إفتتاحية قاسيون: بداية اختراق جديد

إفتتاحية قاسيون: بداية اختراق جديد

توشك جولة جنيف السابعة على اختتام أعمالها، ويمكن للمتابع أن يلاحظ ببساطة عملية التقدم المستمرة على مسار الحل السياسي، من خلال مجريات هذه الجولة.

خلال الشهرين الفائتين كانت المنصات الثلاث تتباحث وجهاً لوجه، وتحاول الاتفاق على رؤية الطرف المعارض لاقتراحات المبعوث الدولي، من خلال ما أطلق عليه الاجتماعات التقنية، وتوصلت إلى توافقات في الكثير من القضايا، واتفقت على استكمال العملية لاحقاً، واجتمعت خلال هذه الجولة مع المبعوث الدولي بشكل مشترك، الأمر الذي فاجأ السيد دي مستورا نفسه، مما يؤكد إمكانية تشكيل وفد واحد، وتشكيل مثل هذا الوفد يعني الوصول إلى الخطوة التي تسبق المفاوضات المباشرة، والمفاوضات المباشرة تعني تنفيذ خريطة الطريق المتجسدة بالقرار 2254، أي أن الحل السياسي دخل في طوره الإجرائي، بعد تجاوز مرحلتي الإسقاط والحسم، ومرحلة الشروط المسبقة، ولو لم يكن للجولة غير هذه النتيجة لكان بالإمكان القول بأن العملية شهدت تقدماً ملموساً جديداً، وبالإضافة إلى ذلك، فإن بدء مناقشة سلة المبادئ الدستورية، والشروع بمناقشة كل من سلة الحكم والإرهاب، تعتبر انخراطاً ملموساً في جدول الأعمال المتفق عليه في الجولات السابقة، رغم كل محاولات اللف والدوران. كما أن إشارة المبعوث الدولي إلى ضرورة تمثيل القوى المغيبة «التمثيل الكردي»  خلال المرحلة اللاحقة، تعتبر تطوراً باتجاه استكمال عناصر العملية التفاوضية.

تشكل هذه المخرجات مجتمعة بداية اختراق جديد على طريق الحل السياسي، وتجاوزاً ملموساً للكثير من الإعاقات والعراقيل التي اعترضت طريق العملية السياسية، وبالتالي فإن التصريحات الإعلامية التي تصدر من هنا وهناك، وتحكم على الجولة بالفشل حتى قبل أن تختتم أعمالها، هي أحكام غير واقعية، وتعبر في العمق عن الموقف من الحل السياسي نفسه، ووسائل الإعلام  نفسها التي «تبشرنا» بفشل الجولة، هي ذاتها التي بشرت بالحسم والاسقاط، ولم تَصْدُق، وهي نفسها التي كانت تشكك في إحياء المسار التفاوضي، ولكن الوقائع خيبت آمالها، وهي نفسها التي أشبعت السوريين خلال سنوات الأزمة دماراً روحياً ونفسياً لا يقل خطراً عن الدمار المادي الذي حصل، وكأن السوريين محكومون بحرب لا تنتهي. إن الجولة الحالية هي الأهم منذ بدء جنيف3، ومع ذلك فإن أجهزة الإعلام الغربية والخليجية وغيرها التي كانت تطبل وتزمر خلال الجولات الماضية صمتت هذه المرة صمت القبور، بل الأنكى من ذلك، أخذت تفبرك أخباراً لا أساس حول فشل احتمال توافق منصات المعارضة، بينما الذي كان يحدث هو العكس تماماً.

يعتبر الاختراق الجديد الذي حصل في هذه الجولة، نتاجاً منطقياً لعملية أعمق وأشمل، تتجسد بازدياد وزن ودور القوى الدولية الصاعدة، وتقدم خياراتها القائمة على إطفاء بؤر التوتر، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وبالمقابل تراجع وزن قوى الحرب والفاشية على النطاق الدولي، وانكفاء خياراتها.

إن لقاء القمة بين الرئيسين الأمريكي والروسي على هامش اجتماعات مجموعة العشرين، وإقرار الرئيس الأمريكي بضرورة إجراء تعاون بناء مع روسيا في الملفات الدولية، ومنها الملف السوري، والتوقيع على اتفاق خفض التوتر في المنطقة الجنوبية، والأزمة الخليجية التي كشفت عن ترهل المنظومة الإقليمية التابعة للمركز الرأسمالي الغربي، ومخرجات آستانا، وانحسار نفوذ داعش، كلها دلائل تؤكد مرة أخرى أنه ثمة برنامج يتقدم وينتصر، وثمة برنامج يتراجع وينهزم، وإن الحل السياسي بكل ما يعنيه: من محاربة الإرهاب، وإيقاف الكارثة الإنسانية، والتغيير الوطني الديمقراطي الجذري الشامل، كقضايا متكاملة، بات أقرب.

إفتتاحية العدد 819
اغلق تحرير هذا العدد مساء يوم الجمعة 14 تموز

آخر تعديل على السبت, 15 تموز/يوليو 2017 16:35