مبادرة بوتين الموصوفة بـ«المعجزة» بدأت بشق طريقها على أرض الواقع

مبادرة بوتين الموصوفة بـ«المعجزة» بدأت بشق طريقها على أرض الواقع

أجرت إذاعة «شامFM» مساء السبت 19/9/2015 حواراً مباشراً مع د.قدري جميل، أمين حزب الإرادة الشعبية، وعضو قيادة جبهة التغيير والتحرير، تناول آخر تطورات المشهد السياسي في سورية، ولاسيما استمرار الجهود الروسية باتجاه تقريب الحل السياسي للأزمة السورية، والتداعي في مواقف التشدد الأمريكية المرتبطة بذلك.

اليوم التقيتم بمخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي وبحثتم تطورات الأوضاع في سورية، وقالت وزارة الخارجية الروسية أن المباحثات بينكما تركزت على مهام التصدي لمخاطر الإرهاب المتمثلة في تنظيم داعش، والتسوية السياسية للأزمة في أقرب وقت، ما ملامح الجهود الروسية الأخيرة، خاصة في ظل الحديث عن تفاهمات جديدة وضمانات حصلت عليها موسكو من دمشق، وأيضاً مبادرة الرئيس بوتين التي ستطرح أواخر الشهر الجاري على الملأ الدولي؟

الآن أستطيع أن أقول، كما يعلم الجميع، أن مبادرة الرئيس بوتين التي أعلن عنها أول مرة خلال لقاء السيد الوزير وليد المعلم، والتي سماها بالمعجزة، بدأت بشق طريقها الواقعي على الأرض. الأمريكيون الذين كانوا عملياً يعلنون محاربة داعش منذ أكثر من عام، ولم نشهد على الأرض إلا تمدد هذا التنظيم، وبعد الموقف الروسي الحازم والمصر على محاربة جدية لهذا التنظيم، أصبحوا أكثر واقعيةً، وأصبحوا قابلين للحديث حول إمكانية محاربة الإرهاب بشكل مشترك. وكما فهمتم من اللقاء مع وزارة الخارجية الروسية فإن عملية مكافحة الإرهاب تسير بشكل متوازٍ مع العملية السياسية التي يجب أن تنطلق بسورية.


كيف تقرأ د.قدري هذه الانعطافة والتصريح الأمريكي اليوم، هل هناك برأيك، وأنت الموجود في موسكو، أيدٍ روسية خفية دفعت الأمريكيين اليوم لقول ذلك؟

أعتقد أن الكلام عن أيد خفية هو كلام لا أساس له. الأمريكيون عملياً كانوا يسيرون بتحالف دولي خارج عن إطار الشرعية الدولية، ولم يحقق أية نتائج على الأرض. الروس مهتمون جداً بعدم السماح لداعش بالتمدد، وقد قدموا اقتراحاً عملياً بأن يجري تحالف دولي تحت رعاية الشرعية الدولية عبر مجلس الأمن. الأمريكيون كانوا قد رفضوا ذلك حتى الآن، وفي إطار ذلك كان الروس مستعدين، إذا طلبت الحكومة السورية، أن يقدموا مساعدة للقضاء على «داعش». إذاً، بات الأمريكيون أمام خيارين: إما الذهاب إلى تحالف دولي جديد من أجل مكافحة داعش، وإما سيقوم أحد ما، الروس وحلفاؤهم، بهذه العملية على الأرض. وبالتالي كل المصداقية الأمريكية والجدية التي يتبجحون بها في محاربة داعش باتت في مهب الريح. والأحسن بالنسبة لهم أن يجدوا طريقة للتفاهم مع الروس حول هذا الموضوع، وهو ما جرى. الوقائع على الأرض تدفعني للقول إن «العين الحمراء» التي أظهرها الروس، إن كان فيما يخص بالملف السوري، وإن كان فيما يخص بمحاربة داعش- لأن داعش لا يشكل خطراً على سورية فقط، وإنما على المنطقة كلها، وضد روسيا تحديداً، أي بما فيها روسيا، لأنه إذا استطاعت داعش التمدد والتمترس في سورية والعراق، فإن خطرها عابر للحدود ولا يعلم إلا الله أين سيقف هذا الخطر، ومن هنا ضرورة إيقافه في سورية والعراق، وكان التأخير في هذه العملية ضار جداً بالنسبة للأمن الإقليمي والأمن العالمي، لذلك الأمريكيون مضطرون لأن يذهبوا إلى هذا التفاهم الذي ترون ملامحه الآن.


