في شهر مكافحة سرطان الثدي: لنعالج السبب وليس النتيجة!
مروى صعب مروى صعب

في شهر مكافحة سرطان الثدي: لنعالج السبب وليس النتيجة!

يعتبر شهر تشرين الأول هو شهر مكافحة سرطان الثدي في العالم، ويخصص للتوعية من مسببات سرطان الثدي، وللفحص المبكر، وكيفية العلاج. وتقوم منظمة الصحة العالمية والعديد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية بتخصيص العديد من النشاطات في هذا الشهر، مثل فحص شبه مجاني أو مجاني، أو التأكيد على ضرورة اتباع نظام صحي جيد وغيرها. 

ولقد حمل عام 2018 ما يقارب مليون وثمانمئة حالة سرطان جديدة و9 ملايين و600 ألف حالة وفاة من السرطان. وكان لسرطان الرئة النسبة الأكبر من حالات الإصابة والوفاة، يليه سرطان الثدي، وهذه النسب الأعلى بما يخص كلا الجنسين. وحسب الإحصاءات، يعتبر سرطان الثدي هو الأعلى عند النساء في كل من الولايات المتحدة الأمريكية، أوروبا، وبعض دول العالم الثالث، مثل لبنان.

مسببات السرطان

تختلف محددات السرطان من زاوية علمية إلى أخرى، وهناك رأي منها يقول بأن الحالة العامة، أي القلق أو الضغط الخارجي أو الداخلي قد يؤدي إلى السرطان. والبعض يعتبر أن الكثير من العوامل المباشرة قد تسبب السرطان، كبعض أنواع الأشعة، الغذاء غير الصحي، أو التلوث. وبالإجمال إن السرطان هو عبارة عن طفرة جينية تؤدي إلى تغير في تركيبة الخلية التي تكتسب خاصيتين جديدتين: إنها غير قابلة للموت مقارنة بعمر الخلايا الطبيعي. وإنها تستطيع الانتشار من عضو في الجسد إلى آخر. ولأن الطفرة هي عبارة عن محاولة تأقلم الجسد مع خاصية جديدة، فإن السرطان من ناحية نظرية التطور هو عبارة عن تطور للجينات من وضعية قديمة إلى وضعية جديدة تتناسب مع الضغوطات المستجدة في محيط الإنسان، أو بمعنى آخر، هي محاولة الجينات للبقاء في ظل ظروف جديدة. وهذا قد يعني في حالة التطور أن الخلايا بالعام قد تتطور جميعها إلى خلايا بنفس مقومات خلايا السرطان مستقبلاً، إذا ما بقيت أسبابها الموضوعية قائمة، ولكن إلى الآن، إن قدرة الخلايا على التطور (في حالة السرطان) هي أسرع من قدرة جسد الإنسان على التأقلم مع هذه الطفرة. بالإضافة إلى أن المحطات التاريخية لتطور الإنسان ترافقت مع تغيرات في وظيفة الجسد، أو في استخدامه ترافقاً مع نشاط ووظيفة الإنسان في المحيط. وهذا إلى حد ما يقوله رايش في أبحاثه عن السرطان، إن النظام الاجتماعي الذي نعيشه، الذي يفرض ضغوطات هائلة نفسية وجسدية هو المسبب الأول للسرطان. وهذا التوصيف في جوهره السياسي التاريخي يتناسب جزئياً مع من يحدد مسببات السرطان بالنظام الغذائي أو قلة الرياضة أو الحركة أو التلوث، حتى لو كان هؤلاء لا يربطون هذه الاسباب بالنظام الاجتماعي. لأن التغيّر في النظام الغذائي أو التركيز على نظام غذائي غير صحي هو نتيجة عدم القدرة على الوصول إلى نظام غذائي صحي أو عدم توفره أساساً، مثل التلوث الذي تزايد بنسب سريعة نتيجة الطمع بالربح والإنتاج السريع. إضافة إلى أن التغيّر في أسلوب عيشنا باتجاه ضرورة استخدام التكنولوجيا والمواد الناتجة عنها (كالمخلفات التكنولوجية)، والمواصلات وانبعاثاتها، والأسلوب السريع (الضغط الجسدي والنفسي) في العيش مع الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية أدى إلى الارتفاع في نسبة السرطان.
ونتيجةً للتركيز على الجانب «الطبيعي» (ربط المسألة بالغذاء أو التلوث بشكل عام) فإن الوسائل المطروحة أو الدعائية للوقاية من السرطان تتمحور حول الغذاء الصحي، تقليل كمية اللحوم، وعدم التدخين، الرياضة اليومية، إرضاع المولود- في حالة سرطان الثدي. (وبالرغم من أن الرضاعة قد تساهم في التقليل من نسب الإصابة لكونها عملية طبيعية، إلا أن هناك أبحاثاً تشير إلى حالات نساء مصابات قُمنّ بإرضاع أطفالهن)... وبالرغم من اختزاليتها، فإن هذه الوسائل لا تشير إلى أنه ليس بمقدور الجميع الوصول إلى غذاء صحي ارتباطاً بالقدرة الشرائية وتوفر الغذاء الصحي. أو للقدرة اليومية على ممارسة الرياضة كونها أيضاً مرتبطة بالإمكانات المتاحة لهذه الممارسة. بالإضافة إلى أن الأبحاث العديدة حول ضرر اللحوم على الإنسان بحاجة للتدقيق، هذا وأن اللحوم هي جزء أساس لتطور الدماغ عند الإنسان. وتترافق هذه الدعوة لتقليل استهلاك اللحوم مع الدعوة السائدة لتقليل الانبعاثات في الجو عبر التركيز على التقليل من تربية الماشية، التي هي جزء من حل منتقص وفردي غالباً في التعاطي مع موضوع الاحتباس الحراري بعيداً عن كلية النظام الرأسمالي وتدميره للكوكب.
ومع أهمية هذه الوقاية في تقوية جهاز المناعة مثلاً، إلّا أنها لا تشكل العامل الأساس في تخفيف الضغط أو القلق اليومي الذي يتراكم طاقة منفجرة في الجسد (رايش). وهي لا تبدأ من السبب بل من النتيجة. والسبب هو أن الارتفاع الحاصل في الإصابة بالسرطان ترافق مع التغيّر في النظام السياسي، وسيطرة الرأسمالية التي فرضت أسلوباً اجتماعياً ويومياً جديداً، مليئاً بالضغط والقلق، والتي فرضت اغتراباً مرتفعاً جداً بين الفرد ونفسه، وبينه وبين المجتمع. ولهذا يقول رايش منذ منتصف القرن الماضي، إنه من الأفضل لنا إيجاد حل لسبب السرطان بدلاً من إيجاد العلاج له. وهذا الحل كان بالنسبة له ولا زال عبر تغيير أسلوب الحياة، أي تغيير النظام السياسي، وتقليل معاناة الملايين من البشر. وهذا الحل غير ممكن مع النظام الحالي، المستفيد أساساً من الربح من علاجات السرطان وشركات الأدوية ومراكز الأبحاث التي تستفيد من أوجاع وموت الملايين على حساب زيادة ربحها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
934
آخر تعديل على الإثنين, 07 تشرين1/أكتوير 2019 14:26