د.جميل: روسيا تدافع عن الحضارة البشرية.. والشعب السوري ليس رهينة بيد السياسيين

د.جميل: روسيا تدافع عن الحضارة البشرية.. والشعب السوري ليس رهينة بيد السياسيين

بدعوة من وكالة «ريا نوفوستي» للأنباء، عقد الدكتور قدري جميل عضو قيادة جبهة التغيير والتحرير، وممثلها في مؤتمر جنيف، أمين حزب الإرادة الشعبية، مؤتمراً صحفياً يوم الإثنين 28\3\2016 في العاصمة الروسية موسكو، وذلك بحضور ممثلي العديد من وسائل الإعلام الروسية والأجنبية، وننشر فيما يلي المداخلة التي قدمها د. جميل في مستهل المؤتمر الصحفي.

اليوم جعبتي مليئة بالأفكار والمواد التي أريد أن أتقاسمها معكم، قبل كل شيء، أريد أن أذكّر بما قلناه سابقاً، موقفنا في حزب الإرادة الشعبية وجبهة التغيير والتحرير هو، أن داعش هي الأداة التنفيذية لفكرتين ظهرتا في العقد الماضي، الفوضى الخلاقة، وصراع الحضارات، هذا أولاً. ثانيا: داعش هي الفاشية بعينها في الظروف الجديدة، والفاشية تعريفاً هي شكل من أشكال السلوك الأكثر رجعية ودموية في ظل أزمة الرأسمالية تاريخياً، هاتان حقيقتان، أي أن داعش كأية فاشية هي تهديد للإنسانية، وخطر على البشر من كل الأنواع والأجناس والأديان، ما جرى البارحة في تدمر له معنى عميق في التاريخ، عندما ستدرس هذه اللحظة سيقال أن شعبنا بالتحالف مع الشرق، الذي تقف على رأسه روسيا، أوقف خطر المد الفاشي الداعشي، تدمر هي معلم من معالم التاريخ الإنساني والحضارة الإنسانية، عمرها آلاف السنين، وأعتقد أن لهذه اللحظة مغزاها التاريخي العميق، لا أعلم من الناحية العسكرية ما هي أهمية الهزيمة التي تعرضت لها داعش في تدمر، هذا الموضوع العسكريون سيتكفلون به، ولكنني متأكد أن لها معنى كبيراً، ولكن منذ بدء العملية العسكرية في سورية أوقف تقدم داعش، الذي كان يهدد بنيان وبنية الدولة السورية ووجود سورية، والآن نشهد تراجع وانحسار دور هذه الفاشية الجديدة في منطقتنا، الخطر على الإنسانية كان كبيراً جداً لو استطاعت داعش أن تستوطن في سورية والعراق، وكان هذا الموضوع قاب قوسين أو أدنى من أن يحصل، ولو حصل لكان التاريخ الإنساني سيدخل في حقبة جديدة ظلماء، لذلك روسيا في سورية تدافع عن الحضارة البشرية بكل مكوناتها الإسلامية والمسيحية وغيرها، كما فعلت في القرن العشرين بقتالها ضد الفاشية الصفراء الهتلرية وأخواتها، أقولها واعياً، الدور الروسي كان حاسماً فيما نراه اليوم من تطور وأحداث تتسارع، أعيد وأكرر، في نهاية المطاف في الحرب العالمية الثانية في النضال ضد الفاشية كان هنالك لحظة اسمها النورماندي، هذه اللحظة شهدت التحالف الفعلي وليس الكلامي بين الشرق والغرب ضد الخطر الداهم، أعتقد لقاء لافروف وكيري الأخير يمثل خطوة بهذا الاتجاه، لا أقول أن لحظة النورماندي تحققت، نحن نسير نحوها بصعوبة شديدة، فالخطر الفاشي يهدد الجميع في الشرق والغرب، وأحداث بروكسل الأخيرة أكبر شاهد على ذلك، ولكن هناك حقيقة تثبت نفسها بإصرار في الوعي الاجتماعي، ووعي السياسيين في الغرب أنه لهزيمة داعش مطلوب العمل المشترك، والتحالف ضد الإرهاب، الشرق والغرب في القرن العشرين وجدوا في أنفسهم الإرادة والقوة كي يتحالفوا مؤقتاً رغم خلافاتهم لإنهاء الخطر الداهم على البشرية، واليوم أعتقد نحن نعيش لحظة من هذا النوع، أتمنى أن نجد في السياسيين الغربيين ما يكفي من الحكمة والجرأة والإرادة، كي يستطيعوا السير في هذا الاتجاه، روسيا فعلت وتقوم بواجبها حالياً وشعوبنا في المنطقة العربية والإسلامية والمسلمين جميعاً، سيبقون شاكرين لها طويلاً، ليس مفارقة أن روسيا عملياً في وجه الخطر الفاشي الذي يرفع شعارات الإسلام كذباً، إنما تدافع عن الإسلام الحقيقي بقيمه الإنسانية التي هي جزء من القيم الإنسانية العامة، هذه الفكرة الأولى.

