هيئة التنسيق الوطنية... «احتكار المعارضة) خوفاً من الآخر!

هيئة التنسيق الوطنية... «احتكار المعارضة) خوفاً من الآخر!

تنفي «هيئة التنسيق الوطنية»، في تصريح رسمي لها في 5 تشرين الثاني، أي تنسيق أو اتصال مع الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير أو أمين حزب الإرادة الشعبية الرفيق قدري جميل. يجيء هذا التصريح رداً على حديث الرفيق قدري جميل عن زيارة ولقاءات قام بها مع الدكتور علي حيدر، للسيد حسن عبد العظيم قبل ذهابهما إلى موسكو.

وبعد ثلاثة أيام فقط  وتحديداً في لقاء الأستاذ حسن عبد العظيم على قناة العالم في برنامج «مع الحدث» يؤكد الأستاذ حسن عبد العظيم حصول هذه الزيارة لكنه يعتبرها زيارة وليست تنسيقاً؟!

سجالات «الهيئة» الشكلية !

إذاً من الناحية الشكلية نعم هناك «زيارة»، لكنها ليست «تنسيقاً» كما يقول عبد العظيم. لكن قدري جميل أيضاً تحدث عن زيارة وعن نقاشات سياسية ولم يتحدث عن «تنسيق». وبعيداً عن هذه التوصيفات الشكلية لما جرى سنحاول الذهاب إلى عمق الموقف، فالمتابعون للهيئة اعتادوا على جدلها في التوصيفات الشكلية، كالتمييز شكلاً لا مضموناً، بين «الحوار والتفاوض»، أو بين «التدخل العربي» و«التدخل الأجنبي»، وصولاً للمقولات الأكثر إشكالية عند «الهيئة»، كرفضها لـ«التدخل العسكري الخارجي» ورفضها لـ«الفيتو الروسي والصيني» الذي منع التدخل الخارجي، بآن معاً. طبعاً لا ننسى أن «الهيئة» لم تتحدث بشكل قطعي عن رفضها للحصار الاقتصادي الذي يعتبر تدخلاً خارجياً أسهم في تجويع الشعب السوري..  
وفقاً لإدعاء  هيئة التنسيق إن اختلافهم «شكلي» مع حزب الإرداة الشعبية والجبهة الشعبية، وهو مبني على مشاركة الجبهة في الحكومة، فهم متقاطعون في الرؤى العامة أكثر من تقاطعاتهم مع «ائتلاف الدوحة» سواء حول التغيير الجذري الشامل أو رفض التدخل العسكري الخارجي، أي أن الخلاف على أدوات تطبيق ذلك وفقط، إذاً أين المشكلة؟
لذلك يتساءل أي متابع عقلاني اليوم عن ممارسات هيئة التنسيق وعن جدواها، فهي إن تقاطعت مع الجبهة الشعبية وحزب الإرادة الشعبية في الرؤى، لماذا تصر على رفض حضور الجبهة الشعبية لمؤتمر جينيف في طرف المعارضة؟ ولماذا يصر حقوقي ومناضل لأجل الديمقراطية كحسن عبد العظيم في احتكار صفة المعارضة وإلصاق الجبهة كيفما كان في وفد النظام؟ ولماذا تصر الهيئة على رفض أي تنسيق مع الجبهة الشعبية مقابل لهاثها الدائم للالتقاء مع «إئتلاف الدوحة»؟!

