تصاعد اللامساواة

تصاعد اللامساواة

يدعي المدافعون عن الرأسمالية منذ أكثر من نصف قرن، أن الفقر العالمي آخذ في الانخفاض. وحججهم هي غير شريفة فكرياً وغير مدعومة بالحقائق.
بقلم:جيسون هيكل
تعريب وإعداد: رامان شيخ نو

ويفنّد الكاتب والأكاديمي جيسون هيكل هذه المزاعم كلها في مقاله الأخير المنشور على صحيفة «الغارديان»، موضحاً سبب استشراء الفقر في زمننا الحاضر، رغم أن عالمنا أصبح أكثر ثراءً من أيّ وقتٍ مضى.
إن الرسم البياني للفقر على المدى الطويل (1820 إلى الوقت الحاضر) الذي طوره ماكس روسير وتغريدة بيل غيتس مؤخراً، هو أمر مضلل ولديه القليل من الشرعية التجريبية.
ونشر بيل غيتس رسماً بيانياً في حسابه على تويتر. ويبدو في هذا الرسم أن العالم أصبح أفضل بكثير عن ذي قبل، وقد أرفقه غيتس بقولِه: «هذا واحد من الرسوم البيانية المفضلة لديّ. يستهين الكثير من الناس بمقدار تحسّن الحياة خلال القرنين الماضيين.»
ويعود هذا الرسم البياني في الحقيقة إلى مجموعة من ستة رسومٍ بيانية وضعها ماكس روسير، حيث أثار هذا الإنفوجرافيك القدر الأكبر من الاهتمام من بين أقرانه، إذ يُبيّن أن نسبة الأشخاص الفقراء قد انخفضت من 94% عام 1820 إلى 10% فقط اليوم.
استحضر بيل غيتس هذه الأرقام مراراً في العام الماضي، ومن قبل كثيرين بما في ذلك ستيفن بينكر ونيكولاس كريستوف، ممن يحاولون المحاججة بروعة وملاءمة الانتشار العالمي لرأسمالية السوق الحرة للجميع.
في الواقع، ذهب بينكر وغيتس إلى أبعد من ذلك، حين قالوا بوجوب منع أنفسنا من التشكّي من تزايد التفاوت في العالم، لأن القوى ذاتها التي تمنح الأغنياء تلك الثروات الهائلة هي نفسها من تقضي على الفقر أمام ناظرينا.
فإن توحيد المنهجيتين أمر مضلل في كلا الاتجاهين. (1) من خلال تقييم الدخل فقط من 1820-1970 فإنه من المحتمل أن يقلل من الموارد التي كانت تحت الناس بالمقارنة مع تمثيل الفترة المتأخرة، و(2) من خلال تقييم الاستهلاك الإجمالي من عام 1981 فصاعداً فإنه يبالغ في دخل الأفراد بالمقارنة مع تمثيل الفترة السابقة.
والطريقة الوحيدة لبناء رسم بياني مشروع وطويل الأجل، هي: استخدام مؤشر واحد، إما الدخل أو الاستهلاك.
وينوّه الكاتب إلى وجود العديد من المشاكل في محتوى ذلك الرسم. أولاً: بدأ جمع البيانات الحقيقية عن الفقر منذ عام 1918 فقط، وأيّ شيء قبل ذلك يُعد مشبوهاً وناقصاً، وبالتالي تعيين بيانات حتى 1820 هو أمرٌ لا معنى له.
إن ما تكشف عنه أرقام روسير في واقع الأمر انتقال العالم من وضعٍ لم تكن فيه معظم البشرية بحاجة إلى المال على الإطلاق، إلى وضعٍ تُكافح فيه معظم البشرية اليوم للبقاء على قيد الحياة فقط بمبالغ مالية ضئيلة للغاية.