الجولة الثانية من جنيف

أما الفكرة الثانية، التي أريد قولها هي حول جنيف، استطعنا منذ الجولة الأولى بعد الهدنة التي سميت إيقاف الأعمال العدائية، وبعد إيصال المساعدات الإنسانية الحفاظ على الهدنة، رغم الخروقات التي لم تؤثر على اتجاه سيرها العام، واستطعنا أن نحل موضوع المساعدات الإنسانية بشكل لا بأس به، مطلوب أفضل ولكن الأمور جارية، هذا الأمر سمح للجولة الثانية من جنيف أن تبدأ، وسمح لها أن تستمر، وسمح لها أن تنتهي في حينها دون انقطاع، البعض كان يتوقع عطفاً على الجولة الأولى أن تنتهي هذه الجولة بسرعة، بعد عدة أيام.. حتى البعض من الوفود الأخرى كان يقول أننا سنعود إلى البيت بعد ثلاثة أيام، نعم كانوا يقولونها وأقصد هنا الجميع، ربما معهم حق من ناحية ما، كونهم يقيسون ذلك على التجارب السابقة، ولكن ما حصل أن الجولة الثانية استمرت حتى يوم نهايتها الرسمي، هذا بحد ذاته تقدم في ظروف الأزمة السورية المعقدة، ما أريد أن ألفت الانتباه له، الحياة دائماً تفاجئنا، استطعنا أن نحل مشكلة وقف إطلاق النار والأعمال العدائية، واستطعنا أن نحل مشكلة المساعدات الإنسانية، بمعنى أننا بدأنا السير بهذا الاتجاه.
ليس بالرصاص وحده يموت الإنسان

 وقد ظهرت مشكلة كبيرة وحقيقية أمامنا اليوم، تضاف إلى المشاكل السابقة فتعرقل كل شيء، وهي مشكلة انهيار الوضع الاقتصادي في سورية، وانهيار صرف العملة السورية، ومن هنا أنبّه، هذه القضية إن لم تعالج أو تتوقف أو حتى تتراجع، فالمشكلة تتحول إلى مشكلة جوع في سورية، والجوع لا يفرق بين موال أو معارضٍ، جوع بكل ما تحمله الكلمة من معنى، عندما يكون الدولار بـ530 ليرة، واليورو بـ 600 ليرة، وأسعار المواد الغذائية التي أفلتت من يد الدولة، وهي بيد السوق وقواه التي يتغنى بها البعض، وهذه الأسعار «تطير» الآن، أسرع من سرعة «طيران» سعر صرف الليرة السورية، أعتقد أنكم تفهمون ما أقوله، الناس في سورية يتألمون ويصرخون من جراء الوضع الاقتصادي، وأرجو أن أستطيع نقل هذه الآلام لكم، لأنها ليست بجديدة، بل لأنها أصبحت كبيرة وعميقة ويمكن أن تعقد الوضع كثيراً،  ومن هنا أعتقد أن من مسؤوليتنا أولاً كسوريين، أن نسرع في الحل السياسي، وأنا على يقين عندما يوقع السوريون في جنيف (المعارضة والموالاة) على اتفاق، فإن سعر صرف الليرة سيتحسن جداً، ولكن هذا لا يكفي، لأنه هناك حالة الحصار الاقتصادي الشامل على سورية، وهناك موضوع عجلة الانطلاق في البناء وهذا كله يساهم في التحسين، ولذلك تحسن الوضع المعيشي للناس لن يجري بعصا سحرية وفوراً، ولكن على الأقل يجب تخفيف معاناة الناس، وهنا إلى جانب مسؤولية السوريين، هناك مسؤولية المجتمع الدولي، ونحن حملنا إلى جنيف رسائل استغاثة السوريين، حول الوضع الاقتصادي مثلما كانت ترسل رسائل الاستغاثة بخصوص المناطق المحاصرة، وجاءتنا العشرات من رسائل الاستغاثة من السوريين الذين يعيشون في المناطق غير المحاصرة، لأن سورية كلها محاصرة، وكانت هذه الرسائل تطالبنا بنقل هذا الوجع، وهذا الألم إلى الأمم المتحدة، وأن نطلب منها أن تتخذ إجراءات عاجلة، وأضع الآن هذه المسألة أمامكم، وأمام الإعلام لأنه يجب رفعها إلى المستوى الذي تستحقه، ليس بالرصاص وحده يموت الإنسان، واليوم المواطن السوري يموت في أحيانا كثيرة من الجوع، وهذه النقطة أردت أن ألفت نظركم إليها، هناك نشأت مشاكل جديدة مطلوب حلها، وهي مشاكل تنشأ خلال الحركة، حول ما جرى في جنيف 2، أولاً: أعلن أمامكم بأن وفدنا (الديمقراطيين العلمانيين) يقيّم إيجابياً جهود دي ميستورا وفريقه، وكذلك المسودة التي قدمها لنا، كأساس بغض النظر عن بعض الملاحظات لدينا حول هذه النقطة أو تلك، ولكن هذه المسودة بمبادئها العامة لا أريد القول بأنها تتطابق، ولكن تقريباً تتطابق مع الأوراق التي قدمناها له في الجولة الثانية، وهي عبارة عن ورقتين.