مبررات سطحية

تجيب الهيئة عن هذه التساؤلات بجوابين مختلفين:
- يقول حسن عبد العظيم إنه:«لا يعتبر حزب الإرداة الشعبية والجبهة الشعبية معارضة، طالما أنها تشارك في السلطة». لكن أي حقوقي بسيط قادر على التمييز بين مفهومي السلطة والحكومة في الظروف الحالية السورية، ويستطيع الاستنتاج أن تبرير عبد العظيم واهٍ، فالحكومة في الظرف الاستثنائي التي شاركت فيها الجبهة الشعبية جاءت في سياق الذهاب إلى حكومة وحدة وطنية، وهي نموذج تاريخي موجود في العديد من البلدان في لحظات الأزمات الكبرى، وإن موقف الإرادة الشعبية من المشاركة في الحكومة جاء بعد أكثر من عام من بداية الحراك والذي شاركت وناضلت فيه الجبهة الشعبية وحزب الإرادة بأشكال شتى دونما انقطاع لاحق.
ثم ألا يفترض اليوم أن يخفف السيد حسن عبد العظيم من دعايته حول «رفضه مشاركة الجبهة طالما هي في الحكومة» بعد إقالة د.قدري جميل من موقعه الحكومي، لكن عبد العظيم يقول بالمقابلة نفسها:«حتى لو استقالوا أو أُقيلوا فهم جزء من السلطة»! أي أن عبد العظيم يكرر موقفاً أشبه بـ«التابو» لا يريد تغيير موقفه مهما تطورت الأمور، فيما يبدي مرونة لا نظير لها في محاولاته التقارب مع «إئتلاف الدوحة»!!.
في تبرير ثانٍ لحسن عبد العظيم، ويشاطره الموقف نفسه، منذر خدام أمين سر الهئية، يقول الاثنان وبما معناه: «إنهم لا يرفضون وجود الجبهة الشعبية في المعارضة ولا يرفضون ذهابهم إلى جينيف»، لكن ما يرفضونه هو:«إقحام وفد الجبهة الشعبية ضمن وفد هئية التنسيق»!. أي لا مشكلة لـ «الهئية» بموقع الجبهة الشعبية المعارض، لكن مشكلتهم هي إقحام الجبهة في وفد هئية التنسيق. طبعاً هذا التصريح هو محض كذب وتضليل، وحتى «الهيئة» نفسها لا تجرؤ على تكراره كثيراً إلا عندما تُحشر في زاوية «احتكار تمثيل المعارضة»، ففكرة إقحام الجبهة في وفد هيئة التنسيق لم يسمع بها أحد إلا من أحاديث «الهيئة» نفسها، وذلك في الوقت الذي تؤكد فيه الجبهة الشعبية والإرادة الشعبية على تعددية المعارضة السورية ورفض توحيدها قسراً كونه لا يخدم الواقع الموضوعي.

ماوراء موقف «الهيئة»

في مقام  آخر وفي لقاء مع قناة الميادين وفي معرض سؤاله عن تحضيرات في موسكو ولقاءات مع وفود مختلفة قبل مؤتمر «جينيف 2» يقول السيد عبد العظيم: «إن أي لقاء خارج التوافق الدولي هو مرفوض.. أما إذا جاءت اللقاءات في إطار التوافق الدولي إلى جينيف فهو مقبول»!.
رغم تناقضات هذا التصريح أيضاً، إلا أن الصورة تتضح فيه أكثر، فموقف «الهئية» المنفتح على «إئتلاف الدوحة» الذي طالب طويلاً بالتدخل الخارجي، والمنغلق على الجبهة الشعبية التي رفضت على طول الخط التدخل الخارجي، لا يبرره إلا قيام «الهئية» بربط أي تسوية وأي تقارب مع أي قوى سياسية بمقدار اقتراب هذه القوى من الرعاية الدولية الخارجية- المدعومة أمريكياً على الأقل- وهي بذلك تقترب من التوصيف الأمريكي للمعارضة الذي ينحاز للمعارضات التي تطالب أكثر بالتدخل الخارجي، وهي بذلك تنطلق من العقلية التي ترى في الأوزان الخارجية أداة لعمل القوى السياسية في الداخل السوري، أي أنها من تلقاء ذاتها تنزع عن نفسها أصالتها في العمل الوطني الداخلي ونضالاته.
حقيقة، يكمن في عمق موقف عبد العظيم وهيئة التنسيق، خوف هؤلاء من قوة برنامج الجبهة الشعبية للتغيير الاقتصادي-الاجتماعي والسياسي، ذلك أن الإصرار على تمثيل الجبهة الشعبية في طرف النظام سيمنع هذا البرنامج من الظهور، في حين أن مشاركة الجبهة في جهة المعارضة ستجعل حظوظ برنامجها في النقاش والتفاوض والتحقق اللاحق أكبر بكثير، الأمر الذي لا يسر عبد العظيم وأصحابه على ما يبدو، ولا يسر العديد من فاسدي النظام أيضاً..