهم كل القوى الوطنية والتقدمية في العالم بالذكرى الـ 85 لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، والتي تعتبر أهم حدث وقع في القرن الماضي.

عصر جديد

لقد حولت ثورة أكتوبر، الاشتراكية، من فكرة نظرية إلى واقع ملموس وغيرت  موازين القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية على الصعيد العالمي لصالح القوى المحبة للسلام والحرية وأبعدت شبح الحرب النووية عن شعوب العالم في خلال أكثر من نصف قرن،و هي الثورة التي سحقت ودمرت الفاشية الألمانية وأنقذت شعوب العالم كافة من خطر هذا الطاعون الأسود،وهي الثورة التي قدمت كل الدعم المادي والعسكري للثورات الاشتراكية في كثير من بلدان العالم ومنها على سبيل المثال الثورات الشعبية في كل من الصين وكوريا الشمالية وكوبا وفيتنام وغيرها من الدول، وكانت ثورة أكتوبر السند الرئيسي لقوى حركة التحرر الوطني في بلدان أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وبهذا الخصوص أشار لينين إلى «أن كافة الجهود ستبذل  لكي نتقارب ونتوحد مع المنغول والفرس والهنود والمصريين..».

الثورة.. والثورة  المضادة

إن عملية البناء الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي في خلال الفترة من عام 1917 وحتى عام 1985، كانت أول تجربة بالغة الصعوبة والتعقيد، إذ واجهت وقاومت الثورة المضادة على الصعيدين الداخلي والخارجي ومنها الحرب الأهلية (1918 ـ 1922)، والحرب العالمية الثانية (1941 ـ 1945) و «الحرب الباردة» في خلال الفترة من عام 1946 حتى عام 1991، ولا يخفى أن عملية البناء الاشتراكي، قد رافقها بعض الأخطاء والنواقص  والصعوبات، ولكن هذه النواقص وهذه الأخطاء لا يمكن مقارنتها أصلاً بالنجاحات والإنجازات العظمى التي تحققت خلال أكثر من سبعة عقود مضت وعلى مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعسكرية.

لقد ازداد متوسط عمر الفرد خلال سنوات السلطة السوفييتية من 32 عاماً إلى 72 عاماً أي أكثر من مرتين، ويعمل في الاتحاد السوفييتي ثلث مجموع الأطباء في العالم. وتم تحقيق العدالة الكاملة في الاتحاد السوفييتي منذ الثلاثينات. ويساوي معدل أسبوع العمل المثبت 0.6 ساعة مقابل 58.6 في عام 1913 و 47.8 ساعة في عام 1955، كما بلغت دخول العمال الفعلية عام 1979 القدر الذي يفوق مستواها في عام 1913 بـ (10.5) مرة، ودخول الفلاحين بـ(15.8) مرات، وازداد عدد المساكن في مدن الاتحاد السوفييتي من عام 1922 وحتى عام 1981  ب(11.4) مرة، وازداد معدل المساحة السكنية للفرد الواحد من عام 1945 حتى عام 1981 ضعفين،  وكان ينتقل سنوياً ما يناهز 15 مليون من المواطنين  السوفييت إلى مساكن جديدة، وازداد عدد سكان الاتحاد السوفييتي من 194.1 مليون نسمة عام 1940 إلى 276.3 مليون  عام 1985، أي بلغت الزيادة السكانية السنوية حوالي 2 مليون نسمة.

الهدف.. هو الانسان

وكما هو معروف، فإن  ثلاثة أرباع سكان روسيا كانوا ما قبل ثورة أكتوبر أميين، أما خلال فترة السلطة السوفييتية فإن أكثر من 65 % من جميع السكان نال شهادة التحصيل العالي أوالثانوي، وإن 106 ملايين من المواطنين السوفييت أو أكثر من اثنين من كل خمسة أفراد درسوا في المدارس والمعاهد والجامعات، كما زاد عدد الباحثين العلميين وحاملي الشهادات العلمية بدرجة برفسور ودكتور ومرشح علوم.... من 354.2 ألف شخص في عام 1960 إلى 1462.4 ألف شخص في عام 1984، ولم تكن جميع المكتبات العامة في روسيا ما قبل ثورة أكتوبر تضم سوى 9 ملايين نسخة من الكتب، أما في ظل الاشتراكية وخلال الفترة من عام 1919 وحتى عام 1984، فكان في حوزة المكتبات ما يزيد عن 7.4 مليارات كتاب ويرتاد المكتبات التابعة لوزارة الثقافة وحدها 109 ملايين من القراء، وزاد عدد المكتبات من 95.4 ألف  في عام  1940 إلى 133.8 ألف مكتبة في عام 1984،وكما زاد عرض الأفلام السينمائية السوفييتية من 28 ألف فيلم إلى 151.3 ألف فلم للفترة نفسها، ويزور مسارح الاتحاد السوفييتي سنوياً 121 مليوناً من الأفراد، ويرتاد حوالي 160 مليوناً من السكان الحفلات الموسيقية والغنائية، وعملت في البلاد (في إطار وزارة الثقافة والنقابات) 741 ألف حلقة لهواة  الفنون ويبلغ  عدد أعضائها الإجمالي أكثر من 21 مليوناً، ويوجد في الاتحاد السوفييتي 226 ألف فرقة رياضية ويمارس فيها أكثر من 60 مليون فرد ما عدا الحلقات الرياضية في الأحياء السكنية.

لقد زاد الدخل القومي (بالأسعار وبمليارات الروبلات) من 145 في عام 1960 إلى 289.9 في عام 1970، ومن 462.2 في عام 1980 إلى 569.6 في عام 1984، وفي روسيا السوفييتية زادت قيمة الناتج المحلي الإجمالي من 965 مليار دولار في عام 1987 إلى 1022 مليار دولار في عام 1989، أما في ظل  سلطة «الإصلاحيين ـ الديمقراطيين» الروس فقد انخفضت  قيمة الناتج المحلي الإجمالي من 805 مليارات دولار في عام 1992 إلى 300 مليار دولار في عام 2001!!

وتشير الإحصاءات الرسمية خلال الفترة من عام 1919 ولغاية عام 1989 إلى أن الإنتاج الصناعي في الاتحاد السوفييتي زاد بـ 155 مرة والإنتاج الزراعي بـ 4.5 مرات، وزادت إنتاجية العمل في القطاع الصناعي ما بين 25 إلى 26 مرة، وفي القطاع الزراعي بـ 6 مرات للفترة نفسها.

أما متوسط الأجر الشهري فقد ارتفع من 33.1 روبل في عام 1940 إلى 290 روبل في عام 1990، وزاد متوسط الأجر إضافة للمدفوعات والتسهيلات من أرصدة الاستهلاك الاجتماعية من 40.6 روبل في عام 1940 إلى 260 روبل في عام 1984.

أما في ميدان  الزراعة فقد زادت قيمة المنتوج الإجمالي من 49.3 مليار روبل في عام 1940 إلى 135 مليار روبل في عام 1984، وزاد إنتاج الجرارات من 531 ألف جرار في عام 1940 إلى 2735 ألف جرار في عام 1984، وزاد إنتاج الحاصدات من 182 ألف حاصدة إلى 815 ألف حاصدة. كما زاد إنتاج الأسمدة المعدنية والكيميائية من 756 ألف طن إلى 3085 ألف طن للفترة نفسها، وخلال الخطة الخمسية الحادية عشرة وحدها بلغ عدد الجرارات لدى الكولخوزات والسوفخوزات 1850 ألف جرار (في أمريكا 520 ألف جرار) و560 ألف ماكينة حصاد (في أمريكا 90 ألف).

لقد شغل الاتحاد السوفييتي المرتبة الأولى في العالم من حيث إنتاج أنواع هامة من المنتوجات الصناعية مثل حديد الزهر والصلب واستخراج الكروم وخام المنغنيز والنفط والأسمدة المعدنية وإنتاج الأسمدة...، واحتل الاتحاد السوفييتي مكان الصدارة من حيث إنتاج الصوف والمنسوجات وصيد الأسماك والألبان والسكر.

لقد حققت الاشتراكية قوة عسكرية ومن خلال ذلك تم تحقيق التوازن العسكري مع الغرب الإمبريالي وخاصة مع الولايات المتحدة، وبلغ تعداد الجيش السوفييتي نحو 4 ملايين عسكري، وكان لدى الجيش السوفييتي 64000 دبابة (مرتان أكثر مما يملكه الناتو) و67000 مدفع هاون (مرتان أكثر مما لدى حلف الناتو)، 76000 مصفحة ومدرعة، و12000 طائرة ومروحية عسكرية مقاتلة  (1.2 مرة أكثر مما كان في حوزة الناتو)، و437 سفينة حربية من الدرجة الأولى والثانية وأكثر من 300 غواصة حربية، وكان لدى الجيش السوفييتي 25 صاروخ عابراً للقارات، وزن كل صاروخ 288 طن ويحمل 10 رؤوس نووية قابلة للانشطار، فيما كان لدى أمريكا صواريخ من النوع نفسه وزن كل صاروخ  88 طناً.

اكتوبر.. ودعم حركات التحرر

لقد قدمت ثورة أكتوبر الاشتراكية دعمها السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي والعسكري لحركات التحرر الوطني والثورات الوطنية والتقدمية في بلدان أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية من أجل حصولها على استقلالها السياسي والاقتصادي من النظام الإمبريالي المتوحش،وكما قدمت ثورة أكتوبر دعمها الاقتصادي والسياسي غير المشروط، فعلى سبيل المثال بنى الاتحاد السوفييتي في البلدان النامية حتى عام 1984 أكثر من 5000 مشروع صناعي وزراعي، وخلال أكثر من 30 عاماً، تخرج سنوياً من الجامعات والمعاهد السوفيتية أكثر من 100 ألف طالب وطالبة  وبشكل مجاني (تشير بعض الدراسات العلمية أن كلفة الطالب الجامعي الواحد هي 75 ألف دولار، ,هناك تقرير آخر هو 100 ألف دولار)، وتم تدريب أكثر من 1.7 مليون شخص في مختلف الاختصاصات، وقدم الاتحاد السوفييتي قروضاً تقدر بأكثر من 145 مليون دولار، وهذه القروض اليوم أصبحت شبه معدومة!!

لقد قدم الاتحاد السوفييتي دعمه النزيه للحكومات والشعوب العربية وفي مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، فمشروع السد العالي، ... والفرات، والدعم العسكري للحكومات العربية ضد الكيان الصهيوني الإسرائيلي ما هي إلا أدلة ساطعة على الدعم غير المشروط من قبل الاتحاد السوفييتي للحكومات والشعوب العربية.

 

■ د. نجم الدليمي