أداء وفد الرياض

 أريد أن أتطرق إلى تقييم أداء ممثلي المعارضة هذه المرة في جنيف لأكون صريحاً معكم، ومن ثم سأتحدث عن وفد النظام وعن بعثة الأمم المتحدة.

أداء وفد الرياض كان سيئاً جداً، وأنا أفهم أن سبب هذا السوء، ليس فقط دوره وشكل فهمه لحل الأزمة السورية، لأن وفد الرياض توقف تطور فهمه للأحداث عملياً، عند صيغة الهيئة الانتقالية، ويا ليتها تلك الهيئة الانتقالية العصرية، بمعنى ما نص عليه بيان جنيف1،  وكل أحاديث وتصريحات وفد الرياض تشير بأنهم جميعاً يفهمون مبدأ الهيئة الانتقالية، على نمط «مجلس قيادة الثورة»، التي ظهرت بعد الانقلابات العسكرية والتي كانت تصدر «البيان رقم 1» كما جرى في ستينات وسبعينات القرن الماضي، في بلداننا العربية، بينما جنيف1 عندما تحدث عن جسم انتقالي، وإن شئتم انظروا إلى النص المكتوب لجنيف 1 بالإنكليزية، يقول جسم انتقالي، والترجمة كانت خاطئة، من يقول هيئة انتقالية يتحدث عن أن النظام والمعارضة من يشكل الجسم الانتقالي، أي أنه لا أحد يستطيع أن يبلع كل هذا الجسم لوحده، ويجب أن يكون الطرفان متواجدان، بل والأعقد من هذا، بأن الطرفين يجب أن يكون هناك تراضٍ فيما بينهما، أي موافقة متبادلة حسب ما نص عليه جنيف1 حرفياً، بمعنى، إذا وضعت المعارضة حق الفيتو على أحد من النظام في الجسم الانتقالي، فإنه بالمقابل، بإمكان النظام أن يستخدم الفيتو إلى أن نصل إلى توافق، وإذا كان دور الوفد سيئاً، ليس بالضرورة لأنه هو سيء، بل لأن أحد رعاته الأساسيين، وهم الأمريكان، لا يلعبون الدور المطلوب منهم كما يجب، في تصحيح مسار عمل الوفد، وأكبر دليل على ذلك هو تصريح راتني المسؤول عن الملف السوري في الخارجية الأميركية في 26/3، والمتعلق بنهاية الجولة الثانية، وهذا التصريح، لا يعكس روح التوافق والاتفاق، وما جرى في موسكو بين لافروف وكيري بعد وقبل لقاء بوتين.

