لقاء موسكو التشاوري: حوارات وسجالات جادة ومسؤولة

لقاء موسكو التشاوري: حوارات وسجالات جادة ومسؤولة

 اختتمت هذا المساء فعاليات اليوم الأول من اللقاء بين شخصيات من المعارضة السورية ووفد الحكومة السورية، وهو اليوم الثالث من مداولات اللقاء التشاوري في موسكو للحوار السوري- السوري، الذي بدأ بمداولات لشخصيات المعارضة على مدى اليومين السابقين.

واستهل مدير الحوار البرفسور فيتالي نعومكين جلسات اليوم بالترحيب بالوفد الحكومي الذي جاء برئاسة د.بشار الجعفري مندوب سورية الدائم في الأمم المتحدة، وعضوية السيد أحمد عرنوس ود.أحمد الكزبري ود.محمد خير عكام والسيدين أمجد عيسى وأسامة علي، مذكراً بجدول الأعمال الحر للقاء.

ثم قدم د.الجعفري كلمة الوفد الحكومي شكر فيها حكومة روسيا الاتحادية ومعهد الاستشراق على استضافة هذا اللقاء بهدف مناقشة آفاق إقامة حوار سوري- سوري شامل ومفتوح في دمشق، مضيفاً أن لقاء موسكو لا ينبغي أن يكون حدثاً دعائياً بل منبراً جاداً في ظل المعاناة والخسائر والتحديات التي تواجهها سورية.

ثم استعرض رؤيته لما بذلته الحكومة السورية من جهود و"إصلاحات" وتعديلات داخلياً وخارجياً خلال الأزمة، مشدداً في المقابل على سلوك المجموعات الإرهابية المسلحة بالتوازي مع التورط دول إقليمية ودولية في تأجيج الوضع السوري وتغذية الإرهاب.

وقال إن الحكومة السورية تؤكد على أنه لا يمكن تحسين الوضع الإنساني في سورية دون إعطاء الأولوية لنشوء الأزمة الإنسانية وهي الإرهاب المدعوم خارجياً ونقص التمويل والعقوبات القسرية أحادية الجانب المفروضة على سورية واستهداف المجموعات الإرهابية لقوافل المساعدات الإنسانية والسطو عليها..

وأضاف أن الحكومة السورية تنظر إلى المعارضة الوطنية كشريك في عملية الحوار السوري- السوري.

مداخلات من المعارضين

في النقاشات قال د.سمير العيطة في إن اللقاء والحوار بين الطرفين الجاري في موسكو مهم بهدف تقليص الخلافات والوصول إلى عملية تفاوضية بضمانات دولية، مشيراً إلى أن الجانبين تفاعلا مع الجهود الروسية أملاً في درء الكارثة في سورية.

وأضاف أن السيادة السورية تنتهكها "إسرائيل" (جنوباً) وقوات التحالف (شمالاً)، مشيراً من ناحية أخرى إلى أهمية إيجاد آلية لحل مسألة المعتقلين، وآلية أخرى لتوضيح الالتباسات في بيان جنيف1، وأن موسكو ليست بديلاً عن جنيف بل إنضاجاً له.

بدوره قال السيد جمال سليمان إن الأساس في حل الأزمة هو التغيير الديمقراطي الجذري والعميق وليس عبر قوانين مجتزأة واستفتاءات في أجواء قمعية، مضيفاً أن الصراع العنفي الذي بدأته السلطة هو الذي ولّد الإرهاب الذي تنبغي مواجهته اليوم بضرورة اتحاد القوى الوطنية.

د.قدري جميل:

أما د.قدري جميل فقد جدد الشكر لروسيا على استضافة هذا اللقاء مؤكداً على أن هذا واجب لأنه لولا المواقف المتتالية من روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي لكانت السيادة السورية "في خبر كان" اليوم.

وأضاف أن لقاء موسكو يمكن أن يتحول إلى نقطة تحول تاريخية في حل الأزمة السورية وهو اللقاء المباشر الأول من نوعه بين المعارضة والنظام في حوار مباشر، مشدداً على ضرورة الاستفادة من هذه الفرصة وعدم تضييعها هي الأخرى.

