انتهت الجولة الثانية.. فمن الذي انتصر؟

انتهت الجولة الثانية.. فمن الذي انتصر؟

اختتم دي ميستورا أعمال الجولة الثانية من مفاوضات جنيف3 يوم الأربعاء (27/4) باجتماع ثانٍ مع وفد الذي يضم الديمقراطيين العلمانيين (منصتا موسكو وأستانا) ومنصة القاهرة، وهو اجتماع جرى بناء على طلبه ولم يكن في جدول أعماله الأولي، كما قدم بعد ذلك مداخلة في مجلس الأمن عبر «جسر تلفزيوني» من جنيف، أكّد فيها على استمرار المفاوضات وعلى أن الجولة القادمة ستكون خلال الشهر القادم. فما هي نتائج الجولة الثانية؟ ومن الذي انتصر فيها؟ وهل فشلت حقاً كما تزعم معظم المنابر الإعلامية ومحللوها؟

 

 

 المحرر السياسي لموقع قاسيون

 قبل الدخول في تعداد النتائج الملموسة للجولة لابد من تسجيل النقطتين التاليتين بوصفهما جوهر ما جرى من وجهة نظرنا:

أولاً: تعرض جنيف3 في جولته هذه لاختبارات إجهاد قصوى، يمكن تشبيهها بذلك النوع من الإجهادات التي يتم تعريض المعادن لها لمعرفة قدرتها على التحمل، والنتيجة أن معدن جنيف3 معدن من نوع خاص له قدرة عالية جداً على التحمل، فرغم محاولات التصعيد الميداني العسكري، ومحاولات التصعيد السياسي عبر قيام جزء من وفد الرياض بتعليق مشاركته في المفاوضات ومن ثم انسحابه منها، رغم ذلك كلّه، فإنّ جنيف استمر «بمن حضر».

هذا الأمر يشير وضوحاً إلى أنّ توازن القوى الدولي والتوافق الذي أنتجه، وصلا إلى مرحلة لا تسمح للمفاوضات بالتراجع أو السقوط أو الانهيار، وبالتالي فإنّ الطريق نحو الحل السياسي غدا طريقاً إجبارياً بغض النظر عن تفاصيل ذلك الحل.

ثانياً: استمرار جنيف3 رغم محاولات إفشاله المختلفة، يعني ضمناً تثبيت إجمالي رأي المجتمع الدولي بمواجهة مواقف وآراء القوى المتشددة والمعيقة (الفاشية الجديدة الدولية وتفريعاتها الإقليمية والمحلية، والمتشددين من مختلف الأطراف المحلية والإقليمية).

النتائج الملموسة:

1-  جنيف مستمر حتى الوصول إلى حل وعمليات إعاقته غير مسموح بها، والأعمال العسكرية التي رافقت جولته الثانية فشلت في الوصول إلى أهدافها، وعلى العكس من ذلك فإنها تحولت إلى محفّز لتسريع المفاوضات، لأّن خطر انهيار الهدنة لا يعني توقف المحادثات السورية، بل يعني أكثر من ذلك بكثير.. يعني الانتقال إلى مستوىً من التصعيد العسكري العمودي والأفقي الذي من شأنه وضع الأطراف الإقليمية والدولية أمام وضع شديد الصعوبة والخطورة، وغير ملائم لأي منها، اللهم إلّا الجناح الفاشي العالمي الذي يتضح تراجعه وتقهقره يوماً بعد آخر.

2- خضوع هذه الجولة تحديداً، إلى «اختبارات الإجهاد العالي» التي أشرنا إليها، ليس صدفةً، ففي هذه الجولة «بدأ الجّد» وهو ما أكدّته جريدة «قاسيون» في افتتاحية عددها الصادر بتاريخ 17 نيسان، ففي هذه الجولة بدأت مناقشة المسائل العميقة، مسائل الانتقال السياسي، وهي المسائل التي ستدفع بطبيعتها القوى المتفاوضة لإلغاء الذرائع المختلفة والبحث عن حلول وسط، والتخلي ضمناً عن المواقف السابقة. وبكلام آخر فإنّ تلك الطروحات والشعارات والبرامج التي تكررت طوال خمس سنوات، ستخلي المساحة لطروحات وبرامج أخرى، وسطية ومنطقية، بكل ما يعنيه ذلك من انعكاسات على أصحاب الشعارات المتشددة السابقة.

3- وإذا كانت عملية التخلي عن السقوف المسبقة، عملية موضوعية، فإنّها قد بدأت فعلياً، فالأطراف المختلفة قدمت مشاريعها خلال هذه الجولة، وهي مشاريع حاولت مقاربة القرار 2254 بصيغ مختلفة، ولكنها بذلك تحديداً خطت إلى الأمام، وهو ما أعطى دي مستورا المادة اللازمة لبناء تصوره وورقته التي لم تنشر رسمياً بعد.

4- بين النتائج الأكثر أهمية، أنّ الوزن الحقيقي للأطراف المتفاوضة المختلفة، بدأ بالظهور عملياً استناداً إلى مدى جدّية وإسهام كل منها في الدفع باتجاه الحل، وذلك بعيداً عن الوصفات الإعلامية الجاهزة طوال السنوات الماضية والتي بدأت ملامح تغيرها الإجباري وإن كانت هذه الملامح لا تزال في بداياتها الأولى. وإنّ بداية تمظهر هذه الأوزان هو أيضاً تعبير عن الواقع الموضوعي السوري، تعبير عن رغبة السوريين العميقة بالخروج من أزمتهم.

بالمحصلة، فإنّ المنتصر في الجولة الثانية، ليس النظام ولا المعارضة، المنتصر الحقيقي هو إرادة الشعب السوري في الخروج من الأزمة.

 

28/4/2016