ـ ثانيا المنطق الذي تحدث عنه بيان راتني يخرج عن قرار مجلس الأمن رقم «2254» بضرورة تمثيل أطراف المعارضة كلها في جنيف، وما زال يصر على أن المعارضة هي وفد الرياض، وتحدثت عن ذلك مع أحد المبعوثين السابقين لدى الأمريكان حين سألني، لماذا لم يضغط الروس على السوريين، أيعلى النظام خلال جنيف 2 ، وأنا أجبته، لماذا يجب أن يضغطوا؟ ومن اقترحتم عليهم كشريك أو بديل؟ الشريك أو البديل الذي اقترحتموه في جنيف 2 ليس مغرياً من أجل الوصول إلى اتفاق، وأنا لو كنت في مكانهم لما ضغطت عليهم أيضاً، وهذا لأنكم أتيتم بوفد لا يمكن الاتفاق معه، ولكن لو أتيتم بالمعارضة جميعها، لكان يمكن أن يكون هناك اتفاق، لذلك أنتم من يتحمل  المسؤولية عن فشل جنيف 2 بسبب تركيبكم للمعارضة بالشكل الذي جرى وليس الروس، إذاً اليوم يتكرر عملياً من قبل راتني الموضوع نفسه الذي حدث في جنيف 2 وبإصراره على وفد الرياض، وعودوا إلى بيانه لتروا بأنه يعتبر وفد الرياض ممثل وحيد، ولا يرى أحداً آخر غيره، لذلك أعتقد بأن موقف راتني بعيد عن المسؤولية السياسية، وعن قرارات الشرعية الدولية، وبعيد أيضا عن اتفاق  لافروف وكيري.

رسالة «الديمقراطيين العلمانيين»

 يؤسفني أن أبلغكم، بأننا كمعارضين من مختلف الأطياف، لم نستطع حتى أن نتصل ببعضنا البعض، ونحن كديمقراطيين علمانيين، كُنّا قد وجهنا رسائل مكتوبة إلى وفد الرياض، وإلى وفد حكومة الجمهورية العربية السورية، وطلبنا اتصالات مباشرة غير رسمية، من أجل فتح الطريق للاتصالات المباشرة والرسمية لاحقاً.

كما قمنا بإرسال نسخة منها إلى دي ميستورا، ولكن الوفدين لم يأخذوا هذه الأوراق بعين الاعتبار ولم يصلنا منهم أي ردٍ،وفد الرياض لم يجب على الطلب – على الرغم من التسريبات التي تناولت رغبتنا بالانضمام إلى وفدهم - وهذا منافٍ للحقيقة، كذلك الأمر بما يتعلق بوفد النظام، الذي لم يستجب لهذه الطلبات علماً بأن الطلبات قد تم إرسالها إلى رؤساء الوفدين، (ووفد النظام "اتصال لاسلكي واقف"

سألت بعض أعضاء الوفد:( لقد بعثنا لرئيس الوفد رسالة «دريتوا فيها» ..؟ قالوا لا، «والله يجوز اليوم ندرى، في عَنّا اجتماع» .. ومع وفد الرياض حدث الشيء نفسه، نحنا أرسلناها باسم رئيس الوفد، رسائل من أجل اتصالات مباشرة غير رسمية، «كمان ما حدا دريان» رسائلنا تحولت إلى رسائل سرية, بين الوفود الحمد لله أنه أرسلنا نسخاً منها إلى «ديميستورا» لكي يكون شاهداً ..)

لذلك أقول أننا فشلنا حيث لا ينفع ولا يجدي ولا يفيد الفشل، حتى بوفدنا مع الأسف هناك مشكلة، علماً بأن المشكلة ليست بين مكوني موسكو والقاهرة، وإنما المشكلة هي بمكون القاهرة نفسه، ذلك نظراً لعدم الاتفاق بين أعضاء هذا المكون. يضاف إلى ذلك المشاكل اللوجستية الصغيرة الحاصلة، والتي تعيق اتفاق أعضاء كل وفد على حدة، وعدم اكتمال وفدنا بحضور الأكراد لتنفيذ الوعود التي قُطِعت لنا أيضاً، ساهم بدوره بتعطيل الوفد، لذلك إذا قلت عن وفد الرياض أن أداءه كان سلبياً وفاشلاً، ووفدنا كان معطلاً عن أداء دوره الكامل "لأنه أدينا دورنا جزئياً.  

نحو وفد موحد للمعارضة

كلامي هذا كله يفضي إلى نتيجة واحدة: إذا كان لابد لجولات جنيف الثلاثة أن تستمر- ويجب أن تستمر-  كما اقترحها دي ميستورا، ونحن ذاهبون إلى الجولة الثانية في 9 نيسان فهناك استنتاج نصل إليه ومفاده: لابد من تشكيل وفد واحد للمعارضة لحل هذه الإشكالات كلها، وأقول وأكرر بأن مصير الشعب السوري ( 20مليون إنسان) لا يجب أن يكون متعلقاً بأهواء عشرات السياسيين من هنا ومن هناك.

