منذر عاصم منذر عاصم

الموضوعات.. ما بين الرؤية والممارسة

من حق القارئ المهتم بالشأن السياسي والفكري العام، وقضايا الناس اليومية، أن يتوقف ملياً أمام «مشروع الموضوعات البرنامجية» للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، والتي أطلقت للنقاش العام بين صفوف الشيوعيين وأصدقائهم وجميع المهتمين بقراءة وتفسير وتغيير الواقع بهدف استعادة الدور المفقود والاستعداد لدور جديد أكثر ملموسية يجيب على أسئلة الراهن استعداداً لبناء المستقبل!

عند قراءة «الموضوعات البرنامجية»، ورغم كثافة الإحباطات في حياتنا العامة منذ سنوات طوال، وعدم التصديق بإمكانية وجود تيار سياسي ما قادر على تقديم رؤية وخطاب سياسي، مشتقين من مرجعية فكرية صحيحة صلبة ومتجددة، يجد القارئ المتمحص لتلك الموضوعات نفسه أمام منظومة وبنية فكرية وسياسية عملية تختلف كثيراً عما هو سائد في الخطاب المتكرر لقوى شيوعية سورية لم تتوصل بعد إلى أية مراجعة نقدية جدية وموضوعية حول أسباب الأزمة في الحركة الشيوعية وسبل الخروج منها، وحول تراجع وفقدان دورها الوظيفي ـ الطبقي في حياة البلاد.

وإذا تقيدنا بالعناوين التي اندرجت تحت «الموضوعات البرنامجية» نزعم أن الجديد فيها يكمن فيما يأتي:

I ـ بعيداً عن خطاب وأهداف المشككين ـ علانية أو ضمناً ـ بالماركسية اللينينية، هل هي علم أم آراء ووجهات نظر، أو أصابتها الشيخوخة أمام «الحداثة» والليبرالية الجديدة، نلاحظ أن الموضوعات طرحت التعامل مع الماركسية ـ اللينينية ليس فقط كمرجعية فكرية وكفى، بل أكدت أن الأمانة الحقيقية للماركسية ـ اللينينية تتطلب من الشيوعيين الحقيقيين ليس الركون بأنها علم متجدد فقط، بل النضال ضد الخطرين اللذين يتهددانها ألا وهما: العدمية والنصوصية. وعند الإجهاز على هذين الخطرين يمكن للماركسية ـ اللينينية مع عاملها الاجتماعي، الحزب الطليعي، أن تتحول إلى أداة للتغيير الثوري في المجتمع.

II ـ تعترف الموضوعات بانهيار التجربة الاشتراكية الأولى في القرن العشرين، وامتلكت الجرأة في تحليل الأسباب دون مكابرة، ولكن اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين تعتبر عن حق الإنجازات الاشتراكية في القرن العشرين هي أكبر تجربة إنسانية ـ ثورية ـ اجتماعية حققتها البشرية في التاريخ البشري ولا يقلل من ذلك أن الماركسيين والثوريين عموماً عجزوا عن تطوير الماركسية وعن صياغة «نظرية بناء الاشتراكية» أو إحداث خرق ثالث جديد بعد انتصار ثورة أكتوبر، والانتصار على النازية لصالح قوى العملية الثورية، وهذا ما أدى للتراجع والمراوحة في المكان بعد وفاة ستالين، ونشوء الأزمة في قلب الحركة الثورية، وخصوصاً بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي وصولاً إلى الانهيار وما سبقه من انقسامات في أكثر من 70 حزباً شيوعياً في العالم.

III ـ ومن جديد الموضوعات أنها تقدم تحليلاً علمياً مقنعاً حول الأزمة الرأسمالية الاقتصادية العالمية، وتعتبرها «ليست مؤقتة أو عابرة»، بل هي أزمة عميقة متعلقة ببنية النظام الرأسمالي نفسه المنتج دائماً للأزمات، وبالاعتماد على هذا الاستنتاج تعتبر الموضوعات أن الأزمة الرأسمالية الحالية ستجعل فكرة بناء الاشتراكية في القرن الواحد والعشرين أكثر ملحاحية من أي وقت مضى، لأنه لا يمكن القضاء على البربرية الامبريالية الحالية إلا عبر النظام النقيض الذي يحقق كرامة الإنسان، والمحافظة على الطبيعة، ألا وهو الاشتراكية!