وقال إن الحوار هو ضرورة سورية قبل كل شيء مشيراً إلى ضرورة تقديم تنازلات متبادلة ولو كانت مؤلمة ووجوب إيجاد قواسم مشتركة بين الطرفين من أجل حل المهام الكبرى وفي مقدمتها الكارثة الإنسانية التي لا يمكن الانتظار لحلها، ومواجهة الإرهاب الخارجي الذي له جذور في الداخل وتوحيد جهود السوريين في هذا الاتجاه، وإحداث التغييرات الجذرية المطلوبة في بنية البلاد سياسياً واقتصادياً اجتماعياً وديمقراطياً، وهذه المهام بمجملها تجري عبر حل سياسي يكون مركز الثقل فيه ليس الحلول المستندة إلى العنف وإنما الحوار بما يغير الاصطفافات بما يخلق الظروف الموضوعية لانتصار السوريين وجيشهم على الإرهاب الخارجي.

وأوضح د.جميل أن بيان جنيف1 هو الوثيقة الوحيدة الموجودة لفتح حوار سوري- سوري، مشيراً إلى ضرورة تطوير هذا البيان ليلحظ مسألة مكافحة الإرهاب وضرورة إشراك المجتمع الدولي في مواجهته.

كما قال إن المطلوب "فتح الدمامل" الخاصة بتفسير مدلولات مقولة الهيئة الانتقالية الواردة في بيان جنيف1، وما إذا كانت تعني رحيل الرئيس كما يفسرها البعض أو حكومة موسعة كما يرى البعض الآخر، مشيراً إلى أن حل التباين سورياً يمكن تحويله أداة لحل الأزمة.

وحذر من أن المطلوب من السوريين أن يحل السوريون مشاكلهم وإلا سيأتي من يحلها نيابة عنهم، مشيراً إلى أن انعقاد لقاء موسكو بعد فشل جنيف2 فتح بصيص أمل أمام السوريين الذين سيلعنوننا- معارضة ونظاماً- إذا لم نستفد من هذه الفرصة ولم نتقدم من خلالها خطوة للأمام، فالمشكلة هي أن تكون سورية أو لا تكون وأن الشعب يريد الخلاص وانتهاء الأزمة.

بدوره قال صالح مسلم إن الحديث عن سورية والوطن له شجون ولكن ثمة حقائق ينبغي إدراكها من بينها أن سورية أرض للأطماع والمؤامرات منذ زمن طويل وأن الأخطاء البنيوية الداخلية هي مسؤولية من يحكم البلاد، قائلاً إن المستمع لكلمة د.الجعفري يشعر وكأن سورية هي جنة على الأرض وهي بلا أخطاء ومعرضة لمؤامرة خارجية فقط..!

وأضاف إذا كان كل من حمل السلاح خارج إطار الدولة إرهابي فمعنى هذا أن من انتصر في كوباني بالأمس إرهابيون، مضيفاً أن المطلوب خلق سورية دولة ديمقراطية تعددية لا مركزية يتمتع فيها السوريون بكل حقوقهم.

واكتفى صفوان عكاش بالإشارة إلى أن إمكانية قيام حل سوري- سوري كانت قائمة في بداية الأزمة ولكن ليس اليوم في ظل التطورات التي طرأت على المشهد السوري معرباً عن ترحيبه بالجهود الروسية الجارية اليوم لإعادة إطلاق الحل، ومستشهداً باجتماع القاهرة الأخير وبيانه.

أما د.مازن مغربية فقد أعرب عن استغرابه لكلام د.الجعفري حول الإصلاحات التجميلية التي قام بها النظام حسب تعبير مغربية، متسائلاً عن إغفال الحديث عن إرهاب الذي تمارسه السلطة مع عدم وضع إشارة مساواة بينه وبين إرهاب التكفيريين الذي لن يقضي عليه سوى الحل السياسي.

وانتقد مغربية تكرار الحكومة للحديث عن الإرهاب أولاً وثانياً وثالثاً مع تجاهل حقوق المواطنين، متسائلاً عن مصير المعتقلين في سورية وهل هم في نزهة مثلاً؟

وأضاف نستطيع في موسكو الوصول إلى توافقات للذهاب إلى جنيف3، مشيراً إلى أن النظام في سورية هو أحد كبار المسؤولين عن تدويل الأزمة السورية.

من جانبه قال فاتح جاموس إن موسكو هو دعوة للحوار حول كيفية معالجة الأزمة ومستوى الانقسام السوري، مشيراً إلى حدوث مستجدات في سورية بعد جنيف، قائلاً إن الخطر اليوم هو الجبهة الفاشية وإن هناك ملفات يمكن العمل عليها بشكل مشترك بين الجانبين منها معالجة آثار الكارثة الإنسانية على الشعب السوري وإقامة عملية سياسية وعلاقة جديدة بين السلطة السياسية والدولة بشكل جدي وتدريجي.