الشعب السوري ليس رهينة لهؤلاء السياسيين، فهو ليس رهينة بحياته ولقمته وعيشه، الشعب السوري يجب أن يكون المحرك الأساسي لسلوك هؤلاء السياسيين، والذين آن الأوان لكي يتخلوا عن تصوراتهم وأفكارهم وخططهم السابقة، والتي أصبح عمرها الآن أربع سنين، وينتقلوا إلى الواقع الحقيقي الحالي، ويصلوا إلى تفاهمات وتوافقات لحل المشكلة الكبرى.

فالمشكلة الاقتصادية، والمشكلة الإنسانية، ومشكلة الإرهاب، كلها مشاكل كبرى لا يمكن حلها اليوم وبشكل نهائي، دون حل سياسي،

والحل السياسي بدوره يحتاج إلى وفد معارضة موحد, حتى يتمكن من التفاوض مع النظام، لذلك إحدى الأولويات باعتقادي قبل بدء الجولة الثانية أو على الأقل خلالها، هو تشكيل وفد معارضة واحد.
تقييم دور وفد النظام

أنتقل إلى تقييم وفد النظام ... إذا كان دور وفد الرياض سلبياً وسيئاً، ووفدنا معطل، فإن وفد النظام كان دوره غير بناء - جاءوبخلفيته أن جنيف سيفشل، ويرغب أن يفشل، بهذه الخلفية التشاؤمية، لا يمكن السير إلى الأمام، وفد النظام مشكلته أنه لا يتمتع بأية صلاحيات دون العودة إلى المركز، وهذا يعني أن مَن أرسله يريد الإملاء وليس الحوار، في جنيف يوجد حوار, لذلك وفد النظام يجب أن يتمتع بصلاحيات لكي يستطيع أن يحاور، لأنه دون هذه الصلاحيات لن يستطيع أن يحاور.

لن أتكلم الآن عن عدم الاستجابة السريعة من قبل وفد النظام للقائنا المباشر بشكل غير رسمي، رغم أن هذه النقطة تحسب عليه أي ضده، أقول كل هذا، على أمل تذليل كل هذه العقبات في الجولة القادمة، لا أقول ذلك من أجل تسجيل نقاط على أحد، أنا مع المصارحة والمكاشفة مع الشعب السوري، لكي يضغط بدوره عبر الإعلام أيضاً على هؤلاء السياسيين، من مختلف الألوان لكي يعوا دورهم ويرتفعوا لمستوى مسؤولياتهم، هذا الذي أقصده.
حول دور دي ميستورا

كان أداؤه أفضل من أداء الوفود المشاركة، فهو يحاول أن يصل إلى حلٍ، وإلى توافقٍ، ويبذل جهداً بهذا الاتجاه (عم يدور الزوايا الحادة بين السوريين) قدم ورقة، وسماها مسودة بكل تواضع، وهي هامة جداً من 12 نقطة, يجب أن تكونوا قد أطلعتم عليها، وخلال اجتماعنا الثاني معه، قرأوا لنا هذه الورقة، ولم تكن جاهزة بترجمتها العربية النهائية، طلب رأينا فقلنا له رأينا الأولي إيجابي، سندرسها، والآن قيادة الجبهة في دمشق تدرس هذه الورقة بالتفاصيل، ونضع عليها بعض الملاحظات، هناك بعض الملاحظات، ولكن ليس حول البنية، وحول الاتجاه العام لهذه الورقة، من هنا أستطيع القول: بأن دي ميستورا ووفده عالي المهنية، وحافظ على سير العملية في جنيف، وهذا إنجاز كبير، لأن الكثير من التوقعات كانت تقول، بأن المفاوضات ستنقطع من بدايتها، علماً بأن وفد دي ميستورا كان يهدف إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن وتوصيات فيينا بكل جدية، والحفاظ على الاتفاق الروسي الأميركي، بإيقاف القتال وإيصال المساعدات الإنسانية.
ورقتان من وفد الديمقراطيين العلمانيين

نحن وفد العلمانيين الديمقراطيين، قدمنا ورقتين، وحسب أدب المفاوضات، والتعليمات التي أعطيت لنا من قبل الأمم المتحدة، لا يجوز أن نخرج هذه الأوراق إلى العلن، لأنها تؤثر على عملية التفاوض، لأن الوسيط هو الذي يقرر كيفية العمل بهذه الأوراق، لذلك لا أستطيع أن أتكلم بهذه الأوراق بتفاصيلها، ولكن أستطيع أن أتكلم بالعموم، فالورقة الأولى توقفت عند موضوع الفترة الانتقالية وأكدت على نقطتين هامتين، واللتين من الممكن أن تكونا محاولة لرأب الصدع بين الطرفين.

قلنا لـ دي ميستورا، أن هناك طرفاً يقول: بأن الفترة الانتقالية ستحكمها هيئة انتقالية، وطرفاً آخر يقول: إن هذه الفترة الانتقالية هي عبارة عن حكومة موسعة، والمشكلة أن الترجمة فيها مشكلة ،

النص الإنكليزي يقول: جسم انتقالي والنص العربي يقول هيئة انتقالية، وشتان بين ذاك وذاك، بين transition body وبين هيئة انتقالية، لذلك مطلوب الاتفاق والتوافق حول تعريف الجسم الانتقالي، لا أحد يحق له وحيداً من طرفٍ واحد أن يعرّف الجسم الانتقالي لنصل إلى توافق.

لذلك يجب أن توضع اقتراحات، ولذلك أريد أن أعتبر أن ما قيل حتى الآن، هو مجرد اقتراحات حول تعريف الجسم الانتقالي، وهي تبقى اقتراحات، إلى حين الوصول إلى توافق بين الجميع في الجولة الثانية، هذه نقطة للبحث اللاحق.

النقطة الثانية هي: الصلاحيات، نحن فضلنا أن نستخدم  تعبير (صلاحيات كافية لتنفيذ قرار مجلس الأمن)، بيان جنيف يقول حرفياً: (صلاحيات تنفيذية كاملة)، الآن المهمة الملموسة هي تنفيذ قرار مجلس الأمن، لذلك المطلوب صلاحيات كافية، والمقصود بها الضرورية لتنفيذ القرار، وهذه أيضاً تحتاج إلى اتفاق، فما هي هذه الصلاحيات الكافية للتنفيذ؟

أقترح على الجميع أن يخرج من عقليتين، الأولى: عقلية (مجالس قيادة الثورة الانقلابية)، والثانية: (عقلية الحزب القائد الاحتكارية)، ويجب أن نذهب إلى مكان ثالث، يتفق عليه الجميع بآنٍ معاً، ثم نعطي الحكم للشعب السوري في نهاية المرحلة الانتقالية  من خلال الانتخابات.

نحن مصرون أن الجمهورية السورية هي جمهورية رئاسية-برلمانية، تعددية، علمانية.

أي يجب أن لا تبقى رئاسية فقط، كما هي اليوم، وبالمقابل لسنا مقتنعين بأنه عليها أن تكون برلمانية، كما يريد البعض، فمستوى التطور السياسي الاجتماعي لا يسمح بذلك، وقد يكون هذا هدفاً بعيد المدى، ربما في الخطة الخمسية الثالثة، بعد بدء الحياة الطبيعية في سورية.. النظام البرلماني يحتاج إلى تقاليد وإلى تراكم ثقافة سياسية معينة، مع الأسف نحن فقيرون بهذه الناحية، بسبب الانخفاض المريع لمستوى الحريات السياسية، في البلاد لمدة نصف قرن، وهذا الانخفاض المريع لمستوى الحريات، أدى لظهور جيل من السياسيين، بإمكانيات متواضعة في فهم العمليات السياسية، وانتقل   تأثير ذلك على المجتمع أيضاً.

لذلك نحتاج إلى (فترة نقاهة)، إذا أردنا أن نضع النظام البرلماني كهدف، مع أنه لا ضير في أن يكون النظام رئاسياً - برلمانياً، وهي حالة قائمة في فرنسا وروسيا، وغيرها، المحدِد هو العلاقة بين الرئاسي والبرلماني، النسبة والتناسب بينهما.

