مأمون رضوان مأمون رضوان

الموضوعات البرنامجية.. وعي التحديات الكبرى

ليس بجديد في حياة سورية السياسية طرح برامج عمل تتناول القضايا الفكرية والسياسية والاقتصادية الاجتماعية، فقد جرت العادة منذ سنوات، وتحديداً على أبواب المؤتمرات والاجتماعات العامة، طرح مثل هذه البرامج، وكانت تتقاطع كثير من البرامج فيما بينها في بعض الأفكار، وخاصة في القضايا الوطنية العامة كالموقف من الرأسمالية والامبريالية الأمريكية  والحركة الصهيونية وإسرائيل.

ولكن الجديد فيما طرح في مشروع الموضوعات البرنامجية للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين، والذي يشكل بتقديري العمود الفقري للموضوعات، هو رؤيا تم العمل عليها في الواقع الاجتماعي والسياسي لسنوات عديدة، وأثبتت الحياة صحتها، والتي استندت بالأساس على التعاطي بمنهجية وبدقة وعلمية، والإضافة الهامة المسؤولية الوطنية العالية، وهي سمة جديدة في الموضوعات، حيث بدأت بطرح بدائل هامة وجريئة لكي تكون مواد للحوار على الصعيد الاجتماعي والسياسي الوطني العام، خاصة في باب التحديات الوطنية الكبرى والقضية الاقتصادية الاجتماعية ومهام الشيوعيين والوضع السياسي الإقليمي والدولي.

وبتقديري فإن أية موضوعة تكتب ويشكل لها الأساس قول غيفارا «لكي نكون واقعين يجب أن نطلب المستحيل»، ويجب الانطلاق من الضرورات وليس من الإمكانات، ونمشي ونكفي الطريق .. فهي موضوعة ترتقي لكي تكون ملامح مشروع برنامج وطني، وخاصة عندما يكون الحامل الأساسي للموضوعات ذلك التكثيف الديالكتيكي للقضية الوطنية والقضية الاقتصادية الاجتماعية والقضية الديمقراطية، وقد تجد نفسك خاصة بعد كل ذلك التعقيد على المستوى العلمي وانجازاته والصناعي والمالي وتعقيداته والإعلامي والاتصالاتي أمام مسؤولية كبيرة كان على الشيوعيين التصدي لها على الصعيد الفكري والعملي لأنهم يعتمدون مذهباً كلي القدرة.

إن مبرر وجود مشروعات الموضوعات البرامجية بكل هذا الزخم الفكري والسياسي والاقتصادي، يفترض حالة متردية جداً على صعيد الواقع السوري، والأفكار التي طرحتها الموضوعات هامة، وهي دليل على انغماس أكثر فأكثر في كيمياء الواقع السوري، والبحث بروح مسؤولة عن تغيير هذا الواقع المتردي تغييراً جذرياً وشاملاً ومحدد الاتجاه، ومن هنا سآتي على بعض المسائل الهامة في باب التحديات، والتي تشكل فيها المواجهة مع العدو الأساسي المتمثل بالتحالف الصهيو- أمريكي المواجهة الأساسية.

إن من سمات العصر اختلاط الداخل بالخارج، فليس من الممكن اليوم في عالمنا عزل الداخل عن تأثيرات الخارج، ولا الحد من التغيرات الخارجية وانعكاسها على الداخل.

فمن هنا يصبح الوضع الداخلي هو الأداة القوية التي نواجه بها تغيرات هذا الخارج.

وعندها يمكننا القول:

- إن الوحدة الوطنية أداة مواجهة للتحديات الكبرى.

- إن اقتصاداً وطنياً معافى وقوياً ومتيناً وحقيقياً هو أداة قوية وحاسمة في أية مواجهة.

- إن الديمقراطية وضمان الحرية العامة وتفعيل الحركة السياسية هي أداة قوية للبناء الداخلي، الذي إذا قوي أصبح منيعاً ضد تأثيرات الخارج ومواجهاً له أساساً.

ومن هنا يجب التوصل إلى فكرة أساسية، إن من الواجب الوطني والأخلاقي والسياسي حسم كل القضايا الاقتصادية والسياسية باتجاه الشرائح المتضررة تاريخياً من قسوة ما يسمى بالفساد، وعلى صعد مختلفة، وأقول ما يسمى بالفساد، لأن الفساد عموماً مرتبط ببنية جهاز الدولة.

ولكن ما نشهده اليوم هو أكثر من فساد، وخاصة بالتوجه الليبرالي المتوحش الذي يحاول الإجهاز على ما تبقى من بُنى النظام الاجتماعي الاقتصادي، وإحلال بنيته التي لا تعرف سوى القيمة المرتبطة بالسعر، وبالنتيجة بالربح.