ويُصنّف الرسم البياني هذا باعتباره انخفاضاً في مستوى الفقر، لكن الكاتب يُرجعها إلى عملية سلب الملكية التي جرفت الناس إلى نظام العمل الرأسمالي.
تسببت عملية دمج الشعوب المستعمَرة بالقوة في نظام العمل الرأسمالي بالكثير من الكوارث. نتذكر أن هذه هي فترة نظام العمل البلجيكي في الكونغو، والتي قادت الاقتصادات المحلية إلى وفاة 10 ملايين شخص- نصف السكان. وهي نفس الفترة، والتي حرمت سكان البلاد الأصليين في جنوب إفريقيا السود من 90 ٪ من البلاد. وفترة المجاعات في الهند، حيث مات 30 مليون دون داعٍ نتيجة للسياسات التي فرضتها بريطانيا على الزراعة الهندية. ولا تنس: تم إجراء كل ذلك باسم «السوق الحر».
فقبل الاستعمار، كان الناس يعيشون في اقتصادات الكفاف حيث يتمتع المرء بسماحيّة الوصول إلى المشاعات الوفيرة، بما في ذلك الأراضي والمياه والغابات والثروات الحيوانية ونظم المشاركة.
وكان لديهم القليل من المال، لكنهم لم يكونوا بحاجة إلى الكثير منه ليعيشوا بشكلٍ جيد، وبالتالي ليس منطقيًا تصنيفهم تحت بند الفقراء.
دمّر المُستعمِرون أساليب العيش هذه بطرق عنيفة، وأجبروا الناس على ترك الأراضي ليتحولوا إلى عمالٍ في المناجم والمصانع والمزارع، مقابل أجور تافهة تُمنح لهم لعملٍ لم يريدوه أساساً.
وبعبارةٍ أخرى، ليس هذا تحسنًا في حياة الناس على الإطلاق، لأن الدخل الجديد والأجور التي يحصلون عليها مقابل أعمالهم لا يمكن مقارنتها أبداً بما فقدوه من أراضٍ وموارد، ولا يمكن أن تعوّض عما استحوذ عليه المستعمِرون.
ويعتبر الكاتب: أنّ الاعتماد على خط فقرٍ قدره 1,90 دولار في اليوم هو تقدير منخفض إلى حدٍ غير معقول بأيّ معيار، ولدينا الآن أكوامٌ من الأدلة على أن الناس الذين يعيشون فوق هذا الخط لديهم مستويات مُروِّعة على صعيد سوء التغذية والوفيات.
وتتفق الأغلبية على احتياج معظم الناس إلى ما لا يقل عن 7,40 دولار في اليوم الواحد لتحقيق التغذية الأساسية، ومتوسط العمر الطبيعي للإنسان، بالإضافة إلى فرصة بالكاد مقبولة لرؤية أطفالهم ينجون حتى عمر الخامسة.
ويصرّ خبير الاقتصاد في جامعة هارفارد لانت بريتشيت، على ضرورة رفع خط الفقر أعلى من ذلك حتى- من 10 إلى 15 دولاراً في اليوم.
هذه إدانةٌ صارخة لنظامنا الاقتصادي العالمي، الذي خيّب السواد الأعظم من البشر. عالمنا أكثر ثراءً من أيّ وقت مضى، لكن تستحوذ نخبة صغيرة على أغلبيته العظمى.
لا يصل أكثر من 5% من إجمالي الدخل الجديد من النمو العالمي إلى نسبة 60% الأفقر من الناس- مع ذلك هم نفسهم من ينتجون معظم الغذاء والسلع التي يحتاجها ويستهلكها العالم، وهم نفسهم من يكدحون في المصانع والمزارع والمناجم البعيدة، حيث حُكِمَ عليهم بالعمل منذ 200 سنة.
يختتم الكاتب مقاله بقولِه: هذا جنونٌ، ولا يوجد قدرٌ من الخطاب المتعالي وفرض الآراء المقدّم من أصحاب المليارات كافٍ لتبريره.