هذا الجانب، لا يمكن أن يحله أحد نيابة عن السوريين، ولا يجب على أي طرف لا الروسي، ولا الأمريكي، ولا أي طرف آخر، أن يقول للسوريين ما هي تفاصيل نظامهم، فالسوريون فقط أدرى بشعاب مكة، لأنهم يعرفون البلاد بتفاصيلها المملة.
المركزية واللامركزية

نقطة أخرى ركزنا عليها، وهي: موضوع اللامركزية الإدارية الواسعة، ولكننا أوضحنا أنها حكماً تتضمن مركزية ما، حيث يجب أن يكون هناك مركز، وإلا ليس هناك أي معنى لكلمة (اللامركزية)، بلا مركز، تعني التقسيم.

المطلوب لا مركزية إدارية واسعة مع مركز له صلاحيات واضحة في السياسة الخارجية، والأمن، والدفاع، والاقتصاد بالمعنى العام، وهذا يعني وجود بلد موحد.

قوانين الإدارة المحلية الحالية في سورية، تمنح لا مركزية إدارية، واسعة، ولكن المشكلة أنها لم تطبق فعلياً، بقي دور المركز ممثلاً بأجهزته الأمنية، ساحقاً في كثير من المجالات، وفي تحديد قيادات المناطق، أي المركز عملياً وبشكل مستتر بقي يحدد، مما أعطى انطباعاً للناس، بعدم وجود اللامركزية، وهي موجودة في القوانين، ولكنها في الواقع غير موجودة.

الآن المطلوب الانتقال إلى اللامركزية على الأرض وعلى الواقع، وأنا متحمس لقانون الإدارة المحلية 2011 مع بعض التعديلات الأساسية، إذا طبقت سيصبح لدينا لا مركزية إدارية واسعة.

هناك تعديلان ضروريان برأيي أولهما: انتخاب جميع المسؤولين على مستوى الإدارات، بالمناطق، انتخاباً مباشراً، من رئيس بلدية وصولاً إلى المحافظ، يجب أن يكونوا منتخبين من قبل الشعب، والثاني متعلق بثروة المنطقة: كيفية استغلالها، وما هي حصة المنطقة منها ،. حيث لا يعقل أن منطقة مثل الحسكة، تشكل 15% من سكان سورية تقريباً، بينما لم تكن تأخذ من الثروة الهامة التي تنتج بأرضها، من نفط وقطن وقمح، إلا 2% فقط!

الحسكة بالمصطلحات الحكومية كانت تعتبر منطقة نائية، ودير الزور كذلك، لا بل حتى درعا التي لا تبعد عن دمشق أكثر من 150 كيلومتر! فما معنى منطقة نائية؟ إنه التعبير (المخفف) لمنطقة متخلفة اقتصادياً، تتطلب تنمية مكثفة، لذلك هذه المناطق كانت مشكلتها أن المركز المتخم بالصلاحيات، يبتلع كل الموارد ويعيد إليها، (شروى نقير)! بالتالي ينتج الفقر، ومستوى الدخل المنخفض، وتنمية صفر، وهذا امتد على مدى عقود، وبالنهاية يحصل انفجار اجتماعي، ثم داعش! فمن أين أتت داعش؟ إن التحاق الناس بهذا التنظيم، ما هو إلا انعكاس لمستوى اجتماعي ثقافي، سياسي محدد ..

اللامركزية قضية سياسية كبرى، ولكننا في حزبنا وجبهتنا لسنا مع الوصول باللامركزية إلى الفيدرالية، وهي التي بالنسبة لسورية قضية غير ممكنة التطبيق، تتطلب بلاداً أوسع.

اللامركزية الإدارية، مع صلاحيات حقيقية للمناطق، وليست شكلية، لتدير أمورها التنموية والثقافية والتعليمية، وأقصد ما أقول، هي صلاحيات تحل المشكلة، بينما الإفراط في صلاحيات المركز، وكبت صلاحيات الأطراف - وهي ظاهرة تتكرر في العالم- وهذا يخلق انطباعاً لدى الأطراف بأن التخلص من المركز يحقق التحرر، وسيؤدي إلى (العيش في النعيم) لأن المركز ينهبه.

لا بد من وضع رسمة جديدة، لسورية الجديدة التي نتكلم عنها، ونحن لسنا ضد الفيدرالية من حيث المبدأ، ولكننا ضدها لأنها بظروف سورية الملموسة، ستؤدي إلى إضعاف سورية، وليس إلى وحدتها، وقوتها، ولكن هذا لا يعني، أننا مع إبقاء المركز بالشكل الموجود عليه.

