افتتاحية قاسيون 792: المعارضة السورية... تعريف جديد

افتتاحية قاسيون 792: المعارضة السورية... تعريف جديد

اقترن العمل المعارض في العديد من دول المنطقة خلال العقدين المنصرمين، باستدعاء التدخل الخارجي، لا بل أن البعض حاول أن يفرض قبول مثل هذا التدخل، والترويج له، مقياساً وحيداً للموقف المعارض، وسعى إلى تعميم هذه المقاربة المشبوهة على بلدان المنطقة كلها بما فيها سورية.

 

ومع بدء الأزمة تم استيلاد قوى وهياكل سياسية «سورية»، من هذا النموذج المعارض، بعمليات قيصرية، لتسويقها، وفرضها على المشهد، تحضيراً لتكرار السيناريو العراقي والليبي، حيث تحولت معارضات تلك البلدان إلى شهود زور، وأدوات تبرير التدخل الخارجي، بما فيها الاحتلال المباشر.

ومن حسن الحظ، أن التجربة السورية، أطاحت بهذا التصنيف الملتبس، والتضليلي، والعبثي، وبرزت قوى معارضة تدعو إلى التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل، وفي الوقت نفسه ترفض أي شكل من أشكال التدخل الخارجي، أي أن الواقع السوري أبدع ذلك الخيار الوطني المعارض، الذي خرج من دائرة الثنائية الوهمية: إما دعم النظام، أو دعم التدخل الخارجي، وبالاستناد إلى برنامج متكامل خاص بها، ومصاغ وفق مصالح الشعب السوري، الوطنية، والاقتصادية الاجتماعية، والديمقراطية، ليعيد بذلك الاعتبار إلى مشروعية الموقف المعارض، وطبيعته، ومحتواه الحقيقي المفترض، بعد أن حاولت تلك «المعارضات» تحويله إلى موقف غير وطني، أو في أحسن الأحوال إلى مجرد صراع على السلطة، دون أي محتوى اقتصادي اجتماعي، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل كانت هناك جملة تشوهات أخرى فرضت على السوريين في هذا السياق، مثل، تقسيم المعارضة ما بين معارضة داخلية وخارجية، وجعل ذلك ستارة لإخفاء التقسيم الحقيقي، فالمعارضة في الظرف السوري، إما أنها وطنية، أو غير وطنية، وما عدا ذلك من تصنيفات، هي أداة تضليل أو تعبير عن قصور معرفي إذا أحسنّا النوايا، لا أكثر ولا أقل، مع التأكيد بأن هوية المعارضة الوطنية في سورية عموماً، تتحدد، بالوقوف ضد التدخل الخارجي، والنضال من أجل التغيير الوطني الديمقراطي الشامل، المستند إلى إرادة الشعب السوري، أولاً وأخيراً، باعتباره مصدر السلطات كلها، يضاف إليها في ظروف اليوم، وضمن الظرف السوري الخاص، والمستوى الذي وصلت إليه الأزمة، شرط آخر، يتكامل مع الشرطين السابقين، وهو: الموقف العملي من الحل السياسي، ومن الجدير بالذكر هنا، إن التردد، والمناورة، ومحاولة اللعب على التوازنات، حتى من قبل بعض قوى المعارضة، التي تعلن الموافقة على الحل السياسي، هو موقف انتهازي، ولهاث خَلْفَ مكاسب حزبية، على حساب الشعب السوري، فالظرف الناشئ، واجتماع آستانا المقرر يشكلان فرصة تاريخية أمام القوى الوطنية المبعثرة، بين قوى معارضة عديدة، ويفرضان عليها الإسراع في تجميع صفوفها، والقيام بالدور المطلوب منها، قبل أن تلفظها تطورات الأحداث خارج المشهد السياسي.   

 

وعلى كل حال، فإن كل عرقلة، أو إعاقة، للحل السياسي، وتحت أية حجة كانت، ومن أي كان، في النظام أو المعارضة، هو موقف غير وطني،  باعتبار أن هذا الحل، وبالصيغة المنصوصة عليها في القرارات الدولية، هو الطريق الوحيد للحفاظ على وحدة الدولة السورية، ومحاربة الإرهاب، وإيقاف الكارثة الإنسانية، وإنجاز التغيير المطلوب.