IV ـ من جديد الموضوعات أيضاً أنها عندما تلامس الوضع السياسي الإقليمي والدولي تضع معايير واقعية ـ موضوعية لمواجهة المخططات الامبريالية ـ الصهيونية والرامية إلى السيطرة على المنطقة وتفتيتها جغرافياً وديمغرافياً، ونهب ثرواتها بقوة الاحتلال، وتسعير الصراعات الدينية والطائفية والقومية والعشائرية الخ... ومن هنا اعتبرت الموضوعات عن حق أن المعيار الحقيقي لوطنية أي حزب وأي شخص هو العداء السافر الذي لا لبس فيه ضد الامبريالية الأمريكية وحليفتها الصهيونية العالمية، عبر الالتزام بخيار المقاومة الشعبية الشاملة، والتي بعكس النظام الرسمي العربي لم تنهزم يوماً في المواجهة مع العدو. وإذا كان هذا الخيار لا يزال في بداياته، فهو مبدئي ـ استراتيجي، وسيفرض نفسه عاجلاً أم آجلاً، وملامحه موجودة من أمريكا اللاتينية حتى أفغانستان مروراً بفلسطين ولبنان والعراق.

V ـ عند الحديث عن التحديات الوطنية الكبرى والوضع في البلاد لا تغيب الموضوعية عن تحليل الوضع الداخلي، فهي تعتبر أن سورية «تعيش في ظل وضع معقد وخطير دولياً وإقليمياً، وهي أثبتت بسلوكها ومواقفها على مدى عقود أن أهم رأسمال لديها هو مواقفها الوطنية التي تجعلها أقوى من أغنى دولة عربية». ولم تغفل الموضوعات أن السبب الأساسي في ذلك هو السجل الكفاحي للشعب السوري منذ معركة ميسلون حتى اليوم. لكن الموضوعات ركزت بقوة على مواطن الخلل في الوضع الداخلي ومخاطر كل ذلك على السيادة الوطنية وعلى الوحدة الوطنية، فأبدت رأيها بالإصلاح المطلوب، والذي يجب أن يشمل كل نواحي الحياة، أي الإصلاح الشامل والجذري سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، والذي يقوي موقع سورية الوطني في المواجهة المفروضة عليها، ويربط المهام الوطنية بالمهام الاقتصادية ـ الاجتماعية ربطاً محكماً، ويحل المشاكل العالقة لمصالح الجماهير وليس على حسابها.

ولعل ما هو أكثر وضوحاً في الموضوعات حول الوضع الداخلي تركيزها على ضرورة ضرب قوى الفساد الكبرى في البلاد، والتي هي بوابات العبور للعدوان الخارجي.

VI ـ عند الحديث عن مهام الشيوعيين في المرحلة الراهنة تعترف الموضوعات بحقيقة غابت عن القيادات الشيوعية السورية ـ الرسمية ألا وهي: «إن الدور الوظيفي يعني قبل كل شيء اعتراف المجتمع وخاصة الطبقة العاملة وسائر الكادحين بالشيوعيين كقوة تمثلهم، وهذا الأمر سيحتاج إلى عمل كثير لاستعادة ثقة الجماهير بحزبها، وهو أمر صعب في حال بقاء الحركة منقسمة بين فصائل ومجموعات».

وهذا يتطلب ليس فقط إنجاز عملية توحيد الشيوعيين، بل العمل بين ومن أجل من لم يكونوا شيوعيين سابقاً، أي في خزان المجتمع، تحت شعار: «من أجل الدفاع عن كرامة الوطن والمواطن».