ما قيل سابقاً، هو رأينا كحزب إرادة شعبية وجبهة التغيير والتحرير، ولكننا لسنا كل سورية، هناك سوريون آخرون يجب أن نتناقش كلنا مع بعضنا، ليضع كل صاحب رأي حجته، ولتصطدم الحجة بالحجة، ونصل إلى توافق، ونتعلم كيفية التوافق بين آراء مختلفة، أي نتعلم صراع الآراء الذي يدفع التقدم إلى الأمام، وهو ظاهرة، صحية جداً، أفضل من صراع السلاح، الذي يؤدي إلى العودة إلى الوراء على العكس من صراع الآراء الدافع للأمام.

هذه الجوانب الجوهرية في ورقتنا الأولى التي قدمناها في 16 -3، أما الورقة الثانية التي قدمناها بالتزامن مع الورقة الرسمية للمبعوث الخاص، في 23- 3، تتحدث بالتفصيل عن المرحلة الانتقالية، مفهوم الجسم الانتقالي، صلاحياته، وشكله.  ثم عن الدستور، ومبادئه العامة، وأوضحنا فكرة أنه لا يمكن أن يقر الدستور إلا بدمشق، بعد حكومة المرحلة الانتقالية، بعد أن تشكل الحكومة لجنة الصياغة، ولكن هذا يتطلب من المجتمعين بجنيف، أن يعملوا على صياغة مبادئ عامة، وأسس تعمل وفقها لجنة الدستور لاحقاً، ونرى أنه لا مانع من الوصول إلى إعلان دستوري، يلزم الجميع، خلال الفترة القادمة.

أخيراً تحدثنا عن الانتخابات النيابية والرئاسية، برأينا الانتخابات الرئاسية، مباشرة من الشعب، على اعتبار نظام رئاسي برلماني، لسنا مع فكرة أن ينتخب الرئيس من قبل البرلمان حالياً، لأنه ضمنياً وفعلياً يتحول بذلك النظام إلى نظام برلماني.

لقد تسرب إلينا من هنا وهناك، أن البعض، اقترح هذه الفكرة، من أكثر من طرف، أي انتخاب رئيس بالبرلمان، في الجولة القادمة من الانتخابات، ونحن نعتقد أن هذا خطأ استراتيجي فظيع، وخطره يماثل خطر اللامركزية المطلقة، غير المضبوطة من قبل المركز ولا يقل عنه.

نريد انتخابات لمجلسين: مجلس شعب، ومجلس شيوخ، مجلس الشعب على أساس دائرة نسبية واحدة، لتكون سورية دائرة واحدة والانتخابات نسبية، أما مجلس الشيوخ على أساس دوائر فردية، وهي تفاصيل نتكلم عنها لاحقاً.

حول الجيش والأجهزة الأمنية، إننا نرى أن الجيش أحد أهم مؤسسات الدولة، وهو الضامن لوحدة البلاد وسلامة أراضيها، ونحن ضد تفكيكه أو إعادة هيكلته، ولكن ينبغي تحييده عن السياسة نهائياً، مع ضم جميع المسلحين الذين يلتزمون بالحل السياسي، ممن يريدون ذلك، إلى صفوف الجيش العربي السوري ،. ونرى أن تنحصر مهمته في الدفاع عن الحدود وحماية السلم الأهلي، وضمان حماية الدستور.

أما بالنسبة للأجهزة الأمنية، نحن مصرون على إعادة هيكلتها، وإعادة تحديد صلاحياتها وإلزامها بمرجعياتها وفق القوانين الناظمة الجديدة.

بالنسبة لجهاز الشرطة، نحن مع تعزيز دوره، كي يلعب دوره بحماية السلم الأهلي الداخلي، كما هو مطلوب منه في القوانين، النافذة الحالية، لا أن يكون جهازاً ضعيفاً ومهلهلاً لا دور له نهائياً، ومتحكم به من هنا أو هناك.

أخيراً أريد أن أقول لكم، نتطلع إلى الجولة القادمة بجنيف، رغم الانتقادات التي ليس المقصود منها، الإحباط أو إدخال روح التشاؤم، وإنما إزالة العقبات من أجل السير المتسارع نحو الحل المنشود، الذي قد وضع إطاره العام وجدوله الزمني بشكل دقيق،باجتماع كيري-لافروف، وأنا متأكد أنه لا يوجد أي حل آخر، والجميع سيسير في نهاية المطاف عاجلاً أم آجلاً، بهذا الاتجاه وشكراً.

آخر تعديل على الأربعاء, 30 آذار/مارس 2016 00:02