ملاحظات على «اللقاء المشرقي».. الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة..!

ملاحظات على «اللقاء المشرقي».. الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة..!

أثار «اللقاء المشرقي دفاعاً عن سورية»  الذي نظمه مركز «التقدم المشرقي» في يومي 5-6 تموز الجاري في بيروت جملة من المسائل القابلة للجدل، كان أهمها مفهوم «المشرقية» بحد ذاته، والذي بدا، رغم محاولة صياغة مضامين تقدمية وتحررية له، مفهوماً غير منجز بقدر ما هو ارتجالي.

بدأ المفهوم من مصطلح جيوسياسي اسمه «المشرقية» والذي قصد به جغرافياً (سورية، العراق، فلسطين، لبنان، الأردن) وانتهى بمفهوم «المشرق العربي»، ليشتمل على مضامين تحررية تقدمية كان أهمها المقاومة والتكامل الاقتصادي وما سمي «توازن الحضور في التكوينات التعددية» والديمقراطية!
ضياع المفاهيم
المشرقية وفقاً لما خلص إليه المجتمعون ضاعت بين «المشرقية» القائمة على بعد جغرافي اقتصادي قائم على مفهوم التكامل والتحرر والمقاومة، وبين «المشرقية العربية» التي تزاوج بين البعد القومي العربي والبعد المشرقي، فانتهى المفهوم من الناحية الجيوسياسية إلى طرح يشبه فكرة السورية القومية الخاصة بـ(وحدة العراق وسورية الطبيعية) وصار من الناحية الاسمية مصطلحاً قومياً عروبياً غير جديد هو مصطلح «المشرق العربي».
يؤخذ على هذا النقاش عدم انطلاقه من قضيتين جوهريتين في البحث عن المفهوم:
1- اكتفى اللقاء بنقد سريع وسطحي للمفاهيم والرؤى والطروحات السابقة كمفهوم القومية العربية أو مفهوم السورية القومية أو أطروحات بعض اليسار القومي، ويعود ذلك إلى طبيعة المشاركين والتسرع في إنجاز المفهوم. فمثلاً لم يقف المتحدثون مطولاً عند أزمة المشروع القومي العربي وحوامله الطبقية والاجتماعية التاريخية والتي قامت على حامل اقتصادي اجتماعي محدد هو «البرجوازية الصغيرة» التي ظلت محكومة بتناقضاتها، التي أنجزت  نموذج رأسمالية الدولة - الذي يؤمن جزءاً من مصالح الكادحين مع محاباة مصالح البرجوازية -، والذي تأزم لاحقاً، تحت تأثير الأزمة الشاملة للرأسمالية بنموذجها وواقعها في المراكز والأطراف على حد سواء، بحيث يستحيل الحديث الجدي عن مفهوم عام ومكرر هو «التكامل الاقتصادي» في المشرق دون تحديد المضامين الكافية والحوامل الاجتماعية لهذا التكامل. كما لم يتم الحديث جدياً في قضية العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة  كمنطلق رئيس لعملية التنمية التي سيتضمنها هذا المفهوم، بل تم الاكتفاء بإشارات عامة عن الأزمات الاقتصادية وضرورة التنمية لمصلحة الكادحين وعن دور «هام» للدولة في القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وهو ماتم طرحه سابقاً في إطار العديد من المشاريع القومية المأزومة حالياً.