د.قدري، عندما يذهب الروس اليوم إلى مجلس الأمن بمبادرة يطرحها بوتين على الملأ، بمعرفته المسبقة بالموافقة على هذا الاقتراح، ماذا تغير اليوم حتى تنضج مناخات هذا الحل، وحسب تعبيرك أن تتحول المعجزة الروسية إلى أمر واقع؟

الذي تغير فقط لاغير هو أن الروس قد عبروا صراحة: إذا لم تعملوا معنا على هذا الموضوع، سوف نضطر إلى القيام بذلك بشكل منفرد. لذلك اضطر الجميع لأن يلتحق بالمركب. هذا الذي جرى بكل بساطة. لا أعتقد أنه يجب تعقيد الأمور، فهي واضحة وبسيطة. الروس سيحاربون داعش حتى لو كانوا لوحدهم، لأنها خطر على المنطقة وعليهم في نهاية المطاف..


ألا تعتقد د.قدري أن الروسي اليوم في مكان ما يعمل وحيداً، بشكل أو بآخر، هناك ضجة كبيرة أثيرت مؤخراً حول هذا التصعيد الروسي في سورية، ويقال اليوم لماذا الآن كل هذا الوجود العسكري الروسي وكل هذه الضجة التي واكبته، ونحن لسنا نتحدث فقط في إطار اتفاقيات روسية- سورية قديمة، يبدو أن الأمر يتعدى ذلك؟

الحديث عن الوجود العسكري الروسي، هو حديث إعلامي بالدرجة الأولى، فالوجود العسكري الروسي لم يتعد حسب اعتقادي الوجود الذي كان قائماً سابقاً، ولكنهم أعلنوا بصراحة أنهم مستعدين أن يزيدوا هذا الوجود، وأن يقوموا بالمطلوب منهم في مواجهة داعش، لذلك وضعوا الأمريكيين في الزاوية، فهؤلاء لم يتوقعوا أن يكون الموقف الروسي بهذه الجدية، كانوا يعتقدون بأن كلام الروس سوف يبقى كلاماً، ولكن هذا الكلام عندما أصبح قريباً من التطبيق على أرض الواقع، وأصبح عليهم أن يأخذوا موقفاً، وإلا مش القطار بدونهم، وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة إلى مصداقيتهم، وبالنسبة للموقف منهم علنياً. والوزن الأمريكي بشكل عام يتناقص، وإذا كانوا يريدونه أن يتناقص أكثر وبسرعة أكبر، كان عليهم ألا يستجيبوا للاقتراح الروسي، حتى لو أنهم تفاعلوا مع الاقتراح الروسي لأنهم سيحافظون في هذا الشكل على ما تبقى من جديتهم عند بعض حلفائهم وأصدقائهم، لأن كل الحديث الإعلامي الذي جرى بالمبالغة حول الوجود الروسي في سورية، إذا انتبهتم، لم يؤيده أحد فعلياً من حلفاء أمريكا وأصدقائها، في أوروبا والخليج  والسعودية. هذه الحملة الإعلامية الكبيرة، التي أرادت عملياً أن تخلط الحابل بالنابل وتخيف الروس، لم تزيدهم إلا تصميماً وإصراراً على تنفيذ الهدف الذي أعلنوه لمحاربة الإرهاب في المنطقة.


