سلامة كيلة ومعزوفة.. «لا أوباما ولا بوتين»

سلامة كيلة ومعزوفة.. «لا أوباما ولا بوتين»

يلاحظ المتابع للحراك السياسي في سورية في الآونة الاخيرة من جملة ما يلاحظ ذلك الهجوم الاعلامي المركّب على حزب الإرادة الشعبية، وتحديداً على الدكتور قدري جميل كأحد أبرز وجوهه. واللافت في الأمر إن هذا «الدفق» الإعلامي، يأخذ أشكالاً مختلفة، ويأتي من مصادر متعددة..

مصادر تتوزع بين بعض المحسوبين على النظام وبعض المعارضة معاً، وخصوصاً المتشددين في الطرفين كليهما، حيث تجد بينهم وسائل إعلامية ومدّعي اليسار، والجهاديّ السلفي، والقومي العربي... وذلك في مشهد سريالي يجمع على سبيل المثال برامج محددة في قناة «سما»، وشخوص مثل أنس العبدة وناصر قنديل، وحسن عبد العظيم، وكمال اللبواني، وسلامة كيلة، كل بما يمثله بغض النظر عن حجمه، على المسرح السياسي السوري (سبحان الذي جمّع ووفق)؟!

في هذه الخلطة «العجيبة» من المواقف نجد الجميع يتفق في الهجوم، فنجد من يتحصن في خندق الموالاة ويحاول النيل من «وطنية» الحزب بعد لقاء د.قدري مع فورد في سياق تحضيرات انعقاد مؤتمر جنيف2، ونجد في الوقت ذاته من يتمترس في قلاع داعش ويتهم الحزب وأمينه بالتبعية للنظام ويحاول إسقاط صفة المعارضة عنهما بسبب المشاركة في الحكومة.. ونجد أيضاً من يتهمه بالعمالة لروسيا..؟!
سلامة كيلة ..لا أوباما ولابوتين!
في عرض واحد من المواقف آنفة الذكر، نقف عندما ما نشره الأستاذ سلامة كيلة في موقع «الجزيرة نت» تحت عنوان «أمريكا وروسيا كحليفين في سوريا»، حيث يجاهد الأستاذ سلامة كي يؤكد أن روسيا وأمريكا كليهما امبرياليتان، وبالتالي لافرق بينهما، وأن اليسار، ومنه حزب الارادة الشعبية– وزعيمه (والكلام لسلامة) محكوم بتلك الصيغة النمطية في قراءة الواقع السياسي التي تعود إلى فترة الحرب الباردة، ويقول في هذا السياق «فقد ظلت "الصيغة النمطية" تتحكم في طيف واسع من "المعادين للإمبريالية" (التي باتت هي أميركا فقط)، الطيف الذي يقول إنه ينتمي لليسار.. في الأيام الأخيرة ظهرت وقائع جديدة، ربما تسمح بفهم أعمق للدور الدولي في سوريا، خصوصاً هنا طبيعة التفاهم الأميركي الروسي، فقد التقى قدري جميل- زعيم حزب الإرادة الشعبية، ونائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، والممانع جداً، والذي ظل يكرر الصيغة النمطية عن المؤامرة الإمبريالية على سوريا دولة الممانعة والمقاومة، والذي كان «الرؤيوي» لكل «اليسار العالمي الممانع»- التقى مسؤول الملف السوري في وزارة الخارجية الأميركية، والسفير في دمشق روبرت فورد، في الوقت الذي كان فورد يبلغ الائتلاف الوطني السوري بأن عليهم الذهاب إلى موسكو لأن الحل هناك». انتهى الاقتباس.
وهنا لا يمكن التعليق سوى أنه وخلال أية متابعة متواضعة لمواقف القوى المختلفة من الأزمة السورية سيظهر ما يشبه موقف الأستاذ كيلة لدرجة التطابق في الشكل على الأقل، فقط مقطع من تلك الأغنية المتداولة بكثرة مؤخراً والتي خرجت برعاية حزب سياسي جديد والتي تبثها إحدى القنوات الإذاعية التي تبث من دمشق، وتحديداً المقطع الرائج منها (لا اوباما ولا بوتين) هذا المقطع وحده يشبه التحفة الفكرية (الصيغة النمطية) للأستاذ سلامة كيلة. ولمن لايعرف فإن الأغنية جاءت بداعي الوقوف ضد التدخل الخارجي (الروسي- الأمريكي) عند بعض الموالاة المتشددة مع قرب انعقاد مؤتمر جنيف2، التي ترى في كل من الدور الروسي والامريكي تدخلاً خارجياً دون تمييز بينهما.
اليسار المتفزلك، ونمطية التفكير عن الدور الروسي!
حقاً إن كل إناء بما فيه ينضح، فلربما لا يجد المرء صيغة مناسبة لتوصيف موقف اليسار المتفزلك والذي يعتبر الأستاذ سلامة خير الناطقين باسمه منذ بداية الأزمة، سوى اختراعه هو بالذات (الصيغة النمطية) فلا يوجد ما هو أكثر تنميطاً للمشهد من هذا الموقف، ولا أكثر تسطيحاً من هذا التناول، ولا أكثر جلداً للحقيقة من هذا التوصيف، ليصبح بؤساً معرفياً لايضاهيه بؤس سوى مشهد تلك الوجوه الممتقعة مع اقتراب انطلاق الحل السياسي، كخطوة لابد منها لصراع فكري وسياسي حول مستقبل سورية وتطورها اللاحق، الأمر الذي يلغي دور أية طفيليات تعتاش على الأزمة، في حقول الاقتصاد والسياسة والفكر، تارة من بوابة التباكي على السيادة الوطنية، وتارة ندباً وعويلاً على (الثورة المغدورة)..
ماهية فهم موقف روسيا ودورها
نحمد الله إن الأستاذ كيلة يقر بوجود أزمة رأسمالية مستعصية على الحل، ونحمدهُ مرة أخرى بأن المذكور لم ينسب هذا الاكتشاف لنفسه أيضاً كعادة كل الدونكيشوتيين، وطالما أن الأمر كذلك والأزمة قائمة، فإنه من الطبيعي أن يتراجع الدور والمكانة التي تبوأتها الامبريالية الأمريكية، وعليه فإنه من الطبيعي أيضاً أن نرى قوى أخرى تملأ الفراغ الناشىء، باعتبار أن المجتمع كما الطبيعة لايقبل الفراغ، أم أن الفهم المادي الجدلي للواقع خاصةَ الأستاذ كيلة يقول غير ذلك؟
حقائق الواقع الموضوعي العالمي تقول، إن القوة الوحيدة القادرة على لعب دور بموازاة الدور الامريكي- اشتباكاً معه أو توافقاً- في المرحلة الانتقالية الفاصلة بين موت القديم وولادة الجديد هي روسيا بما تمتلكه من ثروات، وقوة عسكرية، وبما لها من مصالح متقاطعة مع قوى أخرى كبقية دول مجموعة البريكس، التي عانت ما عانته بسبب العربدة الأمريكية خلال العقدين الأخيرين. روسيا كبنية اقتصادية اجتماعية دولة رأسمالية لاشك، ولا يستحق الأستاذ كيلة براءة اختراع على اكتشاف العَجَلة ونحن في أوائل القرن الحادي والعشرين. ولكن ربما فاته، أن الفهم المادي الجدلي للتاريخ يفترض عدم النظر إلى التاريخ في حالته السكونية أو الـ(ستاتيكو)- إذا اشتغلنا على اللغة بطريقته-  كأحد أهم تجليات الصيغة النمطية لقراءة الواقع، فروسيا في سياق تناقض مصالحها مع العربدة الأمريكية، وفي ظل الحضيض الاقتصادي والأخلاقي الذي وصلت إليه الامبريالية الأمريكية ستكون أمام خيارين:

• تجذير المعركة باتجاه بنية اقتصادية – اجتماعية جديدة.. ومن باب التذكير فقط تم اختيار ستالين كأهم شخصية روسية في أحد استطلاعات الرأي الروسية قبل عام، الأمر الذي ينطوي على دلالات كبرى لدى كل من له علاقة بـ«نظرية المعرفة»، ناهيك عن الفهم المادي الجدلي، خاصةِ الأستاذ كيلة!

• أو تقاسم العالم الأمر الذي لاترضاه الامبريالية الأخرى– الأمريكية– باعتبارها رأسمالية «شايلوكية» رَبَوية، لم تعد قادرة على التعايش مع شركاء، وكل استراتيجياتها خلال العقدين الاخيرين كانت تنحصر في محاولات الاستفراد بالهيمنة، بما يخالف منطق التاريخ.
وعلاوة على ذلك فإن ما يغيب عن ذهن كيلة أو يتعمد هو تغييبه هو جملة من الوقائع والقرائن من بينها: البنية السياسية والثقافية التي تشكل الوعي الجمعي للشعوب الروسية، التي يمكن تكثيفها بـ«الثقافة السائدة تاريخياً في المشاعة الروسية» وما أنتجته التجربة الاشتراكية خلال سبعة عقود، مع سيكولوجيا المواطن المنتمي إلى دولة عظمى ورد فعله على محاولة تغييب دورها عن المشهد السياسي العالمي، وتأثير كل ذلك على النخبة صانعة القرار في الكرملين (نعم «الكرملين» وإن رأى السيد سلامة في ذلك حنيناً إلى الماضي)، ناهيك عن دور العلاقة التاريخية بين روسيا وشعوب الشرق عموماً والتي تكونت خلال قرون طويلة بعيداً عن المواجهات العسكرية المباشرة، كما هي حال هذه الشعوب والبلدان مع الغرب الذي أدخل ولايزال دول وشعوب المنطقة من دوامة إلى أخرى، وبعيداً عن المفاضلة بين رأسماليتين، أو الحديث عن المؤامرة، كما يريد الأستاذ كيلة، وكذلك التذكير أيضاً أن إحدى هاتين الرأسماليتين لها مشروع معلن وواضح وصريح بإعادة رسم خريطة المنطقة والعالم بما يتوافق مع أمنها القومي، بعكس الأخرى التي تسعى إلى الحفاظ على وحدة أراضيها لمواجهة سعي الأولى إلى ابتلاع العالم، بما فيها روسيا.
ضمن هذه الرؤية ينظر حزب الإرادة الشعبية والدكتور قدري جميل الى الدور الروسي في الأزمة السورية وتناقضاتها، التي أصبحت بمثابة ورقة عباد الشمس للتمييز بين من يمتلك الأداة المعرفية، وبين من يعتمد قراءة الواقع وفق «الفنجان المادي الجدلي»، المغلف تمويهاً بما هو أخلاقي من خلال التباكي على «الثورة»، والذي يستمد مفرادته واتهاماته من درك الصراعات الحزبية في الحركة الشيوعية السورية مرة، ومرة من بعض إعلام السلطة، ومرة من خلال محاكاة «الوعي» الشعبوي العابر لشرائح شعبية أنهكتها حالة الحرب، كعادة المثقف المأزوم الذي لايرى أبعد من أنفه.