الجلستين الثانية والرابعة

وفي مستهل الجلسة الثانية أشار المنسق الروسي للحوار في موسكو إلى أن ما يجري اليوم في موسكو هو لقاءً تشاورياً وليس تفاوضاً، موضحاً أن الجهد الروسي يقوم على عدم التدخل في هذا الحوار الذي نأمل أن يمهد لجنيف3.

وكان من بين المتحدثين في تلك الجلسة د.يوسف سلمان الذي قال إنه من المطلوب البحث في طبيعة النظام السياسي والاقتصادي الاجتماعي والديمقراطي الذي ننشده لسورية في المستقبل، مشدداً على أهمية فصل السلطات وعدم تحول الحكم إلى ملكية لسلطة الدولة.

وبعد الجلسة الثالثة التي تضمنت كلمة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى المجتمعين في مبنى دار الضيافة الأولى التابع لوزارة الخارجية، والتي نشرنا خبراً عنها، استؤنف اللقاء بجلسة رابعة بعد الغداء أعطي الكلام في بدايتها للدكتور الجعفري مجدداً الذي طالب بوقت موسع للتوضيح وليس للرد حسب تعبيره.

وقال إن "إسرائيل" عامل مهم في الخريطة والمشهد السياسي الإقليمي والسوري ولذلك لا ينبغي إغفال الدور الإسرائيلي والأمريكي والتركي والقطري والسعودي في تصعيد الأزمة السورية، قائلاً إنه لم يسمع أحداً- ربما باستثناء شخص واحد- من الحضور أتى على ذكر ذلك.

كما قال إنه لاينبغي الحديث عن الشرعية الدولية أو المجتمع الدولي الذي تتحكم به الولايات المتحدة مطالباً بالوقت ذاته بعد استخدام مصطلح الأقليات لأن في سورية مواطنون سوريون وكذلك مصطلح النظام لأنه يعني الطغمة الحاكمة وهو مصطلح غربي استفزازي، قائلاً إنه هناك في سورية أخطاء ومشاكل ينبغي إصلاحها و"لكننا لسنا الوحيدين" في ذلك.

وأضاف أن الضمانات لإجراء حوار في دمشق موجودة، في حين أن التشاور ممكن في أي مكان آخر بما فيه موسكو مثلاً، مستغرباً من الحضور إنكارهم للإرهاب الذي يشمل كل من حمل السلاح خارج إطار الدولة أو ضدها، مضيفاً أن من حمل السلاح في عين العرب بمواجهة داعش ليس إرهابياً.

وقال من لديه قوائم بأسماء المعتقلين فليقدمها، موضحاً في مسألة أخرى أن الانفتاح على تركيا من الحكومة كان خطاً دفعت البلاد ثمنه، لأن تركيا كانت تستغل تكتيكياً هذا التوجه الاستراتيجي لدينا.          

وبينما ذكّر عدد من الحضور السيد الجعفري بأنهم أتوا في كلماتهم على ذكر "إسرائيل"، أعرب صالح مسلم عن استغرابه تبسيط الأمور في حديث الحكومة، داعياً إياها إلى الاعتراف بالأخطاء السابقة وبإعلان نواياها للمرحلة القادمة أمام الناس، في حين قالت رندة قسيس إنه لن يستكمل بناء الهوية السورية قبل إلغاء كل أشكال التمييز بين المواطنين السوريين.

بدوره أوضح د.قدري جميل إن كل الذين قدموا إلى موسكو من طرف المعارضة هم مع الحل السياسي والرافضين لهذا الحل لم يأتوا، وأن الجميع في القاعة هم ضد التدخل الخارجي بكل أشكاله، ولا داع لأن يدينوا "إسرائيل" وكأنها لازمة يستهل بها أي حديث، وأنه من غير اللائق الغمز من قناة الشخصيات المعارضة بهذا الأمر وكأن غالبيتهم غير معروفين بعدائهم لإسرائيل مسبقاً.

وقال إن المجتمع الدولي الذي توجد فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها توجد فيه أيضاً أصدقاء سورية، روسيا والصين، وأضاف أن هناك مشكلة في طريقة فهم الأزمة السورية وتناولها فالمشكلة أكبر وأعمق، وأن مسألة الضمانات ليست شخصية وإنما المقصود الضمانات العامة لتنفيذ أي اتفاق لاحقاً، وأن بناء جسور الثقة ضعيفة المستوى حالياً بين الجانبين تحتاج إلى لغة ومنطق وروح آخرين بهدف الوصول إلى اتفاق جدي ينتظره السوريون.

هذا وستستأنف جلسات الحوار بجلسة أو جلستين ختاميتين يوم الخميس عند الحادية عشرة بالتوقيت المحلي للعاصمة الروسية.