2- لم يجر البحث في إطار المفهوم عن كل المحددات والشروط الموضوعية والعلمية التي تتضمنها «المشرقية» المفترضة، واكتفي بعاملين رئيسيين، الأول: إمكانية التكامل الاقتصادي بين (العراق و«سورية الطبيعية»)، بينما تقتضي الضرورة البحث عن كل العوامل الموضوعية، بما فيها من الناحية العلمية الجيواقتصادية، مثلاً، عدم استثناء كل من تركيا وإيران، تحت ذريعة سطحية تتحدث كمياً عن «ارتفاع معدل النمو الاقتصادي» فيهما، دون الحديث موضوعياً وجدياً عن مستوى تطور القوى المنتجة، إلا إذا كان الغرض من المفهوم هو إعادة اختصار مشروع الوحدة العربية- الذي فشل سابقاً- إلى وحدة المشرق العربي! والعامل الثاني: هو تداخل أزمات المنطقة مع بعضها البعض، بوصفها ساحة حرب واحدة للرأسمالية. وهنا على سبيل المثال فإن القضية الكردية لايمكن حلها إلا في إطار الفضاء الجيوسياسي المشرقي الكامل من الناحية الموضوعية، والذي يشمل بكل تأكيد إيران وتركيا إضافة للعراق وسورية.
قصور في الرؤى
في القراءة السياسية لهذا التعجل يمكن العودة إلى الأزمة السورية بوصفها حجر الزاوية في هذا المشروع وفقاً لعرابيه، وسنجد أن اللجان الخمس وصلت إلى صياغات أولية متوافق عليها في هذه المواضيع باستثناء موضوع الأزمة السورية الذي شهد تباينات حادة، حيث أن «المركز المشرقي» أرفق مع باقي الأوراق المصاغة والمتوافق عليها ورقة غير معتمدة من اللجنة المختصة تحت عنوان «خلاصة لحل الأزمة» وهي التي جرى خلاف شديد على أحد بنودها ولم تتم مناقشتها في الجلسة الختامية ماجعلها بنداً سادساً خلافياً لا توافقياً:
«إن الدولة السورية صاحبة حق وصلاحية باستعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع الوطن باستعمال قواتها الذاتية وكل قوة خلفية تؤمن بالحق السوري والوطن من أجل بناء الثقة، ويكون من المفيد أن يتاح للمعارضة الوطنية الداخلية المساحة الكافية في الإعلام الداخلي السوري لطرح أفكارها وتحشيد من يقترن بها من أجل تعزيز موقعها التفاوضي في الحوار».
وبهذا المعنى يمكن أن نفهم أن التعامل الأساسي مع مفهوم المشرقية من منظمي اللقاء عبر بوابة الأزمة السورية، إضافة إلى ضعف الحجة العلمية، وقلة المحددات الموضوعية للمشروع، والتعجل في تقديم صياغات فضفاضة، ما كان المقصود منه برمته إلا تبرير إمكانية تدخل البعض من الخارج في الصراع السوري، على الرغم من أن المطلوب اليوم هو الاستشراس في الدفاع عن محور المقاومة، وليس إقحامها في أدوار ليست من وظيفتها.
إن الحفاظ على المقاومة يتطلب من حلفاء سورية الوقوف إلى جانب الجيش العربي السوري عبر الدفع بالحل السياسي وليس الدفع لمزيد من عسكرة الصراع التي تزيد من انقسام الشارع السوري عمودياً، مشكلة عاملاً رئيسياً من عوامل تبرير التدخل الخارجي المضاد. فأصحاب فكرة التدخل بالأزمة عسكرياً إلى جانب الجيش العربي السوري بعد أن كثرت التدخلات الخارجية بكل أشكالها ينظرون إلى الأزمة من جانبها العسكري فقط، لابل إن البعض منهم يزاود على قدرات الجيش العربي السوري ويشكك بها عملياً من خلال هذا الطرح، في الوقت الذي يُظهر فيه الواقع أن انعدام «الحسم» لا يتعلق بأسباب عسكرية بل بأسباب سياسية محضة لايمكن حلها إلا عبر الحل السياسي، ولاسيما مع تعقد الوضع الاقتصادي وتأخر المصالحة الوطنية والتعمق الحالي في الانقسام الاجتماعي، ناهيك عن استمرار الهجوم الاعلامي والدبلوماسي.
ومع ذاك القصور في الرؤية النقدية لما سبقه وتقديم المحددات الموضوعية لذاته، يبدو أن مشروع «المشرقية» بنسخته المذكورة هو حمل خارج رحمها، وسيكون قابلاً للإجهاض، وإن استمر في بيئته الحاضنة فسيلد مسخاً، علماً بأن الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة!