الديمقراطية و احترام الرأي الآخر

كثيرة هي المصطلحات والمفاهيم التي انتشرت وتناولها الناس، العامة منهم والخاصة، حتى أصبحت على كل لسان، لدرجة أنها أصبحت مشوشة، مسطحة، تموج فوق تيار الفكر دون العمق.

توهمنا أننا نعرفها، والحقيقة أننا نعرفها ولا نعرفها. تعاملنا معها بشكل خاطئ وسطحي، وكانت التجربة فاشلة. والإخفاق في التطبيق يعود لأحد سببين أو لكليهما معاً. الأول: عدم وضوح الفكرة أو المفهوم من الناحية النظرية الفكرية. أما الثاني: فيعود لنقص تجربتنا وشكلها.

والمثال على ذلك وليس الحصر مفهوم المركزية الديمقراطية-الم يشكل هذا المفهوم هاجسا في حياة الأحزاب اليسارية -التقدمية -الوطنية- القومية؟، ومع ذلك ارتكزت التجربة على تغليب المركزية على حساب الديمقراطية مما أدى بشكل مباشر أو غير مباشر إلى تغييب الديمقراطية الحقيقية وعدم الاكتراث بالرأي الآخر، ورأي الأقلية مما أدى إلى إخفاق وإضعاف الحوار الرفاقي المسؤول مما أدى إلى انقسامات كثيرة والى عبادة الفرد والتكتل. وسيادة البيروقراطية في الحزب والدولة.... الخ. فافتقدت الحياة إلى الـــــــروح - وإلا بداع.... فافُتقدت الحياة الحزبية الصحيحة. كما ينتشر الآن بين الناس، العامة منهم والخاصة، المهتمين والاختصاصين مفاهيم متعددة كالعولمة، والمجتمع المدني، و... و...الخ .

ومنها الديمقراطية واحترام الرأي الآخر. وحول ذلك. تعددت الآراء النظرية، وبكيفية تجسيد المفهوم واقعياً في حياة المجتمع ومؤسساته، وفي جميع المجالات الفكرية، الفلسفية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الإدارة التربية والأحزاب. وهذا أمر هام. لكن كي لا تتكرر تجاربنا الفاشلة ألا نحتاج إلى الوعي الصحيح حول هذه المفاهيم.؟

فلقد تعددت الآراء حول الديمقراطية وتعريفها وتوضيحها. وتجسيدها واقعياً.

فديمقراطية سقراط مثلاً-هي ديمقراطية الأحرار - مواطني الدولة، فهي مُحرمة على العبيد لأنهم ليسوا مواطنين. وتَطور المفهوم مع تطور المجتمعات تاريخيا. وحتى الآن مازال الجدل قائماً حول الديمقراطية وأطيافها المتعددة التي تشكل قوس قزح بديع متماسك وهذا يعكس الجدلية القائمة بين الفكر والواقع وهي علاقة جدلية مستمرة باستمرار الحياة، والثابت بان الديمقراطية مفهوم إنساني، يعكس الطموح من اجل حياة أفضل يحقق بها الإنسان إنسانيته وكرامته. فهي طموح وتجربة ترتبط بها مفاهيم أخرى تقترب منها أو تبتعد، لكنها لا تغيب عنها. كالعدالة والمساواة والحرية والحق والفضيلة...

لذلك فهي تجربة غنية ثرية مستمرة واقعها متحرك مستقبلها واسع وهنا تتجسد الجوانب النظرية للمفهوم مع الجوانب العملية له. ولا يمكن فهم الديمقراطية إلا بجانبيها النظري والعلمي - إذاً لا غنى لأحدهما عن الآخر. لذلك فان العلاقة بين الديمقراطية والرأي الآخر علاقة جدلية وطيدة وقد يُعرّف أحدهما بالآخر. فالرأي الاخر... كيفية طرحه؟ كيفية التعامل معه! كيف يتجسد في الواقع؟... وكل ذلك يحتاج منا إلى حالة وعي نوعية وتجربة ناضجة... وخصوصا عندما يتعلق الآمر بمصطلحات أخرى (كالمعارضة)، معارضة وطنية أو معارضة الأقلية للأكثرية...

في الماضي القريب والبعيد كنا نقول إننا ديمقراطيون ونحترم الرأي الآخر... ولكن التجربة أثبتت عكس ذلك فنحن ديمقراطيون طالما الآخر موافق معنا. وإن خالفنا - امتعضنا وهجمنا عليه... وصنفناه ووصفناه وحكمنا عليه بالموت، آن الأوان بان نعترف بأن لسنا وحدنا المعنيين ولنَعّترف بوجود الآخر أولا وثانيا: البحث المشترك عن الحقيقة. وهذا يتطلب بالدرجة الأولى الاستماع بانتباه - أي نتقن فنّ الاستماع باحترام، نعترض بتواضع ومسؤولية- لأن الحقيقة لا نملكها بمفردنا، يجب أن نتحاور على أرضية الوصول إلى الأفضل وهنا لا يكون هدف الحوار الإقناع بقدر ما يكون تبادل الآراء من اجل الوصول للأفضل، لنا الحق بالدفاع عن رأينا وللآخرين كذلك الحق. فالحوار الإنساني ليس بالاستعراض الفكري بل هو ضمن معايير أخلاقية تحقق الكرامة الإنسانية، هو تناغم وليس صراعا وبالتناغم قد يظهر رأي ثالث، أكمل من الرأيين وهذه ميزة جوهرية في التقدم والارتقاء والإبداع.

(مثال: إضافة قليل من عصير الليمون على قليل من الشاي، يصبح لدينا مادة جديدة لا هي بلون وطعم الشاي ولا بلون وطعم الليمون) فالحقيقة ملك الجميع، للجميع الحق في البحث عنها والوصول إليها وتقديمها كل كما يراها وثم الدفاع عن رأيه فيها ولكن بشكل سلمي وللجميع حق الرفض والقبول. من غير تقديس وتعصب وتسفيه الآخرين. من غير أن يُحاسب أو يُلاحق أو يُتهم. فإذا كنا قد فشلنا فيما سبق بتجسيد الفهم العلمي للديمقراطية وتطبيقها بشكل خلاق واستيعاب آلية الحوار وعدم إتقان التعامل مع الرأي الآخر في كل الأزمنة والأمكنة والمواضع والمجالات -فحريّ بنا الآن وفق معطيات العصر والمخاطر المحدقة أن نؤمْن قولاً وفعلاً. سلوكاً ومبدءاً، وأن نعتمد الديمقراطية واحترام الرأي الأخر والسماح للأقلية بحرية التعبير عن نفسها بالطرق السلمية المشروعة والسماح لها بالنمو والانتشار وإذا كان لها ذلك. أن نعتبر هذا الأمر مهمة وطنية وإنسانية كبرى ولنبدأ بإتقانه على المستوى الشخصي (الفردي) والمدرسة والأسرة والإدارة. والمؤسسة والحزب والدولة.

و أؤكد على أهمية ذلك في البيت (الأسرة) والمدرسة لأنهما الركيزتان الأساسيتان لبناء وإعداد جيل مسلح بوعي ديمقراطي، جيل ديمقراطي المفهوم والسلوك يؤمن بأن الشمس تشع على الجميع دون تمييز.

 

■ سليمان الكفيري