فلذلك يشعر الكثير من المواطنين بالغربة الحقيقية داخل الوطن، حتى أصبحت تتردد جملة «هذه البلد للأغنياء فقط»!! فكيف نعيد البلد لأصحابها الشرعيين الذين ضحوا بالغالي والنفيس على حدود الوطن في مصانعه وفي أرضه وفي كل مؤسساته؟ بتقديري هذه مسؤولية وطنية وواجب علينا جميعاً أن نعمل لكي نذلل كل الصعوبات، وأن نرفع شعار المقاومة عالياً، وعلى كل الصعد، فللمقاومة أوجه متعددة فهي مستمدة من تركيبتنا التاريخية، ولها أثرها النفسي والفكري في وجدان أبناء الشعب السوري، والمقاومة مفهوم مرتبط بالفقراء لأنهم هم دائماً في دائرة الاستثمار، ولأن الرأسمال وطنه جيبه. فليتعزز مفهوم المقاومة ضد الفقر وضد الظلم، الذي هو بالجوهر ضد العدو.

فالتحدي الكبير في سورية مثلاً:

- أن ينجح التوجه الليبرالي الجديد بعد إن شاهدنا آثاره المدمرة على الدول التي عملت به.

- التحدي الكبير في سورية أن نشهد أحزاباً لها صفات عشائرية أو عائلية أو طائفية مثلاً، خاصة بعد أن شهدنا ماذا فعلت هذه التجارب في كثير من الدول.

- والتحدي الكبير أن نجد أحداً ما يملك شركة أو استثماراً مثلاً أكبر أو يوازي مؤسسات الدولة بحجة الاستثمار.

ولأن كل هذه التحديات ماثلة أمامنا، يجب أن نرفع الصوت عاليا بأننا نحن مقاومة حقيقية وفعلية ضد كل من تسول له نفسه المساس بأمن سورية وأبنائها على الصعيد الداخلي من توجهات، وعلى الصعيد الخارجي من أي اعتداء.

فالمقاومة بجوهرها فعل ديمقراطي ووطني واجتماعي، ومنظومة من القيم تبني مجتمعاً شجاعاً قادراً على الدفاع عن مؤسساته ونظامه الاقتصادي والاجتماعي الذي يخدمه، ويحقق مصالحه وليس العكس.

ومن هنا يطرح السؤال المهم: كيف سنخرج بالموضوعات من الحالة المعرفية الهامة إلى دائرة الفعل السياسي الاجتماعي الأهم؟.

وكيف السبيل لإشراك أوسع شريحة من المجتمع في حوار وتبني أفكار الموضوعات؟.

أنا بتقديري، هذه العملية التي ستتم على صعيد الشيوعيين مثلاً، هي بالذات وحدتهم.

أي أن عملية الوحدة سياسية عامة وحراك اجتماعي قبل أن تكون حالة حوار فحسب، فالوحدة عملية إنتاج واقع جديد للشيوعيين على الصعيد النظري والمعرفي وعلى الصعيد التنظيمي وصعيد القيم والأخلاق الشيوعية.

وبمعنى أوسع لن تكون هناك وحدة للشيوعيين إذا لم يناضلوا فعلياً في سبيل قضايا الشعب السوري قولاً وفعلاً.

فالحوار هام، ولكن الاستغراق فيه يجعل منه حواراً لأجل الحوار، أما الدفاع  عن كرامة الوطن والمواطن والدفاع عن قضاياه المعيشية وحرياته، فهي التي تفرض على الشيوعيين وحدتهم كما تفرض على ما يسمى قوى اليسار وحدتها أيضاً.

 وهذا بالذات هو الدور الوظيفي التاريخي الهام الذي يجب أن يلعبه الشيوعيون بأمانة ومسؤولية تامة، وهو كلمة السر لحزب شيوعي واحد في حياة البلاد السياسية.. حزب شيوعي من طراز جديد تفرضه الضرورة الموضوعية إضافة للرغبات الذاتية لجموع الشيوعيين والوطنيين المخلصين، لأن لذلك قوة للمجتمع وللحركة السياسية وتصليب للجبهة الداخلية الذي عبرها يمكن أن نواجه كل المخططات المحدقة ببلادنا، وليس هذا فحسب، بل والقيام أيضا بدور إقليمي مهم وضروري تنتظره منا كل الشعوب العربية والشعوب المقهورة المواجهة للمشروع الأمريكي والصهيوني اليوم، وبشكل مباشر في هذا الشرق العظيم أبداً.