عجيب.. لماذا استمرت المفاوضات؟!

ما تزال كلمات دي مستورا: «المفاوضات مستمرة بمن حضر»، والتي أطلقها في مؤتمره الصحفي، الجمعة 24/4، تشكل حتى الآن صدمة ومفاجئة للكثيرين. وليس غريباً أن وكالات إعلامية عديدة أسقطت هذه العبارة من تصريحات دي مستورا، أو أنها لم تولها الأهمية الكافية، لأنّ تصريحاً من هذا النوع يحدث جلبة كبيرة في منظومة الأفكار الجاهزة التي يتم من خلالها التعاطي مع الأزمة السورية.كان «الطبيعي» بالنسبة لوسائل الإعلام، ولسياسيين كثر من مشارب وجهات مختلفة، أن تسير الأمور وفق الخط المرسوم والمعتاد: وفد الرياض علّق مشاركته، بالتالي فإنّ النتيجة «الطبيعية» هي تعليق المفاوضات وربما فشلها كلياً، ولكن أن تستمر، و«بمن حضر»! فهذا «العجب العجاب» الخارج عن حسابات وتوقعات الكثيرين..

حقيقة الأمر أنّ ما جرى ليس عجباً ولا عجاباً، بل هو الشيء الطبيعي حقاً، فمنذ ما قبل انطلاق جنيف3 والروس يتحدثون عن عمليات دخول وتجميع سلاح ومقاتلين في ريف حلب، بما يعني أنّ التصعيد العسكري الذي جرى قبل وأثناء انطلاق المفاوضات، والذي استخدم في حينه ذريعة استند إليها بعض أطراف وفد الرياض لتعليق مشاركتهم، هذا التصعيد كان متوقعاً، وتم الرد عليه وتأريضه سريعاً.

وإنّ استمرار مؤتمر جنيف3 رغم عمليات التصعيد المدفوعة إقليمياً، وتعميد المفاوضات باتفاق لافروف- كيري الواضح والمعلن بأن: (المفاوضات ستستمر حتى النهاية، الجسم الانتقالي في الشهر السادس، الدستور في الشهر السابع)، إنّ هذا الاستمرار يعني بشكل واضح ما يلي:

أولاً: إن محاولات التعطيل والتصعيد، ورغم أن من يتحمل مسؤوليتها المباشرة هم المتشددون السوريون بمختلف أنواعهم، والموجودين ضمن المفاوضات السورية، إلّا أنها تأتي تناغماً وتساوقاً مع دول إقليمية، خاصة تلك التي كانت تضمر أن يجري جنيف على وقع تقدم عسكري لمسلحين مرتبطين بها، وتحديداً «النصرة». وتقدم كهذا، أو قرار بمحاولة إحداث هكذا تقدم، لا تتم دون دعم إقليمي، ودون ضوء أخضر من التيار الفاشي العالمي.

ثانياً: ما جرى فعلياً، هو أنّ الهجوم المقرر تم إفشاله، وكان المطلوب منه إعاقة المفاوضات، وحتى إفشالها إن أمكن، ولكن هذا وذاك غير مسموح بهما دولياً.

 بالمحصلة، فإنّ السر وراء استمرار المفاوضات، هو أنّ مستوى التوافق الدولي (الروسي- الأمريكي) أعلى بكثير من أن ترتقي إليه مواقف الدول الإقليمية، منفردة، وبمجموعها، وهو ما دفع اللاعبين الكبيرين إلى متابعة عملية تقليم أظافر الإقليميين، وصولاً إلى تكسير عظامهم ورؤوسهم العنيدة ولكن الهشة، هذه العملية التي بدت واضحة على لسان دي مستورا حين قال: «مستمرة وبمن حضر»، وبكلام آخر فمن يضع شروط اللعبة الدولية لن يسمح للإقليميين بخرقها بعد الآن.

آخر تعديل على الأحد, 24 نيسان/أبريل 2016 21:52