الافتتاحية صدق الوعد وانتصرت المقاومة

بعد سنتين وثلاثة أيام على انتصار المقاومة الوطنية اللبنانية بقيادة حزب الله في حرب تموز 2006، صدق الوعد، وانتصرت إرادة المقاومة مجدداً، وفرضت على العدو الصهيوني شروط الشعب المنتصر في الميدان والقيم الأخلاقية والإنسانية تحت راية التحرير واستعادة السيادة الوطنية.

عندما قلنا، وكررنا مراراً على صفحات قاسيون: إن المقاومة هي القمة، كنا ندرك أن الانتصارات الكبرى وعلى كل صعيد، إنما تصنعها الشعوب ورأس حربتها سواعد المقاومين ودماء الشهداء. فمع استعادة الأسرى وعميدهم سمير القنطار وتحرير جثامين الشهداء، ونجمتهم البطلة الشهيدة دلال المغربي، يحتفل كل الشرفاء في هذا الشرق العظيم بثمار جهود المقاومة، ودماء شهدائها وصلابة إرادتها السياسية، وصوابية نهجها الثابت ضد المخططات العدوانية للإمبريالية والصهيونية.

... مرة ثانية، وحدها المقاومة وإنجازاتها توحد الشعوب العربية، وتعمق حالة الفرز بين نهجين لا يلتقيان: نهج المقاومة وتحرير الأرض واستعادة الكرامة الوطنية، ونهج الاستسلام والتفريط بالحقوق واستجداء الحلول المهينة من المحتل وحماته الإمبرياليين.

    عندما يعترف رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز بأن «عملية تبادل الأسرى هي خيار حزين، ولكن لا خيار آخر أمامنا»، وهذا لا يعني رسوخ عهد المقاومة، وهزيمة منطق الاستسلام المهين فقط، بل هو اعتراف صريح من أكبر قادة العدو ببداية أفول المشروع الصهيوني ورأس حربته «دولة إسرائيل الصهيونية». وبالتحليل الموضوعي لما صدر عن أجهزة إعلام العدو وتصريحات المسؤولين فيه حول عملية تبادل الأسرى، وما رافقها من تراجعات، كانت سابقاً من المحرمات على أية حكومة إسرائيلية الموافقة عليها، يمكن الجزم بأن حالة «حرب الأيام الستة» لن تتكرر. لقد حل مكانها صورة أخرى، صورة الجندي الإسرائيلي المهزوم في الميدان، كذلك انهيار منظومة المفاهيم التي قامت عليها «نظرية الردع الإسرائيلية»، مع كل ما يرافق ذلك من انعكاسات سلبية مباشرة على بنية التجمع الاستيطاني الصهيوني، فبعد سنتين على حرب تموز لم يعد «المجتمع الإسرائيلي» يثق بقدرة قيادته على حمايته كما كانت الحال عليه قبل رسوخ عصر المقاومة في فلسطين ولبنان.

   كذلك لم تعد قيادة الكيان الصهيوني قادرة على الاستفادة مما عقدته من اتفاقات ومعاهدات صلح علنية وسرية مع قادة النظام الرسمي العربي رغم رضوخهم المشين لإرادة واشنطن وتل أبيب. لقد تغيرت المعادلة الآن، حيث لم تعد قضية إنجاز التطبيع مع الكيان الصهيوني بأيدي دول الاعتلال العربي التي راهنت على انتصار العدو الصهيوني على المقاومة وسحقها بعد أن جاهرت بوصف المقاومة بالمغامرة، فها هو زمام المبادرة العربية ينتقل شيئاً فشيئاً إلى أيدي الشعوب على وقع انتصارات المقاومة، وآخرها انتصار تحرير الأسرى وجثامين الشهداء.

   من هنا فإن أي تجاهل لوضع العدو الصهيوني المأزوم والسائر نحو افتقاد عناصر قوته الذاتية، وبسبب تعثر المشروع الأمريكي في المنطقة، يعتبر جريمة لا تغتفر، تعطيه المدد، وتطيل من عمر وجوده كقوة احتلال ورأس حربة للإمبريالية العالمية والأمريكية على وجه الخصوص.

   فإذا كان نهج المقاومة اللبنانية قد حرر أرض الجنوب، وطوى صفحة الأسرى وجثامين الشهداء، فإن نهج التفريط لم يستطع استعادة جثامين البطلة الشهيدة دلال المغربي المخفية هي ورفاقها منذ ثلاثين عاماً. ومن هنا فإن تحرير الأرض الفلسطينية والجولان، والعراق واستعادة أسرانا الفلسطينيين والسوريين والعراقيين والعرب من السجون الصهيونية والأمريكية لن يتحقق إلا بالتزام خيار المقاومة بمفهومها الشامل..

   تتغير وجوه الاستعماريين، ويبقى هدفهم الرئيس في الجوهر هو استعباد الشعوب ونهب ثرواتها، ولكن بالمقابل، فجميع الهزائم التي لحقت بالمحتلين كانت من صنع الشعوب ورموزها القيادية المقاومة: ابن جبلة الشيخ عز الدين القسام أسس المقاومة ضد الإنكليز والصهاينة في فلسطين، وقضى شهيداً، والبطل يوسف العظمة رفض إنذار غورو الفرنسي، وأسس المقاومة في سورية، وقضى شهيداً، لكنهما انتصرا بالتأسيس لخيار المقاومة الشاملة التي رفع رايتها أولادهما وأحفادهما، ومازالوا على الطريق ذاتها رغم كل الأضاحي حتى النصر الأكيد بالمقاومة وليس بالمساومة.

   ونقتبس ما قاله السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله محيياً سمير القنطار ورفاقه: «ولّى زمن الهزائم، وجاء زمن الانتصارات».

آخر تعديل على السبت, 03 كانون1/ديسمبر 2016 11:37