يعني نفهم منك دكتور، ونفهم خاصة اليوم من الاتصال لمدة ساعة تقريباً بين وزيري الدفاع الروسي والأمريكي، هل نحن أمام تحالف جديد روسي-أمريكي يشرك السوري لأول مرة في الحرب على الإرهاب؟

أعتقد أن اقتراح بوتين واضح، وهو تحالف إقليمي ودولي تحت مظلة الشرعية الدولية. الروس والأمريكيون يجب أن يكونوا موجودين حتماً، وسورية حتماً ستكون موجودة ضمنه. الروس والأمريكيون يمكن أن يلعبوا دوراً مهماً وأساسياً، ولكن ليس لوحدهم، بل الدول كلها التي لها علاقة بهذا الملف، يجب أن تشارك في محاربة الإرهاب.


د.قدري، في سياق آخر، وبعيداً عن الحديث عن التحالفات، كان هناك حديث عن جملة من الضمانات التي حصلت عليها موسكو من دمشق في الفترة الأخيرة، يقال هنا في دمشق ويحكى مؤخراً وكثيراً عن حكومة جديدة، حكومة شراكة اقترحتها روسيا، ودائماً يطرح اسم قدري جميل، أن الحكومة ستكون برئاسته؟

أعتقد أن هذه مجرد إشاعات، إعلامية ولا أساس لها من الصحة، الروس ملتزمون ببيان جنيف1، واعتقد النقاش يجب أن يبدأ بين النظام والمعارضة حول تنفيذ جنيف1، بكل بنوده، وحسب ما يتم الاتفاق عليه يجري التنفيذ على أساس بيان جنيف1، فهو الأساس للتوافق الدولي الذي سيسمح بمحاربة الإرهاب والانتصار عليه ودحره، مما سيسمح للعملية السياسية أن تبدأ في سورية، كي يقرر السوريون مصيرهم بأنفسهم، ونظامهم السياسي وقيادتهم.


يجري اليوم أيضاً في العاصمة الروسية، التحضير لمؤتمر موسكو3، هل لديكم تحديد موعد لإنعقاد هذا المؤتمر، وهل تتوقع أيضاً– بعيداً عن الأسماء– أن يسفر هذا الاجتماع الجديد، وهذه المشاورات الجديدة، في العاصمة الروسية عن حكومة جديدة؟ تضم شخصيات من النظام والمعارضة؟

أنا شخصياً، وكممثل لجبهة التغيير والتحرير، وكأمين لحزب الإرادة الشعبية، لم أسمع بأية تحضيرات حتى هذه اللحظة لموسكو3. الذي أسمع عنه هو التحضيرات لجنيف3، ونحن وفد لجنة متابعة نداء موسكو2 سوف نذهب بعد 48 ساعة إلى جنيف، لمقابلة دي ميستورا. لذلك، فالحديث اليوم هو جنيف3. ونحن كان لدينا موقف من موسكو3 تحدثنا فيه مع لافروف، واتفقت فيه وجهات نظرنا أنه إذا كانت ظروف جنيف3 قد نضجت فلن يكون هناك حاجة لموسكو3. أما إذا تعرقل موضوع جنيف3 فسنبحث موضوع موسكو3. من هذه الزاوية أعتقد عملياً على الأرض، ليس هنالك وضوح حول إمكانية انعقاد موسكو3، إلا إن كانت هنالك ضرورة له. لذلك، كل الكلام الذي يقال عن موسكو3 والتحضير له، هو مجرد رغبات لدى البعض الذين يعتقدون أن جنيف3 ليس جاهزاً في المستقبل القريب المنظور.


د.قدري تقول أنكم ستذهبون إلى جنيف خلال ساعات، تتحدث فقط كحزبكم أم أن هناك وفوداً أخرى من المعارضة؟

أنا قلت، بأننا سنذهب كلجنة متابعة للنداء الذي وجهناه إلى السيد بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، باسم أكثرية المعارضين المشاركين في موسكو2، والذي طالبنا في هذا النداء بالإسراع بعقد جنيف3، لتنفيذ بيان جنيف1، وطالبنا بتعديل تشكيل وفد المعارضة خلافاً لما كان عليه الأمر في جنيف2، والذي كان أحد أسباب فشل جنيف2، فشكلنا لجنة متابعة لهذا النداء وسنقابل دي ميستورا لنتباحث حول آفاق هذه العملية.